التكوين في مجال الرقمنة.. 20 ألف مستفيد في أفق سنة 2026    "إل جي" تطلق متجرا إلكترونيا في المغرب    جماهير إسرائيلية تتعرض للضرب في هولندا من طرف مغاربة    هولندا.. توقيف 62 شخصا في أحداث الشغب الإسرائيلي بأمستردام    هذه الحصيلة الإجمالية لضحايا فيضانات إسبانيا ضمن أفراد الجالية المغربية    ظاهرة "السليت والعْصِير" أمام المدارس والكلام الساقط.. تترجم حال واقع التعليم بالمغرب! (فيديو)    بيع أول لوحة فنية من توقيع روبوت بأكثر من مليون دولار في مزاد    محامو المغرب: "لا عودة عن الإضراب حتى تحقيق المطالب"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    مؤسسة وسيط المملكة تعلن نجاح مبادرة التسوية بين طلبة الطب والصيدلة والإدارة    الأمانة العامة للحكومة تطلق ورش تحيين ومراجعة النصوص التشريعية والتنظيمية وتُعد دليلا للمساطر    نقطة واحدة تشعل الصراع بين اتحاد يعقوب المنصور وشباب بن جرير    بقرار ملكي…الشيشانيان إسماعيل وإسلام نوردييف يحصلان على الجنسية المغربية    مصدر من داخل المنتخب يكشف الأسباب الحقيقية وراء استبعاد زياش    غياب زياش عن لائحة المنتخب الوطني تثير فضول الجمهور المغربي من جديد    "أيا" تطلق مصنع كبير لمعالجة 2000 طن من الفضة يوميا في زكوندر        بعد 11 شهرا من الاحتقان.. مؤسسة الوسيط تعلن نهاية أزمة طلبة كلية الطب والصيدلة    هزة أرضية خفيفة نواحي إقليم الحوز    كوشنر صهر ترامب يستبعد الانضمام لإدارته الجديدة    بورصة البيضاء تستهل التداول بأداء إيجابي    الهوية المغربية تناقَش بالشارقة .. روافدُ وصداماتٌ وحاجة إلى "التسامي بالجذور"    طواف الشمال يجوب أقاليم جهة طنجة بمشاركة نخبة من المتسابقين المغاربة والأجانب    مجلة إسبانية: 49 عاما من التقدم والتنمية في الصحراء المغربية    بحضور زياش.. غلطة سراي يلحق الهزيمة الأولى بتوتنهام والنصيري يزور شباك ألكمار    الجولة ال10 من البطولة الاحترافية تنطلق اليوم الجمعة بإجراء مبارتين    الجنسية المغربية للبطلان إسماعيل وإسلام نورديف    كيف ضاع الحلم يا شعوب المغرب الكبير!؟    تحليل اقتصادي: نقص الشفافية وتأخر القرارات وتعقيد الإجراءات البيروقراطية تُضعف التجارة في المغرب        متوسط عدد أفراد الأسرة المغربية ينخفض إلى 3,9 و7 مدن تضم 37.8% من السكان    رضوان الحسيني: المغرب بلد رائد في مجال مكافحة العنف ضد الأطفال    تقييد المبادلات التجارية بين البلدين.. الجزائر تنفي وفرنسا لا علم لها    طوفان الأقصى ومأزق العمل السياسي..        ارتفاع أسعار الذهب عقب خفض مجلس الاحتياطي الفدرالي لأسعار الفائدة    إدوارد سعيد: فلاسفة فرنسيون والصراع في الشرق الأوسط    المدير العام لوكالة التنمية الفرنسية في زيارة إلى العيون والداخلة لإطلاق استثمارات في الصحراء المغربية    حظر ذ بح إناث الماشية يثير الجدل بين مهنيي اللحوم الحمراء    طلبة الطب يضعون حدا لإضرابهم بتوقيع اتفاق مع الحكومة إثر تصويت ثاني لصالح العودة للدراسة    خمسة جرحى من قوات اليونيفيل في غارة إسرائيلية على مدينة جنوب لبنان    المنصوري: وزراء الPPS سيروا قطاع الإسكان 9 سنوات ولم يشتغلوا والآن يعطون الدروس عن الصفيح    إسبانيا تمنع رسو سفن محملة بأسلحة لإسرائيل في موانئها    الشبري نائبا لرئيس الجمع العام السنوي لإيكوموس في البرازيل    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    "المعجم التاريخي للغة العربية" .. مشروع حضاري يثمرُ 127 مجلّدا بالشارقة    طنجة .. مناظرة تناقش التدبير الحكماتي للممتلكات الجماعية كمدخل للتنمية    قد يستخدم في سرقة الأموال!.. تحذير مقلق يخص "شات جي بي تي"    الأمازيغية تبصم في مهرجان السينما والهجرة ب"إيقاعات تمازغا" و"بوقساس بوتفوناست"    1000 صيدلية تفتح أبوابها للكشف المبكر والمجاني عن مرض السكري    الرباط تستضيف أول ورشة إقليمية حول الرعاية التلطيفية للأطفال    وزارة الصحة المغربية تطلق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية    خبراء أمراض الدم المناعية يبرزون أعراض نقص الحديد    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالسيدا يعلن تعيين الفنانة "أوم" سفيرة وطنية للنوايا الحسنة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملامح عن جهود المرحوم المجاهد مَحمد بوستة في الدفاع عن الإسلام وقضايا المسلمين.. بقلم // ذ.محمد السوسي
نشر في العلم يوم 31 - 03 - 2017

ملامح عن جهود المرحوم المجاهد مَحمد بوستة في الدفاع عن الإسلام وقضايا المسلمين
* بقلم // ذ.محمد السوسي
اشرنا في صلب الحديث إلى موقف الفقيد من قضايا العالم الإسلامي والمسلمين ودعوته إلى توحيد الصفوف، وكان يخص القضية الفلسطينية بجهد خاص، واليوم مع ذكرى يوم الأرض 30 مارس، وانعقاد القمة العربية والقضية الفلسطينية على ما هي عليه والموقف العربي كما يعرف الجميع نورد فيما يلي نصا من خطاب الفقيد في المؤتمر العاشر لحزب الاستقلال عام 1978 قال:
أيها الإخوة:
في مقدمة القضايا العربية التي استبدت باهتمام حزب الاستقلال منذ نشأته وواكب اهتمام الحزب تطوراتها الخطيرة قضية فلسطين، ونحن نعتبرها في مقدمة القضايا الإنسانية التي يناضل فيها شعب بكامله لاسترجاع الأرض التي طرد منها وبناء كيانه الوطني الذي سلب منه، وحزب الاستقلال لا يرى هدفا للثورة الفلسطينية غير ما انطلقت على أساسه حركة التحرير الوطني الفلسطيني: «إقامة دولة فلسطينية ديمقراطية مستقلة ذات سيادة على كامل التراب الفلسطيني تحفظ للمواطنين حقوقهم الشرعية على أساس العدل والمساواة دون تمييز بسبب العنصر أو الدين أو العقيدة وتكون القدس عاصمتها».
إن الصهيونية العنصرية بتحالف مع الاستعمار خططتا للوجود الصهيوني منذ الحرب العالمية الأولى في محاولة لقص أجنحة الأمة العربية وإقامة سدود قوية أمام طموحاتها في التحرر والوحدة.
الوجود الصهيوني إذن ليس مجرد تشريد شعب من دياره ليحل محله شعب غريب عن هذه الديار، وإنما هدفه الأساسي هو فصل جناحي الأمة العربية الشرقي والغربي من جهة ، وشغل شعوب هذه الأمة من جهة أخرى عن معارك النماء بدفع الصهيونية بين الفينة والأخرى إلى التوسع وإشعال نار الحروب، فمنذ قيام إسرائيل أعلنت ثلاث حروب على أشقائنا العرب من دول المواجهة وفي كل حرب من هذه الحروب نجد أن توقيتها يصادف فترة معينة من فترات النهضة العربية… فحرب الاحتلال لسنة 1948 التي أعقبها استيلاء الإرهاب الإسرائيلي على جزء من فلسطين العربية جاءت في بداية مرحلة الوعي العربي وانطلاق حركات الاستقلال في الأقطار العربية وتأسيس جامعة الدول العربية بعد ميثاق الإسكندرية. وحرب 1956 جاءت بعد تأميم مصر لقناة السويس وامتداد السيادة المصرية على التراب الوطني. وحرب 67 جاءت بعد بروز حركة التصنيع في مصر ومشاريع النماء في سوريا والأردن.
ومن هذا المنطلق نتصور أن الوجود الصهيوني هو وجود يهدد الأمة العربية من محيطها إلى خليجها. وهذا التهديد يتخذ عدة وسائل في الممارسة تبرز اليوم للقريب والبعيد في شكل تهديد عسكري وتهديد اقتصادي وثقافي وحضاري… يرمي إلى نسف حضارة أمتنا من الداخل ومسخ شعوبنا في محاولة للقيام بدور المحتل الجديد لخيرات شعوب هذه الأمة بعد طمس سائر ملامح حضارتها، وقد جاءت الأحداث الأخيرة لتؤكد هذه النظرية…
وقد اتضحت للرأي العام الدولي –أكثر من أي وقت مضى- حقيقة إسرائيل وخطتها التوسعية التي تنتهز كل فرصة لشن حرب عدوانية جديدة تستولي فيها على جزء من البلاد العربية المجاورة تحقيقا للفكرة الصهيونية الخطيرة التي تعمل على تكوين إسرائيل من النيل إلى الفرات، كما ظهر بوضوح التعنت والتعصب اللذان يمنعانها من قبول أية خطوة نحو السلام.
ونحن لا نرى حلا لهذا الخطر الذي يتربص بشعوب المنطقة جميعا إلا في وحدة الصف العربي، واستعداد كل الدول بما فيها شعب فلسطين ومنظمته لمقاومة هذا العدوان سياسيا وإعلاميا وعسكريا.
وهنا نرى من الضروري أن نوجه النداء مرة أخرى إلى شعوبنا العربية وحكوماتها للتشبث بمقررات مؤتمر الرباط نصا وروحا، ولتناسي الخلافات الجانبية، وللتسامي فوق الصراعات التي تبذر الصهيونية والاستعمار بذورها فيشغلاننا عن القضية الأولى قضية فلسطين، إننا كلما خطونا خطوة نحو الهدف لتحرير فلسطين شغلتنا الصهيونية والاستعمار بحرب جديدة أو بصراع داخلي بين البلاد العربية ليستنزف الطاقات ويجمد كل الجهود التي تبذل حتى في إطار التنمية المشتركة للوطن العربي.
ولزيادة تعميق العمل بين الشعوب من أجل تحرير فلسطين ندعو لعقد مؤتمر للشعوب العريضة لدراسة القضية والخروج بتوصيات تساهم في تجنيد كل الطاقات العربية لخدمة قضيتنا التحررية الأولى في الوطن العربي.
وحزب الاستقلال يؤكد مرة أخرى أنه مع الثورة الفلسطينية لتحقيق أهدافها الرئيسية في تحرير فلسطين وبناء كيان الشعب الفلسطيني على أرضه المحررة بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وسيظل مناضلو الحزب على استعداد للقيام بأي عمل يتطلبه النضال الفلسطيني.
*********
مناسبة
ينظم يومه الجمعة 2 رجب موافق 31 مارس مهرجان تأبيني للمرحوم المجاهد امحمد بوستة رحمه الله، وسيكون المهرجان فرصة ومناسبة للحديث عن دور الفقيد في الحركة الوطنية الاستقلالية وجهوده في قيادة الحزب والمساهمة القوية في بناء مغرب ما بعد الاستقلال، ومساهمة من حديث الجمعة في هذه المناسبة سنتناول دوره في الدفاع عن القيم والمبادئ الإسلامية ضمن عمله الوطني في قيادة الحزب وكذلك في مجال عمله الرسمي وهو مشارك في الحكومات المغربية التي ساهم فيها باسم الحزب لفترات تطول وتقصر أحيانا.
الوفاء
لقد سبق في مفتتح لحديث الجمعة أن تناولنا جانبا من تشبعه والتزامه في توجهه الفكري بالعمل و الدفاع عن قيم الإسلام ومبادئه، وأن يحفظ المجتمع المغربي على طابعه الإسلامي الذي يتميز به منذ اعتنق المغاربة الإسلام واختاروا الدفاع عنه والدعوة إليه بين الشعوب في إفريقيا وأوروبا وغيرها، وكان محمد بوستة كما أسلفنا في ذلك الافتتاح قد نشأ نشأة إسلامية في بيئة ملتزمة وأسرة لها نصيب وافر من العمل والمعرفة بالشريعة وأصولها ومقاصدها.
دور بارز
ولا نعود اليوم لتكرار ما سبق وإنما سنوفي اليوم بما وعدنا به في ذلك المقال وهو استحضار بعض النصوص والمواقف التي سجلها الفقيد رحمه الله وهو على رأس قيادة حزب الاستقلال وسيكون حديثا هذا في أغلبه هو التذكير بهذه النصوص والمواقف ولاشك أن الناس يذكرون دوره البارز في انجاز ما قامت به اللجنة العلمية والفقهية التي عينها جلالة الملك محمد السادس نصره الله لمراجعة مدونة الأحوال الشخصية والخروج بنص جديد وعنوان جديد وهو مدونة الأسرة التي أصبح العمل جاريا بها منذ ما يزيد عن عقد من الزمان.
حماية الأسرة
لقد كانت مسألة مراجعة نصوص مدونة 1957 مطروحة بحدة بصفة خاصة مع عقد التسعينات من القرن الماضي، وكان حزب الاستقلال بقيادة الفقيد قد قام بجمع توقيعات المواطنين على عريضة تهدف إلى حماية المرأة المغربية المسلمة وصيانة الحقوق التي كلفها الشرع الإسلامي للمرأة وللأسرة باعتبارها الخلية الأولى للمجتمع المغربي، وكان ذلك العمل الذي أنجز تحت قيادته أفضى إلى بعض التعديلات في سنة 1993 وعندما بدأ طرح الإشكالية مع نهاية القرن وبداية الألفية الثالثة وبروز الإلحاح من لدن أطراف متعددة وطنيا ودوليا أصبح ما من الإصلاح الضروري بد.
لا جمود ولا جحود
وعندما تعذر التوافق والتفاهم في اللجنة المكلفة وعين الفقيد رحمه الله رئيسا لهذه اللجنة عرف بحكمته وقناعته بالمبدأ الذي رفعه علال الفاسي رحمه الله وهو يقود اللجنة المماثلة في 1957 وهو لا جمود ولا جحود استطاع أن يصل إلى انجاز نص متميز ومفخرة للاجتهاد والتوافق المغربيين في مجال زلت في أقدام الكثيرين.
المقاصد
إنني لا أريد في هذا الحديث أن استفيض في الكلام عن أعمال اللجنة ولكن فقط للتذكير بدوره ومدى تشبعه بالفكرة الأساس في العمل الإسلامي وهي الالتزام بمقاصد الشريعة وأصول الفقه الإسلامي لخدمة الأمة وإيجاد مجتمع متماسك ومتضامن.
ادعاء خاطئ
وأعود للحديث عن بعض النصوص والفقرات التي وردت في التقارير المذهبية التي كان رحمه الله يفتتح بها مؤتمرات الحزب، تلك التقارير التي كانت ترسم الخطوط العريضة للعمل الوطني والتوجه الفكري للحزب، وإنما اخترت هذه التقارير لأن الكثيرين من الناس لا يطلعون عليها ولكنهم لا يتورعون في ادعاء تخلي الحزب عن الالتزام بالمرجعية الإسلامية والسعي من أجل الحفاظ على الطابع الإسلامي للتشريع والقوانين ببلادنا وقد يكون لهؤلاء عذر عندما يقارنون بين علال الفاسي مثلا ومحمد بوستة، ذلك أن علال الفاسي عالم متخصص في العلوم الإسلامية ومنظر في المقاصد الشرعية وهو في هذا من الأفذاذ المتميزين في القرن العشرين، وهو في نفس الوقت زعيم سياسي ووطني إذ تجتمع في شخصه صفة الداعية وصفة القيادي السياسي الملتزم والمرحوم محمد بوستة ليس داعية ولكنه رجل فقه وقانون وملتزم بالدفاع عن القيم والمبادئ الإسلامية داخل المجتمع المغربي وخارجه، ومن الطبيعي أن يختلف الدور باختلاف الشخصيات والمواهب والمدارك.
لا قياس مع..
إننا لا نريد في هذا الحديث المقارنة بين الشخصين إذ لا قياس مع وجود الفارق كما يقال، ولكن أريد فقط التأكيد على أن المسار واحد من حيث الالتزام بالمرجعية الإسلامية بالنسبة للمرجعية الإسلامية، إذ مع كل النشاط الدعوى الذي قام به الزعيم فإن الصعوبات ظلت قائمة في التوجه الذي خطه وحدده في لجنة تدوين الفقه الإسلامي، وذلك لأن الظروف السياسية والموضوعية لم تكن مهيأة كما هو الأمر والى الآن ورغم كل ما بذل من جهد في هذا السياق.
الجذور الإسلامية
ونعود للحديث عن بعض ما كتبه الفقيد محمد بوستة ووضعه أمام الرأي العام ودعا المناضلين في الحزب إلى مواصلة العمل لانجازه وذلك من خلال إقناع المواطنين جميعا بأحقية هذا الانجاز الذي يعيد بوصلة المجتمع إلى خط التصالح مع الذات والجذور الإسلامية للتقاضي والتشريع والحياة العامة.
وفي هذا الشأن يقول في المؤتمر الثاني عشر للحزب الذي افتتح يوم الثالث عشر من شوال عام 1409 19 ماي 1989 وهو يخاطب المناضلين والمناضلات ومجموعة المدعوين لهذه الجلسة الافتتاحية تحت عنوان:
إرساء العقيدة الإسلامية الصحيحة
أيها الإخوة:
«الطابع العام لحزب الاستقلال هو أنه متشبث بالعقيدة الإسلامية مدافع عنها ضد الانحرافات الفكرية وضد الممارسات التي تضر بالمجتمع المغربي الإسلامي. وقد تحكم هذا الاتجاه في مسيرة الحزب وبرامجه منذ نشأته أواسط العشرينات انطلاقا من الفكر السلفي الذي يعتبر فكرا ثوريا يستهدف الاعتماد على الإسلام الصحيح في تطوير المجتمع الذي كانت الخرافات تعيث فيه فسادا، فكانت من المؤثرات الخطيرة التي اعتمد عليها الاستعمار في تركيز نفوذه باعتماده على بعض المشعوذين باسم الإسلام، كانت السلفية ثورة على الحاضر لبناء المستقبل العقيدي السليم استمدادا من الماضي المستقيم. وانطلاقا من هذه العقيدة الثورية نشأت الحركة الوطنية في مظهرها السياسي التي قاومت الظهير البربري لما كان له من مساس بالعقيدة الإسلامية ووحدة المجتمع الإسلامي».
الاعتزاز
ولم يكتف الفقيد بتوضيح هذا الدور الذي لعبته العقيدة في شأن انطلاق الحركة الوطنية ولكنه يؤكد أن حزب الاستقلال يعتز بأنه استطاع أن يحافظ على اتجاهه الإسلامي هذا بفضل الرائد الكبير علال الفاسي الذي قاد الحزب منذ نشأته، والذي كان يمده بتوجيه إسلامي سليم من خلال خطبه ومقالاته والعديد من كتبه، ومن خلال تقاريره في مؤتمرات الحزب ومجلسه الوطني.
تأكيد واستمرار
إخلاصا لهذا الاتجاه السليم الذي يطبع جميع المناضلين في الحزب يؤكد برنامجنا المستقبلي على ضرورة المحافظة على الطابع الإسلامي للمجتمع المغربي في وجه سياسة التغريب والانحرافات التي تغزو مجتمعنا أو تنبت من بقايا الخرافات والممارسات البعيدة عن روح الإسلام. ويؤكد برنامجنا العمل على تكوين مجتمع يسوده روح التكافل، بالمنظور الإسلامي، وتطبعه الاستقامة والحرية والعدالة والنزاهة والمساواة».
مرحلة تاريخية
ويضيف في هذا الخطاب المهم في مرحلة دقيقة من تاريخ العالم وليس المغرب فقط إذ بعد حوالي سبعة أشهر سقط جدار برلين وعرف العالم تحولا جديدا في مسار الأفكار والسياسات فكانت دعوته هي:
تغيير الأوضاع
«ولن يحافظ مجتمعنا على طابعه الإسلامي بمجرد الوعظ، بل لن يكون في إمكانه ذلك إلا إذا غيرنا الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي تفرز الانحرافات، وإلا إذا كانت التربية في المدرسة، قبل المنزل، قائمة على مبادئ الأخلاق الإسلامية، وقامت التربية الثقافية على تشجيع الكتاب والدراسات الإسلامية ونشر التراث الفكري الإسلامي ومتابعة ما يكتب ضد الإسلام وتصحيح المفاهيم المخطئة والمغرضة وبعث الرسالة التثقيفية والفكرية للمسجد والعناية بالثقافة الإسلامية التي كانت القرويين والمعاهد الإسلامية في شمال المغرب وجنوبه وشرقه مصادر إشعاع لها وقامت وسائل الإعلام المرئية والمسموعة بواجبها في التربية الإسلامية، وقامت سلطات الدولة بمحاربة كل مظاهر الانحراف والشعوذة، ومنعت الخمر والمخدرات والبغاء وحاربت الغش والرشوة والفساد الإداري. المجتمع الإسلامي الذي يريده حزب الاستقلال لا يمكن أن يتكون من تلقاء نفسه فإن الله ليزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن».
ويتطرق في الفقر التالية إلى تحديد الهدف من إبراز طابع العقيدة الإسلامية في هذا القرار فيقول:
الشريعة مصدر التشريع
«وفي مقدمة ما يطالب به برنامج الحزب: جعل الشريعة الإسلامية مصدر التشريع، وبذلك تلغى أو تعدل كل القوانين الوضعية المتعارضة مع المبادئ الأساسية للإسلام.
وفي هذا الإطار يجب أن نشير إلى ضرورة العودة إلى إقرار العطلة الأسبوعية يوم الجمعة لأنه يوم يرتبط بمفاهيم إسلامية من شأنها أن تلغي من ذاكرة المجتمع إذا ظل يوما عاديا للعمل.
ليس غريبا أن نعمل على تكوين مجتمع إسلامي في خضم مشاكلنا الاقتصادية والاجتماعية. إننا نؤمن بأن الإسلام يرعى المجتمع أكثر من أي مذهب لائكي حديث. وفي أصول الإسلام وقواعده وتشريعاته وأخلاقه ما يدفع بالمجتمع في طريق التنمية، وما يحد من الفروق بين فئاته وينشر أولوية التعايش السلمي بين أبنائه.
ومجتمعنا المغربي في حاجة إلى ذلك».
المشكل الأكبر
ونجده يضع الأصبع على المشكل الأكبر الذي أفضى إلى ما يعانيه المجتمع المغربي من أفكار متطرفة نتيجة للجهل بالإسلام ومقاصده السامية وقيمه التي تلتزم التسامح والرفق والدعوة بالتي هي أحسن، وذلك في المؤتمر التاسع للحزب الذي انعقد في شعبان 1394 موافق ل13 شتنبر 1974.
الفكر الإسلامي يتخلف في المغرب نتيجة محاولة تصفية التعليم الإسلامي
هناك إلى جانب قضايا مهمة في التعليم يجب العناية بها: التعليم الإسلامي الذي حمل المغرب لواءه منذ أن تكونت أول جامعة في العالم الإسلامي وهي جامعة القرويين قبل أكثر من أحد عشر قرنا. وقد كان التعليم الإسلامي بمفهومه الواسع كما سهرت عليه هذه الجامعة عبر التاريخ ينهض بتكوين المواطن علميا وفكريا ودينيا وتقنيا، وكان هذا التعليم يسهر على إشعاع الحضارة العربية والإسلامية من الأندلس حتى شمال إفريقيا وغربها وإذا كان قد تخلف عن دوره التاريخي نتيجة فتربى التخلف والاستعمار اللتين مر بهما المغرب فإن عهد الاستقلال جدير بأن يعيد إلى هذا التعليم مكانته مع التجديد الذي يتطلبه، إن الفكر الإسلامي في حاجة إلى متخصصين في الدراسات الإسلامية والحضارة العربية، والمغرب جدير بأن يقوم بدوره في هذا الميدان في المستقبل كما قام به في الماضي، ومن المؤسف أن يكون الاتجاه الذي يسير عليه التعليم الإسلامي منذ الاستقلال لا يحقق هذا الهدف إن لم نقل أنه اتجاه من شأنه أن يصفي التعليم الإسلامي. وهذا ما دفع بحزب الاستقلال إلى المطالبة المستمرة بمراجعة سياسة الحكومة فيما يخص هذا القطاع من التعليم والثقافة.
ونجده كذلك في التقرير الذي قدمه في المؤتمر العاشر للحزب المنعقد في شهر ابريل 1978 تحليلا مهما لفلسفة العدالة الاجتماعية في الإسلام فيقول تحت عنوان:
وجهة نظر الإسلام في العدالة الاجتماعية
إن النظرية الاقتصادية الإسلامية تقوم على العنصرين الأساسيين المال والعمل.
أما العمل فقد كرمه الإسلام وعظمه حتى أن الرسول قبل يد عامل وقال هذه يد يحبها الله ورسوله. وفضل العمل من أجل الكسب على العبادة، وجعله أساس الخلافة التي طوق بها الله الإنسان وربط بين المال والعمل فشرط الملكية بالعمل ويظهر من بعض القرائن والمواقف عند بعض المفكرين المسلمين وبعض الخلفاء أن للعمل أسبقية على رأس المال. فعمر بن الخطاب نزع من رجل ملكه الرسول عليه السلام أرضا ولم يستثمرها، نزع أرضه وأعطاها لشخص آخر استثمرها. وقال ابن حزم المفكر الأندلسي المشهور انه لا يجوز لمالك ارض أن يأخذ شيئا من الأرباح إذا لم يكن يسهم بنفسه في خدمة هذه الأرض، أما إذا كان يسهم في ذلك فله أن يقسم الأرباح مع المأجورين المستخدمين في خدمة هذه الأرض، وأما إذا كان يعمل بمفرده في أرضه فيستفيد وحده من الأرباح. على أن الملكية تبقى في ملكه ألا إذا رفض أن يستثمر الأرض وتركها مواتا، أو استعملها لغير صالح المجتمع كأن زرع فيها مادة مضرة بصحة المجتمع كالكيف أو الأفيون أو غير ذلك».
الإسلام والملكية الخاصة
وفي شأن احترام الإسلام للملكية الخاصة يقول:
وقد أحاط الإسلام الملكية الخاصة بكثير من العناية فجعل المال وما يرمز إليه ملكية مطلقة لله تعالى يستخلف الإنسان فيه، ويوتيه من يشاء وجعل ملكية الإنسان النية مشروطة بسلامة الكسب الحلال الذي لا يشوبه نهب أو غصب أو استغلال. كما أنها مشروطة بوجوب العمل ومراعاة المصلحة العامة.
وظيفة اجتماعية
لذا اعتبر الإسلام الملكية ذات وظيفة اجتماعية، ينبغي أن تقوم بها أو يسقط حقها على المالك لأن الإنسان المالك مكلف من طرف المجتمع باستغلالها لفائدته.
وقد عمل بعض خلفاء المسلمين، من جهة أخرى، وخاصة عمر بن الخطاب على ضمان العمل للجميع، وعلى إلزام عماله بضمان المأكل والملبس والمسكن للجميع وذلك بالأخذ من الأغنياء لفائدة المحتاجين بما فوق الزكاة حتى يضمن الأمد الحيوي في المأكل والملبس والمسكن للجميع. كما عرف عنه أنه نزع الملكية وحددها وأمم المراعي، وخصص بعضها لمواشي الفقراء دون الأغنياء وأوقف بعض الأراضي على الجماعة شريطة عدم بيعها أو هبتها أو توارثها.
فبناء على المبدأ العام للملكية الفردية المشروطة وعلى الواقع المطبق من طرف بعض أولى الأمر المتشبعين بروح الإسلام، والمؤيد من طرف فقهاء ومفكرين كالشاطبي وابن حزم وغيرهما، نستنتج نتيجتين عظيمتين:
نتيجتان عظيمتان
الأولى: إن الملكية الجماعية هي الأصل والملكية الفردية استثناء ووكالة، أي أن جميع الثروات الموجودة في رقعة من الأرض، بجميع محتوياتها -في باطن الأرض وعلى وجهها وفي سمائها وبحرها- ملك لجميع أهالي البلاد وأنهم ينبغي لهم أن يستفيدوا منها جميعا، ولذلك بقيت بعض الثروات مؤممة كالمياه والغابات والمعادن وعند الفقهاء الكلأ أيضا أي أراضي المراعي.
إلا أن المجتمع يوكل عنه بعض الأفراد في الملكية الخاصة شريطة التزامهم بالشروط المذكورة.
والنتيجة الثانية هي وجوب التكافل في المجتمع الإسلامي أي أنه لا يجوز أن يكون في نفس المجتمع أغنياء يتوفرون على أكثر من حاجيتهم بأضعاف مضاعفة وآخرون لا يملكون ما ينفقون ولذلك جاءت روح العدالة الاقتصادية والاجتماعية بتصحيح هذا الوضع الفاسد باستمرار.
عبء الدعوة إلى الوحدة
وهو إذ يدافع عن الطابع الإسلامي للمجتمع المغربي ويحدد مفهوم العدالة الاجتماعية في الإسلام فإنه ظل باستمرار وهو في قيادة الحزب أو وهو يتولى الشؤون الخارجية في الحكومة المغربية يحمل دائما معه الدعوة إلى وحدة شعوب المغرب العربي في إطار منظمة تتعاون فيها الحكومات لصالح هذه الشعوب، كما يدعو إلى وحدة عربية تحترم الإنسان العربي وأنظمته ولكنها تعمل لتكون هذه الدول ولو في إطار الجامعة العربية تعمل للتقارب لا للتباعد وقد تحدث في برنامج الشاهد الذي أنجزته القناة الأولى المغربية شهادته ومجهوداته التي بذلها في هذا الشأن وهو لم يكن يطمح إلى وحدة المغرب العربي أو العربية بصفة عامة فقط ولكنه وهو المتشبع بالروح الإسلامية المبنية على وحدة الناس جميعا يدعو المسلمين ان يقدموا نموذجا في هذا الصدد، فدعا في مؤتمرات وزراء الخارجية لدول منظمة المؤتمر الإسلامي أو منظمة التعاون الإسلامي حاليا، وذلك عندما كان وزيرا للشؤون الخارجية ومن خلال مساهمة الحزب في بعض أشغال المنظمات غير الرسمية ذات الطابع الإسلامي ولذلك فهو يدعو إلى هذه الوحدة باستمرار ونجد أن هذه الدعوة في الظروف الحالية التي تعيشها الأمة الإسلامية هي الأجدر بأن توجه حاليا لقد جاء في الدعوة إلى الوحدة الإسلامية ما يلي:
الوحدة الإسلامية من أهدافنا
أيها الإخوة
إن الوحدة الإسلامية هدف من أهداف شعوبنا، ولذلك فالحزب يوليها كامل عنايته. وهي في نظرنا لا تقوم على تعصب ديني أو طائفي. فالتعايش السلمي بين الأديان من أسس ديننا الحنيف، ولكنها قائمة في نظرنا على تكوين مجموعة إسلامية اقتصاديا وفكريا وعلميا، بقطع النظر عن العرق واللغة، كما تتعاون للدفاع عن الإسلام كعقيدة وممارسة في وجه الشبهات والأضاليل التي ينسبها إليه المضللون والمنحرفون والهدامون، وللدفاع عن الجماعات الإسلامية المضطهدة في كثير من البلاد كالفلبين واريتريا وبعض البلاد الأسيوية والإفريقية الأخرى. ويعتمد حزب الاستقلال على منظمة المؤتمر الإسلامي كجهاز يقوم بهذه المسؤوليات ويسهر عليها. ولكن يجب تدعيم هذا الجهاز وتمكينه من الوسائل المادية ومن دعم معنوي من جميع الدول الإسلامية ليقوم بمسؤولياته كاملة وليطور عمله حتى يحقق الوحدة التي نرجوها بين الدول الإسلامي في الميادين التي يمكن فيها إقامة هذه الوحدة.
التضامن المطلق
ويعلن الحزب تضامنه المطلق مع سائر الأقليات الإسلامية المضطهدة في مختلف البلاد التي تتعرض فيها هذه الأقليات إلى الاضطهاد ويطالب المنظمات الدولية وسائر الدول المحبة للعدالة والحرية والسلام أن تناصر الأقليات المضطهدة حتى يرتفع عنها الظلم والعدوان. ويحيي بهذه المناسبة الحكومة التركية التي قامت بواجبها في تخليص الشعب الإسلامي في قبرص من اضطهاد وعدوان الطغمة العسكرية التي كانت مسيطرة على اليونان وتفرض إرادتها في قبرص لإبادة الشعب الإسلامي هناك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.