عشية التئام قمة الاتحاد الإفريقي أخذ الغرور مأخذه من زعيم دبلوماسية الانفصاليين ففاجأ صحفيين بمقر الاتحاد بلغة الواثق من نفسه ومن خياراته بما مفاده أن قادة القارة «سيضعون المغرب في حجمه الحقيقي بقاعة جلسات القمة… لم يخب حدس القيادي الانفصالي الذي تلقى من العاصمة الجزائرية تطمينات بأن الامور ستمر بالقمة الافريقية كما خطط لها وحازت المملكة على دعم 40 قائدا إفريقيا بينما جلس زعيم طغمة الرابوني مشدوها يراقب المشهد ويتأكد علنا وجهارا من الحجم الحقيقي للمغرب بالقمة الافريقية, حتى أن شطحات زوما وزوجها الرئيس ومناورات سلال والشرقي لم تسعف في وقف المد المغربي المترجم بتفكك العقدة الافريقية التي حبكتها بريتورياوالجزائر قبل ثلاثة عقود، وتحللها أمام صلابة المشروعية وسمو الحقائق وعجز كل ارادات التفرقة ومصالح التحكم والهيمنة عن فصل المملكة عن جذورها الافريقية المتشعبة بفعل التاريخ وقوة المواقف. عاد غالي الى خيامه المأجورة بالرابوني، يجر ذيول الخيبة والهزيمة، وانكمشت دبلوماسية الجارة على نفسها مطلقة إعلامها لترديد اسطوانة النصر الوهمي . رفعت جبهة الرابوني سقف توقعاتها ومطالبها، حتى قبل أن تنطلق القمة باديس أبيبا وانبرى زعيمها يجزم بعد خروجه من لقاء مع سلال بأن قمة القادة الافارقة لن تفرط في جمهورية الوهم ولن تقبل بالمغرب عدو الانفصاليين . بعد ملحمة القمة 28 للاتحاد الافريقي وتحقيق المملكة لهدفها المتمثل في استرجاع مقعدها الشاغر، لا زالت الجزائر تردد لازمة الانتصارات الدبلوماسية الكبيرة و عودة دور الجزائر الريادي بالقارة. بمنطق الاشياء لا يهم الجزائر أن تعود الرباط الى حظيرة المؤسسة القارية، حتى أن الانفصاليين أنفسهم محتارون كيف عجزت مخابرات الجارة الشرقية ورصيدها الثقيل من عائدات النفط في شراء ذمم بعض زعماء القارة، وإلغاء المزيد من ديون حكومات إفريقية لإفشال مسطرة ترسيم عودة المملكة. حكام الجزائر يدركون أنهم خسروا نزال اديس أبيبا على الحلبة، وأخطأوا في تقدير قوة وإرادة الخصم المغربي, وأسطوانة منصب رئيس الاتحاد التي آلت لرئيس مقعد ومفوضية الامن التي احتفظت بها الجزائر لا تتساوى إطلاقا مع ما حققه «العدو المغربي» من مكاسب, فهذا الاخير غادر المنظمة القارية بإرادته في 84 وعاد اليها برغبته عندما أراد ذلك بعد 33 سنة, وهذا المعطى لوحده يؤكد أن الجزائر لم تعد تمتلك تلك القوة وذلك النفوذ الذي ما زالت تتشدق به… الرباط تدرك أن أقصى طموح جارتها ينحصر في تحقيق حلم القيادة والنفوذ ولذلك فدبلوماسية الرباط تحت قيادة جلالة الملك ركزت عملها خلال السنين الخمس الماضية على توسيع تأثيرها بمختلف مناطق القارة، بينما الدبلوماسية الجزائرية كانت تسابق الزمان فقط لعزل المغرب ومحاصرته دبلوماسيا واستراتيجيا. الحيلة الجزائرية انقلبت على نظام المرادية نفسه فهو عاجز حتى عن التحكم في مواقف أقرب جيرانه بدءا من تونس وليبيا، اللتين تنظران الى نظام المرادية كعبء سياسي و أمني منذر العواقب … وعملة النفط والغاز التي ظلت الجزائر تقايض بها مواقف قادة القارة كسدت بورصتها بعد أن دخلت مناطق أخرى بالقارة خط المنافسة في الانتاج كنيجيريا وتشاد وغيرها، وحكومات منطقة الساحل وغرب افريقيا تعمل منذ فترة على التخلص من الوصاية الجزائرية لمعانقة آفاق أوسع مستقبلا، وبذلك ولدت المجموعة الاقتصادية لغرب افريقيا ومجموعة الساحل خمسة تعبيرات عن الارادة الجماعية للإفلات من الشرنقة الجزائرية المكلفة. العالم كله يرحب بعودة المملكة الى الحضن الافريقي ويشيد بالحكمة والتبصر اللذين أبان عنهما جلالة الملك في تدبير ملف القارة, الجزائر وحدها من تعتبر الرجوع المغربي انتصارا سياسيا للكيان الوهمي. بين إرادة ملك شاب وموهوب يخاطب بلغة المستقبل ويبعث على الامل، وبين هرطقات نظام ما زال متمسكا بتخاريف الحرب الباردة تبرز النتيجة الحتمية المستعصية على فهم وإدراك ساسة الجارة الشرقية، وخلاصتها أن من يبني ليس كمن يهدم وأن من يقدم برامج التنمية والرخاء ليس هو من يسعى لتقويض مصير قارة. الثابت والمتغير في عودة الرباط إلى الحضن الافريقي: ترحيب بعودة المملكة إلى الحضن الإفريقي وإشادة بحكمة وتبصر جلالة الملك