أكد جلالة الملك في خطابه السامي بمناسبة عيد العرش لهذه السنة عزم جلالته على إقامة المؤسسة الدستورية للمجلس الاقتصادي والاجتماعي، حرصا من جلالته على ضمان مشاركة الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين ضمن إطار مؤسسي في اقتراح السياسات الاقتصادية والاجتماعية في إيجاد هيئة دائمة للحوار الاجتماعي المسؤول. ويأتي هذا التوجه الملكي بهدف تفعيل مقتضيات الفصل 9 من الدستور التي نص عليها دستور 1992 المعدل الذي جاء ضمن الإصلاحات الدستورية التي تضمنتها المذكرة التي رفعها كل من الأستاذ محمد بوستة أطال الله في عمره والأستاذ عبد الرحيم بوعبيد رحمه الله إلى جلالة الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه، وذلك بهدف خلق مجلس اقتصادي واجتماعي كمؤسسة دستورية على غرار العديد من الدول الديمقراطية كما هو الشأن بالنسبة لفرنسا. وتأتي أهمية هذه المؤسسة الدستورية كما أكد ذلك جلالة الملك عندما ربط ثقة جلالته في الهيئات والمؤسسات السياسية بضرورة دعم هذه الثقة في الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين من خلال ضمان مشاركتهم في المجلس الاقتصادي والاجتماعي نظرا للدور الذي أناطه به الدستور. كما اعتبر جلالة الملك أن هذه المؤسسة الدستورية تشكل هيئة دائمة للحوار الاجتماعي المسؤول حتى تكون دعامة أساسية للسلم الاجتماعي المنشود في ظل سياسة الانفتاح التي نهجتها بلادنا والمتمثلة أساسا في انخراط المغرب في المنظمة العالمية للتجارة وإبرامه عدة اتفاقيات للشراكة والتبادل الحر مع دول صديقة وشقيقة بعدما تم إلغاء المجلس الوطني للحوار الاجتماعي الذي أسسه جلالة الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه في أواخر الثمانينيات بمناسبة فتح الملف الاجتماعي لمواجهة مسلسل الإضرابات والاحتجاجات التي عرفتها بلادنا في بداية الثمانينيات وما واكبها من اضطرابات اجتماعية خطيرة على السلم الاجتماعي، مما دفع بأحزاب الكتلة الديمقراطية داخل مجلس النواب إلى إحداث لجنة نيابية لتقصي الحقائق حول الأحداث الأليمة التي عرفتها مدينة فاس يوم 14 دجنبر 1990 وكذا تقديم ملتمس الرقابة بشأن الأوضاع الاجتماعية الخطيرة التي آلت إليها البلاد، حيث شكلت مناقشة هذا الملتمس من طرف مختلف الفرق النيابية مناسبة لفتح حوار واسع بين الحكومة وأغلبيتها من جهة والمعارضة من جهة أخرى للوقوف على حقيقة الوضعية الاجتماعية والأزمة العميقة التي تعرفها والحلول الكفيلة بمعالجتها. ومن جهة أخرى ، فإن إحداث المجلس الاقتصادي والاجتماعي سيكون بداية إعادة النظر في نظام الثنائية البرلمانية المعقد كما أقره دستور 1996 المعدل الذي جعل من البرلمان المغربي برلمانين منفصلين يتمتعان بنفس الاختصاصات والصلاحيات على مستوى التشريع ومراقبة العمل الحكومي، الأمر الذي يشكل عرقلة حقيقية في وجه تطوير العمل البرلماني وتحديثه والرفع من مستوى أدائه كما تبين ذلك بجلاء حصيلة العمل التشريعي للبرلمان خلال الدورة التشريعية السابقة. وتبقى الحكومة أو البرلمان مطالبان ومدعوان للتعجيل بوضع مشروع قانون تنظيمي للمجلسين الاقتصادي والاجتماعي لإخراج هذه المؤسسة الدستورية التي طال انتظارها إلى حيز الوجود خلال الدورة التشريعية المقبلة، كواجب دستوري وكمسؤولية حكومية برلمانية وانسجاما مع توجيهات جلالة الملك للمرة الثانية، مع العلم أن مسودة مشروع سبق إعدادها في عهد حكومة التناوب التوافقي عندما دعا جلالة الملك الحكومة الى إخراج القانون التنظيمي للمجلس الاقتصادي والاجتماعي إلى حيز الوجود. لحسن بنساسي