مؤسسة وسيط المملكة تنجح في وضع حد لاحتجاج طلبة كليات الطب والصيدلة    سانت لوسيا تشيد بالتوافق الدولي المتزايد لفائدة الصحراء المغربية بقيادة جلالة الملك (وزير الشؤون الخارجية)    حجوي: 2024 عرفت المصادقة على 216 نصا قانونيا    بعد إضراب دام لأسبوع.. المحامون يلتقون وهبي غدا السبت    ابنة أردوغان: تمنيت أن أكون مغربية لأشارك من أسود الأطلس الدفاع عن فلسطين    زياش: عندما لا يتعلق الأمر بالأطفال يفرون    التصفيات المؤهلة لكأس إفريقيا لكرة السلة 2025.. المنتخب المغربي يدخل معسكرا تحضيريا    مواطنون يشتكون من "نقطة سوداء" أمام كلية العلوم بطنجة دون استجابة من السلطات    افتتاح الدورة 25 لمهرجان الأرز العالمي للفيلم القصير بإفران    أسعار الغذاء العالمية ترتفع لأعلى مستوى في 18 شهرا    الحكومة: سيتم العمل على تكوين 20 ألف مستفيد في مجال الرقمنة بحلول 2026    دوري الأمم الأوروبية.. دي لا فوينتي يكشف عن قائمة المنتخب الإسباني لكرة القدم    من مراكش.. انطلاق أشغال الدورة الثانية والعشرين للمؤتمر العالمي حول تقنية المساعدة الطبية على الإنجاب    هذه الحصيلة الإجمالية لضحايا فيضانات إسبانيا ضمن أفراد الجالية المغربية    المغرب يشرع في استيراد آلاف الأطنان من زيت الزيتون البرازيلي    "إل جي" تطلق متجرا إلكترونيا في المغرب    ظاهرة "السليت والعْصِير" أمام المدارس والكلام الساقط.. تترجم حال واقع التعليم بالمغرب! (فيديو)    بيع أول لوحة فنية من توقيع روبوت بأكثر من مليون دولار في مزاد    الحجوي: ارتفاع التمويلات الأجنبية للجمعيات بقيمة 800 مليون درهم في 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    بورصة البيضاء تستهل التداول بأداء إيجابي    بعد 11 شهرا من الاحتقان.. مؤسسة الوسيط تعلن نهاية أزمة طلبة كلية الطب والصيدلة    هزة أرضية خفيفة نواحي إقليم الحوز    "أيا" تطلق مصنع كبير لمعالجة 2000 طن من الفضة يوميا في زكوندر        مصدر من داخل المنتخب يكشف الأسباب الحقيقية وراء استبعاد زياش    غياب زياش عن لائحة المنتخب الوطني تثير فضول الجمهور المغربي من جديد    الهوية المغربية تناقَش بالشارقة .. روافدُ وصداماتٌ وحاجة إلى "التسامي بالجذور"    كوشنر صهر ترامب يستبعد الانضمام لإدارته الجديدة    الجولة ال10 من البطولة الاحترافية تنطلق اليوم الجمعة بإجراء مبارتين    طواف الشمال يجوب أقاليم جهة طنجة بمشاركة نخبة من المتسابقين المغاربة والأجانب    الجنسية المغربية للبطلان إسماعيل وإسلام نورديف    بحضور زياش.. غلطة سراي يلحق الهزيمة الأولى بتوتنهام والنصيري يزور شباك ألكمار    رضوان الحسيني: المغرب بلد رائد في مجال مكافحة العنف ضد الأطفال    ارتفاع أسعار الذهب عقب خفض مجلس الاحتياطي الفدرالي لأسعار الفائدة    كيف ضاع الحلم يا شعوب المغرب الكبير!؟    تحليل اقتصادي: نقص الشفافية وتأخر القرارات وتعقيد الإجراءات البيروقراطية تُضعف التجارة في المغرب        تقييد المبادلات التجارية بين البلدين.. الجزائر تنفي وفرنسا لا علم لها    طوفان الأقصى ومأزق العمل السياسي..    إدوارد سعيد: فلاسفة فرنسيون والصراع في الشرق الأوسط    متوسط عدد أفراد الأسرة المغربية ينخفض إلى 3,9 و7 مدن تضم 37.8% من السكان    حظر ذ بح إناث الماشية يثير الجدل بين مهنيي اللحوم الحمراء    طلبة الطب يضعون حدا لإضرابهم بتوقيع اتفاق مع الحكومة إثر تصويت ثاني لصالح العودة للدراسة    خمسة جرحى من قوات اليونيفيل في غارة إسرائيلية على مدينة جنوب لبنان    المنصوري: وزراء الPPS سيروا قطاع الإسكان 9 سنوات ولم يشتغلوا والآن يعطون الدروس عن الصفيح    إسبانيا تمنع رسو سفن محملة بأسلحة لإسرائيل في موانئها    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    "المعجم التاريخي للغة العربية" .. مشروع حضاري يثمرُ 127 مجلّدا بالشارقة    قد يستخدم في سرقة الأموال!.. تحذير مقلق يخص "شات جي بي تي"    الرباط تستضيف أول ورشة إقليمية حول الرعاية التلطيفية للأطفال    وزارة الصحة المغربية تطلق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية    خبراء أمراض الدم المناعية يبرزون أعراض نقص الحديد    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالسيدا يعلن تعيين الفنانة "أوم" سفيرة وطنية للنوايا الحسنة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دور العقيدة في بناء نظريات ابن تيمية في السياسة والاجتماع..؟
نشر في العلم يوم 13 - 01 - 2017

حديث الجمعة: مع هنري لاووست في كتابه: « نظريات شيخ الإسلام ابن تيمية في السياسة والاجتماع (12)
* بقلم // ذ. محمد السوسي
عندما بدأنا دراسة والاطلاع على أفكار رجال النهضة ودعاة الإصلاح في العالم الإسلامي مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين أواخر الثالث عشر والرابع عشر الهجربين كان من بين القضايا التي استبدت باهتمامنا المساحة الكبرى التي أخذتها المرأة ومكانتها في المجتمع الإسلامي الأول، والأوضاع التي آلت إليها فيما بعد ذلك، ولم تكن المسألة في الواقع خاصة بالمجتمعات الإسلامية، بل كانت قضية المرأة ودورها مطروحة في المجتمعات الأخرى وان بشكل مختلف ولكنها على أي حال، كان موضوع المرأة يشغل بال الناس جميعا وان بدرجات متفاوتة كما أسلفت.
وكان من بين ما شغل الناس بجانب تعليم المرأة، وخروجها إلى ميدان العمل مسألة السفور والحجاب، فكان هذا الأمر قضية مركزية آنذاك فيما سمي بتحرير المرأة، وما تركه قاسم أمين في هذا المجال لا يزال يدرس ويجدد طبعه وتداوله إلى الآن، ولا يزال الناس يناقشون دور محمد عبده والملكة نازلي في هذا الذي خرج به قاسم أمين إلى الناس، وتنافس الشعراء وبصفة خاصة فحول الشعر في نظم القصائد مساهمة في هذا العمل « التحريري » أو صدا عنه باعتباره يفتح باب (الفتنة والتفسخ) في المجتمع.
ولم يكن دعاة الإصلاح في المغرب وقادة الحركة الوطنية بمبعدة عن هذا الأمر فقصائد الزعيم علال الفاسي وغيره من رواد الشعر النهضوي عالجت الأمر شعرا كما عالجوه و عالجه غيرهم نثرا، والفصول التي خصصها علال الفاسي للمرأة في كتاب « النقد الذاتي » شاهدة على مدى نضوج ووعي الرجل بالمسار الذي ينبغي أن تأخذه الأمور.
ولكن أن يعاد الأمر إلى نقطة البداية « سفور أم حجاب » فهذا هو الأمر الذي أصبح مقلقا بالنسبة للمسار والمنحى الذي تأخذه الأمور والأحداث في هذا الأمر كما في غيره، إذ مع بداية الوعي والعودة إلى الذات واشمئزاز الناس من التفسخ والتبرج الذي آل إليه الأمر في المجتمعات الغربية في شأن الأخلاق والمرأة بدأ الشباب ذكورا و إناثا يرون في الاحتشام وارتداء زي يرون معه أنه أنسب للدراسة والعمل والقيام بالواجبات الاجتماعية سواء للذكر أو الأنثى، غير أن هذه الصحوة والعودة إلى الذات لم ترق الكثيرين وبالأخص الذين كانوا من الغربيين والمستغربين يرون في هذه العودة إفسادا للخطة الموضوعة والتي كانوا يرون أن المرأة يمكن أن تلعب فيها دورا مركزيا في التغريب والابتعاد عن الإسلام وقيمه الحضارية.
وهكذا عادت إلى الظهور المسألة من جديد وذلك لأن الناس يرون في الأحكام التي يصدرها البعض في الغرب وفي العالم الإسلامي ويضمنونها أوصافا قدحية ويتجنون فيها على الإسلام توجب الرد أو حتى التقوقع على الذات إذ كما هو معروف التطرف يولد التطرف ولكن يبقى واجب العلماء في توضيح أحكام الإسلام في هذا الصدد كما في غيره قائما، فالإسلام الذي يأمر بالحياء ولباس الحشمة لا يرى أن الوجه مما يجب ويلزم ستره والمعارك التي خاضها العلماء في هذا الصدد مدونة وأقرب الناس إلى فكر من ينسبون أنفسهم إلى السلف بل هو قدوة الكثير منهم المرحوم المحدث (ناصر الدين الألباني) رحمه الله له كتاب حول (حجاب المرأة المسلمة) بين فيه بما يكفي من النصوص والأقوال المعتبرة أن الوجه لا يطلب من المرأة أن تستره، ولذلك فإن الشرع والفقه مع سفور الوجه، والسؤال الذي يفرض نفسه في هذا الصدد لماذا اللجوء إلى منع بيع رقعة من الثوب تستر به بعض النساء وجوههن؟ هل قام السادة العلماء بدورهم في التوعية والتوجيه وفشلوا ليتم الرجوع إلى المنبع وتجفيفه، وهذا يفرض سؤالا آخر بأي مقتضى شرعي أو قانوني يتم هذا المنع؟ وهل البرقع أخطر من الخمر وغيرها من المحرمات التي يسمح بتداولها والاتجار فيها ضدا على القانون. ألم يكن الأنسب هو أن توضع وسائل الإعلام رهن إشارة السادة العلماء لتوعية الناس وإزالة الشبه من عقولهم في هذا الأمر وغيره.
ومن جهة أخرى لماذا يفتح المجال لكثير من التصرفات ويتم الدفاع عنها باسم الحرية، أليس من حق المرأة أن تستر وجهها؟ ولماذا لا تمنع من شراء ثوب يراه غيرها مخالفا للقناعات الدينية والفقهية.
إن الحرية التي يتم اعتمادها للدعوة إلى الإفطار في رمضان وإباحة الزنى مع الرضا وتغيير العقيدة هذه الدعوة إلى هذه الحريات وغيرها كحرية « المثليين » أليس من حق من يريد الستر أن يستتر؟ قد يقال أن المنع منصب على الثوب وليس على الأشخاص؟ ولكن لنكن حذرين أننا بمثل هذه التصرفات نفتح أبواب السلوكات غير المنضبطة وغير المرغوبة.
وحجة أن هذا ليس من تقاليدنا؟ قد يكون الشكل فيه مبالغة ولكن بالعودة إلى المجتمع المغربي وقبائله ومدنه، فإننا سنجد أشكالا وأنواعا من اللباس والممارسات في هذا الشأن والناس في ذلك كله لا يرون بأسا.
وختاما أتمنى أن يكون ما أوردته الصحف وتغنت به بعض الأقلام تصرفات معزولة حتى لا تعم البلوى بالتطرف والتطرف المضاد.
حياة خصبة
كان من الضروري ونحن نتحدث عن شيخ الإسلام ابن تيمية ونظرياته السياسية والاجتماعية كما استنبطها وحررها المستشرق الفرنسي « هنري لاووست » أن نرافق الباحث في المجلد الأول من أطروحته عن الشيخ وهو يتحدث عن حياة الشيخ وتكوينه العلمي، وصفاته وأخلاقه وجهاده ومناظراته وما استلزم الحديث عن ذلك كله من استطرادات ومناقشة ما ورد في الأطروحة وما قيل لدى البعض عن الشيخ ومنهجه واختياراته الفقهية، ومواقفه من الفرق الإسلامية الأخرى وغير ذلك مما أوردناه في الأحاديث السابقة وذلك ليس استعراضا لما ورد في الكتاب، ولكن من أجل المناقشة والتوسع في بعض القضايا مساهمة في التعريف بمواقف الشيخ (ابن تيمية) وجهاده طيلة حياته التي كانت حياة خصبة وعريضة بالإنتاج العلمي والاجتهاد الفقهي والدفاع عن العقيدة السلفية كما فهمها وبلورها في أكثر من رسالة وفتوى وكتاب.
أقسام الكتاب
وإذا كان « لاووست » قد خصص هذا المجلد الأول لما أسلفنا فإن المجلد الثاني جعله خاصا بالقضايا الفكرية والسياسية وما يتبع وينشأ عن ذلك وجعل هذا المجلد في أقسام ثلاثة القسم الأول أسماء (الدعائم الدينية) في مذهب الاجتماع السياسي اما القسم الثاني فقد جاء تحت عنوان: (عناصر المجتمع والدولة)، والقسم الثالث فهو تحت عنوان: « غايات الأمة والدولة »، وتختلف هذه الأقسام في أحجامها وما تضمنته من التفاصيل.
الشمولية والاستقصاء
وهكذا ومن خلال هذه الأقسام حاول الباحث ان يلم بمختلف وجهات النظر التي تناولها الفقهاء والكلاميون والأصوليون من علماء الإسلام وكذلك ما تأثر به هؤلاء أو اقتبسوه من أفكار أو نظريات لدى الفلاسفة آو تسرب مع من اعتنق الإسلام من أرباب الديانات الأخرى، وهكذا يكون المجلد في الواقع محاولة جادة في استقصاء أفكار شيخ الإسلام ابن تيمية كما تفهمها وكما يريد أن ينقلها للناس.
عملية إسقاط
و الإنسان وهو يتابع هذه الدراسة ولا يمكن إلا أن يؤكد أن المحاولة التي وصفها بالجادة تمتاز كذلك بالموضوعية التي يفرضها المنهج العلمي والصرامة المطلوبة في المقارنة والتحليل وليس معنى ذلك أنه لن يتم إسقاط بعض المصطلحات الغربية التي تختلف عن معناها ومضمونها في الفكر الإسلامي مثل الدولة الدينية مثلا أو بعض المصطلحات الفلسفية واللاهوتية وهو أمر تنبه إليه مراجع الترجمة.
المراجع والمقدمة
وعلى ذكر الإشارة إلى مراجع الترجمة فلا بد من الإشارة إلى ما جاء في المقدمة التي كتبها للمجلد الثاني من الكتاب هذه المقدمة التي جاءت في 60 صفحة والتي افتتحها بقوله: وتعريفا بمضمون هذا الكتاب بإيجاز فسنعرض لفصوله حسب ترتيب مؤلفه مع إبراز ما نخالفه فيه.
كما جاء في ص:7 من ترقيم المقدمة:
مكانة العقيدة
«وقد وفق المؤلف عندما استرشد بالعقيدة على مذهب ابن تيمية الاجتماعي والسياسي، ويأتي هذا الإقرار الصحيح من (لاووست) بأهمية العقيدة ومكانها في كل التصورات والنظم المنبثقة عنها، وتدل على أنها نقطة البدء الصحيحة في أي حركة إصلاحية تريد النهوض بالأمة الإسلامية من جديد، والبدء بها يعبر عن المنهج الذي أسس قواعده الرسول صلى الله عليه وسلم حيث حرر المسلمين من ربقة العبودية لغير الله تعالى وانطلق بهم لتأسيس دولة عالمية لكون الأمة مكلفة بدعوة لا تتحدد بالإقليم أو الوطن أو القوم، أو حتى زمن وعصر معين، فإن رقعتها تتسع لتشمل كل المسلمين مهما ناءت بهم الديار وتباعدت الأقطار، وتظل رسالتها كذلك على مدى الأجيال، فالعقيدة بطرفيها: التوحيد والدعوة العالمية، وهذه الفكرة التي أولاها ابن تيمية اهتماما كبيرا».
الأصل الجامع
وقد فهم (لاووست) هذا الأصل الجامع واستوعبه وعرضه بمنهج تركيبي، فجاء كتابه بمثابة رؤية من زاوية أحد العلماء الغربيين، لا تخلو من كبوات، ولكن يبقى لمضمون الكتاب بمحتوياته في العقيدة والعبادات ونظم الحكم والسياسة أهميته –إذ جاء على لسان عالم غربي- كدافع للمسلم الغيور إلى التشمير عن ساق الجد في الفقه في دينه والدعوة له.»
إغناء وإثراء
إن انتقاد المراجع للكتاب وصاحبه لا يمكن أخذه إلا في سياق ان المراجع من عناصر التوجه السلفي للشيخ ابن تيمية، وهذا أمر غير وارد بالنسبة « للاووست » فهو باحث يدرس النصوص والوقائع ويحللها ويستنبط منها ما يراه مناسبا ووفقا لمنهج ارتضاه، وهو بالتأكيد ليس المنهج السلفي الذي يدافع عنه باستمرار الدكتور (مصطفى حلمي)، ومن هنا نفهم هذا النقد في المقدمة والهوامش التي ذبحها الدكتور المراجع وهي في كل الأحوال هوامش ومقدمة أغنت الكتاب وحققت التكامل بين الأصل والهوامش.
صبر واحتساب
لقد افتتح لاووست القسم الأول من الكتاب بالحديث عن العقيدة التي يدافع عنها ابن تيمية والتي تشبع بها وتحمل من أجل الدفاع عنها وإيصالها للناس ما اشرنا إلى بعضه في الأحاديث السابقة بصبر واحتساب وما أورد الباحث جزء منه بتفصيل نقلا عن الكتب التاريخية التي أرخت للمرحلة وإحداثها ومن بينها ما كتبه أنصار الشيخ وما تركه خصومه كذلك، وهكذا بدأ الباحث عن نظرة ابن تيمية إلى الإيمان بالذات الإلهية فجاء الفصل الأول بعنوان:
الله
وافتتحه بقوله:
«برغم أن غرضنا الرئيسي هو دراسة مذهب ابن تيمية الاجتماعي السياسي، فقد يستحيل علينا أن نحيط بأطراف هذا المذهب وأن نحدد مختلف الأفكار والمفاهيم التي يتضمنها بترتيبها المتسلسل من غير أن نستعرض بادئ ذي بدء أفكار ابن تيمية الجوهرية في العقيدة والنبوة والأصول التشريعية التي هي أساس لترتيب وتقسيم مجموع دراساته ومذهبه، ثم لتقويمها من جديد».
أحكام قبلية
ويتحدث الباحث قبل أن يقدم لنا أفكار ابن تيمية لإدراك مضمونها بأحكام قبلية جاهزة ليقول ان ابن تيمية يدافع عن الحكومة الدينية، وقد أشرنا أعلاه إلى الاعتراض الذي عبر عنه مراجع الكتاب عن استعمال هذا المصطلح وهو فيا نرى اعتراض في محله لأنه إذا كانت الحكومة الدينية في الغرب تستند إلى نظرية الحق الإلهي فهذا أمر لا وجود له في الحكومة التي دافع عنها ابن تيمية، فليس هناك كهنوت في الإسلام ولا واسطة بين الله وخلقه، والحكم هو لواحد أو جماعة من المسلمين الذين يملك الناس في كل وقت أن ينتقدوهم فيما إذا خرجوا عن الجادة أو عن المعروف في الشرع فالحكومة مفيدة بأحكام الفقه ومقاصد الشريعة ومراقبة الرأي العام الذي له صلاحية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
الحكومة الدينية
«إن مذهب ابن تيمية الاجتماعي السياسي هو قبل كل شيء نظام للحكومة الدينية، أو صاحبة التفويض الإلهي، كما أم منهجه نوع من التفسير، فلا مفر إذن من أن نتأمل غي مبدأ الأمر التصور الذي ينبني على أساسه مذهب ابن تيمية ألا وهو حديثه عن الألوهية ذاتا وصفاتا، وذلك في إطار القضايا التي يطرحها الجدل العقلي الإسلامي.» (ص5 مجلد2)
«وسوف نتساءل على التوالي عن كيفية تصور ابن تيمية للعلاقة بين الذات والصفات، ثم لطبيعة الصفات المختلفة، وأخيرا لنوعية أفعال الله، وهي التي تتجلى إما في فعل خلاق (خلق) وإما في فعل تشريعي (أمر)، أو باصطلاح شيخ الإسلام تمييزه بين الإرادة الكونية (إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون) (82 يس) والإرادة التشريعية.» (نفسها)
إن ما يثيره المؤلف في الفقرة أعلاه موضوعه هو علم خاص يطلق عليه في العرف الإسلامي أصول الدين فسواء ما تعلق بالصفات والأسماء أو النبوات له قواعد خاصة لدراسته، والخوض فيه وإنما أشرنا إليه من باب إثارة الانتباه إلى أن الباحث درس موقف ابن تيمية في هذه القضايا لأنه أساس الذي يبني عليه غيره من علم الفروع أي الأحكام الفقهية بتعدد ميادينها وتفريعاتها، ولذلك ففي الفقرة الموالية يوضح المؤلف الباحث عقيدة ابن تيمية السلفية فيقول:
الذات والصفات
توجب العقيدة في نظر ابن تيمية بألا نصف الله إلا بالعبارات التي وردت عنه أو عن رسوله، وعلى ذلك فإن ابن تيمية ينطلق من القرآن مع إفراد عناية خاصة بسورة الإخلاص التي «تعادل ثلث القرآن» برغم إيجازها الشديد. (قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد).
وهذه السورة في الحقيقة تقرر أولا العقيدة الأساسية في الإسلام، ألا وهي «التوحيد»، ثم تعلن عن عدم مشابهة الله المطلقة وتنزهه تعالى عن وجود نظير له مطلقا. وتبدأ العقيدة عند ابن تيمية بالتجريد، فتؤكد في إجمال أن الله –سبحانه وتعالى- «ليس كمثله سواء في ذاته أو في صفاته أو في أفعاله». (ص:6)
جوهر العقيدة
إن الإيمان بالتوحيد وما وصف الله به نفسه وورد في القرآن أو الحديث الصحيح « المتواتر » كما يشترط البعض هو جوهر عقيدة كل المسلمين فسورة الإخلاص هي جوهر التوحيد والعقيدة لدى المسلمين جميعا، وإنما الخلاف في استعمال التأويل أو عدمه وهذا جوهر الخلاف بين العلماء.
مذهب عام
وهذا الوضع المبدئي الإسلامي مقرر في أصفى منابع المذهب الحنبلي وهو موافق أيضا للحكمة في موافقة النصوص، وهي التي نجدها عند أقدم من ألف في العقائد أمثال مالك وعثمان بن سعيد الدارمي، الذي كانوا يمتنعون عن البحث في (الكيفية) فيما يتصل بالطبيعة الإلهية، غير أن هذه الفكرة لها طابع فلسفي ولها طابع أعمق عند ابن تيمية، فبمقتضى نزعته الانتخابية يقر ابن تيمية (لكل مذهب بفضله)، ويدمج في مذهبه الخاص هذه الفكرة التي وجدها عند جهم، وهي فكرة بدت له في غاية الخصوبة، وتقوم على عدم المماثلة مطلقا بين الله تعالى، وبين أي واحد من خلقه (ليس كمثله شيء).
وترجع القوة التي يؤكد بها هذه القاعدة المبدئية إلى شدة معارضته لنزعة التشبيه العقلانية الموجودة في الفلسفة، التي نرى أن الله فكرة، وبالتالي لوحدة الوجود الموجودة في مدرسة ابن عربي وإذن فالله وحده هو الذي يعلم عن نفسه العلم الحقيقي لأن علم الرسول لم يكن إلا علما ذاتيا وجزئيا، وهكذا انطلق ابن تيمية من فكرة عدم مشابهة الله، ونجح في توضيح مفهوم نسبية علم الإنسان أكثر مما نجح سابقوه، وبسط مفهوم النسبية هذا على مختلف المجالات في نظرياته».
ويستعرض لاووست موقف الاشعري مع ما يذهب إليه ابن تيمية فيما يلي:
مسألة تعدد المظهر
ويرى الأشعري أن الله واحد في ذاته وهو لا يتعدد إلا في مظاهر أفعاله تجاهنا. ومن هنا نشأت التفرقة بين صفات الذات وصفات الأفعال. وعلى هذا الأساس يبدو علم الإنسان وكأنه عامل يبذر التنوع في الأمور وهو تنوع ذاتي لأن الحقيقة يستحيل معرفتها في حد ذاتها. ولقد حافظت الفلسفة دائما على وحدانية الله الأساسية ونسيت جميع صفات الله إلى المعرفة. وتحاول نظرية الفيض، ونظرية العقول العشرة أن تعالج فلسفيا العلاقة بين الله والعالم فجعلت هذه العقول وسطاء بين الله وبين العالم المخلوق بوصفه كونا متسلسلا فقدمت بذلك تفسيرا للانتقال من وحدانية الله غير المشروطة إلى تنوع المخلوقات اللانهائي للحقيقة».
ان لاووست يوهم من خلال ما قدمنا ان الاشعري يقول بنظرية الفيض كما هي عند الفلاسفة وهو أمر غير صحيح، فهنا خلط بين النظريات والأقوال.
ويظهر أن ابن تيمية قد أجاد فهمه لهذه النظرية، إذ عدها من قبيل الماهيات العقلية المجردة، فهي مجرد افتراض ذهني لا وجود عيني له في الواقع.
التمسك بالعقيدة
والمؤكد أن مذهبه يتمسك بقوة لا نقل عن قوة الفلاسفة، بضرورة الحفاظ على مبدأ وحدانية الذات الإلهية، ويرفض أن يتصور أن هذه الوحدانية تتناقض مع التنوع، ويستبدل بتصور الوحدانية الرياضي تصورا عضويا. فالله واحد ومتعدد في نفس الوقت: «الذات واحدة والصفات متعددة» وهكذا يظهر أن مما يتناقض المنطق ومعطيات التجربة الشخصية، أن نتصور ذاتا مجردة من صفاتها أو صفة «ليس لها محل» في ذات، إن هذا التصور الكلي بما يتضمنه في آن واحد من وحدانية وتعدد، ويفسر الضمير مفهومه الأول هو بمثابة حجر الأساس في مذهب ابن تيمية. فنجده عنده في النبوة وفي الأصول وفي الاجتماعي السياسي ومن باب أولى في الأخلاق».
الفصل الثاني
النبي صلى الله عليه وسلم
يتناول الباحث في الفصل الثاني من القسم الأول مسألة النبوة حيث جاء في مقدمة الفصل:
لقد طرأ على نظرية النبوة تطور كبير في الجدل العقلي الإسلامي فكاد الأشعري أن يمسها في بحثه عن العقيدة عند حديثه عن شفاعة النبي، وعرض الغزالي في «الاقتصاد في الاعتقاد» قائمة بجملة العقائد السنية، واكتفى ببحث بعض المسائل عن بعثة النبي. ومع ذلك فقد احتلت نظرية النبوة مكانا بارزا في مذهب ابن تيمية. فباعتبار هذا المذهب مذهبا جدليا كما يتجلى ذلك من مناهج السنة، فقد نشأ بادئ ذي بدء في معارضة لنظرية الشيعة عن الإمامة التي وضعها الطوسي والحلي، وبدرجة أقل في معارضة بحوث ابن عربي التي تقرر تفضيل الولاية على النبوة حتى في محمد (صلى الله عليه وسلم) ذاته. هذا التأثير هو ما سنحاول تحليله عند دراسة وظيفة النبوة، وعصمة محمد (صلى الله عليه وسلم)، وطبيعة معجزاته، لننتهي إلى قضية ميراثه للعلماء.»
لقد سبق لنا في حديث سابق الكلام عن النبوة ولا نريد التكرار في الموضوع.
وحتى لا ندخل في متهات المقارنة التي يختلط فيها الأمر وتتشابك الأقوال ولإعطاء صورة عن عقيدة السلف لدى ابن تيمية نورد فيما يلي فقرة من رسالة العقيدة الواسطية إذ جاء فيها:
العقيدة الواسطية
«ومن الإيمان بالله: الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه، وبما وصفه به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، بل يؤمنون بأن الله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، فلا ينفون عنه ما وصف به نفسه، ولا يحرفون الكلم عن مواضعه ويلحدون في أسماء الله وآياته، ولا يمثلون صفاته بصفات خلقه لأنه سبحانه لأسمى له ولا كفؤ له ولا ندله، ولا يقاس بخلقه سبحانه وتعالى، فإنه سبحانه أعلم بنفسه وبغيره وأصدق قيلا وأحسن حديثا من خلقه، ثم رسله صادقون مصدقون بخلاف الذين يقولون عليه مالا يعلمون، ولهذا قال سبحانه وتعالى: (سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين) فسبح نفسه عما وصفه به المخالفون للرسل، وسلام على المرسلين لسلامة ما قالوه من النقص والعيب، وهو سبحانه قد جمع فيما وصف وسمي به نفسه بين النفي والإثبات، فلا عدول لأهل السنة الجماعة عمل جاءت به المرسلون فإنه الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وقد دخل في هذه الجملة ما وصف به نفسه في سورة الإخلاص التي تعدل ثلث القرآن حيث يقول: (قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد)، وما وصف به نفسه في أعظم آية من كتاب الله حيث يقول: إلى نهاية الآية». مجموعة الرسائل الكبرى المجلد الرسالة التاسعة ص: 393 – 394.
وبعد أن يستعرض الكثير من الآيات القرآنية يقول:
«وهذا الباب في كتاب الله تعالى من تدبر القرآن طالب الهدى منه تبين له طريق الحق، ثم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تفسير القرآن وتبينه وتدل عليه وتعبر عنه، وما وصف الرسول به ربه من الأحاديث الصحاح التي تلقاها أهل المعرفة بالقبول وجب الإيمان به كذلك.»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.