* العلم الواضح اليوم أن حزب العدالة والتنمية لم يعد بحاجة مطلقة إلى مساندة حزب الاستقلال للحكومة المرتقب تشكيلها بعد أيام قليلة إن لم يكن بعد ساعات. فالحزب بما له من إمكانيات فكرية هائلة وقوة إقناع كبيرة تمكن من ضمان أغلبية نيابية يصل تعدادها إلى 240 من النواب البرلمانيين، وبالتالي فإن الحكومة التي سيترأسها الدكتور سعد الدين العثماني محصنة في أغلبية مريحة جدا على الأقل من الناحية العددية وليس من الناحية النفسية. وقد يكون حزب الاستقلال من جهته لم يعد ملزما بهذه المساندة لأنه حينما قرر مجلسه الوطني مساندة الحكومة التي سعى الأستاذ عبد الإله بنكيران إلى تشكيلها كان المرجع في القرار حماية الشرعية الانتخابية، وصيانة الإرادة الشعبية التي جسدتها نتائج صناديق الاقتراع ليوم السابع من أكتوبر الماضي، وكان الهدف من القرار التاريخي تعبيد الطريق السالكة أمام المسار الديمقراطي في البلاد، أما وأنه تم الإلقاء بالشرعية الانتخابية والإرادة الشعبية جانبا، أما وأن المسار الديمقراطي في البلاد حرم من فرصته التاريخية في التسريع والتكريس فإن القرار قد يكون أصبح غير ذي جدوى. إن أصوات النواب الاستقلاليين ليست ذروعا احتياطية، وليست عجلات يلتجأ إليها في حالات الضرورة، ولا هي أصوات إضافية يحافظ بها في الخزان إلى وقت الحاجة. بل إن الأمر يتعلق بموقف سياسي اتخذ في سياق سياسي معين. وقد يصبح غير ذي جدوى بزوال الأسباب التي مكنته من أن يصبح سائدا في لحظة من اللحظات. ولعل رسالة عدم التجاوب مع دعوة رئيس الحكومة الجديدة كانت واضحة ولا تحتاج إلى جهد لقراءتها. رئيس الحكومة والحزب الذي ينتمي إليه اختار عن طواعية التنكر للأسباب التي جعلت مواقفه محل تقدير كبير من طرف الاستقلاليين والاستقلاليات، وهي نفس الأسباب التي أقنعت قيادة حزب الاستقلال بالتصرف بالصيغة المعلومة في التوقيت المناسب، وتنكر قيادة العدالة والتنمية لما تنكرت إليه قد يدفع بعض الاستقلاليين إلى الندم عن عدم انتهاز الفرصة التاريخية التي أتيحت لهم ولغيرهم ومكنت غيرهم اليوم من مراكمة المكاسب، لكن مع ذلك تظل القناعة راسخة في أن المصلحة العامة للوطن لا يمكن بأية حال من الأحوال أن تقاس بلغة المكاسب والمغانم. مهم أن يسجل الرأي العام الوطني، وأن يدون التاريخ أن قيادة العدالة والتنمية قررت بمحض إرادتها أن يكون تمثيل حزبها في الحكومة رمزيا، ومن حق الذين انتصروا عليه في معركة المشاورات أن يتطلعوا إلى تحقيق مزيد من المكاسب، فالذي استسلم في البداية يصعب أن يصدق الرأي العام أنه لن يواصل الاستسلام، مادام ينظر إلى السياق السياسي العام من الزاوية الخاصة به بما يحفظ له حظوظ كاملة في الاستمرار في الموقع، والأكيد أن حجم الكعكة، لن يكون كافيا لتلبية شهية الفرقاء الستة، وأن هذه الشهية ستمتد لتشمل قطع وأجزاء الكعكة، وهذه حكاية أخرى من حكايات هذا المسلسل الممل. أما بالنسبة لحزب الاستقلال فإنه واع بالأهمية القصوى التي تكتسيها اللحظة السياسية الوازنة والمصيرية التي تعيشها البلاد وسيتصرف انطلاقا من هذه القناعة وعلى أساسها.