ترأس الوزير الأول السيد عباس الفاسي أمس الاثنين 13 أكتوبر 2008 بمقر الوزارة الأولى، افتتاح الجولة الثانية للحوار الاجتماعي بمشاركة وفود عن قيادات الاتحاد المغربي للشغل، والكونفدرالية الديمقراطية للشغل، والاتحاد العام للشغالين بالمغرب، والفيدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، بقيادة السادة ميلودي مخارق ومحمد نوبير الأموي ومحمد بنجلون أندلسي وعبد الرحمان العزوزي ومحمد يتيم، وعن الاتحاد العام للمقاولات بالمغرب، بقيادة السيد مولاي حفيظ العلمي. وفي كلمة ألقاها في بداية هذا الاجتماع، توجه الوزير الأول بالشكر للحاضرين على تلبيتهم الدعوة ومساهمتهم الإيجابية في الإعداد لهذه الجولة الجديدة من الحوار الاجتماعي، آملا أن تكون نتائجها في مستوى تطلعات الجميع، وأن تتم مواصلة تأصيل روح الحوار الذي بدأت الحكومة تؤسس له من خلال التزامها بعقد جولتين في السنة، وفق منهجية عمل تسمح بسن قواعد المفاوضة الجماعية، لبلورة ميثاق اجتماعي جديد يسمح باستقرار المقاولة وبالرقي بأداء المرفق العمومي، وصون الحقوق الأساسية للأجراء. وأضاف أن مأسسة هذه اللقاءات تؤكد مدى الثقة التي تطبع علاقات الحكومة مع شركائها الاقتصاديين والاجتماعيين ومصداقية المواقف المتبادلة، وتجسد المنحى السليم الذي بدأ الحوار الاجتماعي يسلكه بين مختلف الأطراف، مؤكدا أنها كذلك مناسبة لرصد تحقق من التزامات ومكاسب ومنجزات، وللوقوف عند مختلف المطالب للتفاوض والتوافق بشأنها. وشدد السيد عباس الفاسي على أن الحكومة تطمح أن تجسد هذه الجلسات الإرادة المشتركة للحكومة والشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين إلى المزيد من ترسيخ هذه الثقافة وبلورتها في التزامات مشتركة متعاقد حولها، وفق جداول زمنية محددة ورزنامة تدابير دقيقة والتزامات متبادلة واضحة. وأكد أن هذا التوجه سيتعزز بإحداث المجلس الاقتصادي والاجتماعي الذي دعا جلالة الملك أيده الله إلى إقامته، لضمان مشاركة الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين، ضمن إطار مؤسسي، في اقتراح السياسات الاقتصادية والاجتماعية وإيجاد هيئة دائمة للحوار الاجتماعي المسؤول، وأنه تنفيذا للتوجيهات الملكية الواردة في خطاب جلالته بمناسبة افتتاح السنة التشريعية الجديدة، فالحكومة عازمة على إعداد النص التشريعي لهذه المؤسسة الدستورية وعرضه على أنظار البرلمان، في أقرب الآجال. ودعا الوزير الأول إلى استحضار مضامين الخطابين المولويين الساميين ل 30 يوليوز و20 غشت 2008 اللذين يشكلان مرجعية أساسية للعمل الحكومي، حيث حدد جلالته من خلالهما الأولويات والرهانات الكبرى، وأعطى توجيهاته النيرة للحكومة للعمل على مواصلة رفع مختلف التحديات التي تواجه بلادنا لربح رهانات التنمية والتقدم. وأشار إلى أن الخطابان الساميان قد حملا بصمة اجتماعية متميزة للإصلاحات العميقة التي يتعين إعمالها في عدة قطاعات أساسية ذات صلة مباشرة بالحياة المعيشية للمواطن، حيث أكد حفظه الله، ضرورة توطيد المكانة المركزية لمؤسسة الأسرة وتعزيز دور المجتمع المدني للنهوض بالتكافل الاجتماعي، واتخاذ إجراءات كفيلة بالنهوض بالطبقة الوسطى، وهو الأمر الذي تنكب عليه الحكومة من خلال إدراج هذا التوجه ضمن مختلف سياساتها العمومية، لتوسيع مكانة الطبقة الوسطى، لتشكل قاعدة وعمادا للاستقرار ومرتكزا لمجتمع متوازن ومتضامن. وأضاف السيد عباس الفاسي أنه استكمالاً لمقومات الدعم الاجتماعي وتحسين القدرة الشرائية للمواطنين وضبط الأسعار ومحاربة الرشوة، دعا جلالة الملك حفظه الله، إلى تسريع اعتماد مدونة حماية المستهلك، والتطبيق الحازم لقانون حرية الأسعار والمنافسة، وتفعيل مجلس المنافسة، إضافة إلى تنصيب الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة في الأسابيع القليلة المقبلة. كما أكد أن من شأن هذه التدابير التشريعية والإجراءات والهياكل المؤسساتية أن توفر للحكومة الدعم الضروري والإمكانيات اللازمة لمواصلة مجهوداتها لتخليق الحياة العامة ومحاربة كل الظواهر السلبية، وفي مقدمتها المضاربات في الأسعار واستغلال اقتصاد الريع والامتيازات والزبونية واستغلال النفوذ والغش الضريبي، مشيرا إلى أن اللجنة الوزارية التي تم إحداثه في هذا الإطار، من أجل تنفيذ تعليمات جلالة الملك، ستمكن الحكومة من وضع تدابير وإجراءات لردع مثل هذه الممارسات. وأفاد الوزير الأول أنه بفعل فضيلة الحوار والتشاور والإنصات للفرقاء الاجتماعيين والاقتصاديين، فالحكومة عاقدة العزم على مواصلة التأهيل الاجتماعي والاقتصادي لبلادنا، للنهوض بأوضاع الفئات ذات الدخل المحدود والحد من عوامل الهشاشة والفقر، مؤكدا قدرة المغرب على مواجهة ظرفية اقتصادية عالمية استثنائية تتسم بالارتفاع المهول لأثمان المحروقات والحبوب والمواد الأساسية وبزعزعة الأنظمة المالية للعديد من الدول، والتي كان لها تأثير كبير على ارتفاع أسعار بعض المواد في الأسواق الاستهلاكية الوطنية وعلى بعض القطاعات الإنتاجية. كما أبرز أنه بالرغم من انعكاسات هذه الظرفية، تحملت الحكومة كامل مسؤولياتها بتفهمها للمطالب المطروحة خلال جولة الحوار الاجتماعي لأبريل المنصرم، مشاطرة بذلك انشغالات المركزيات النقابية وتفهم الاتحاد العام لمقاولات المغرب، في الاستجابة لجزء هام من المطالب المادية لتحسين دخل الأجراء بالقطاعين العام والخاص، ورفع المعاشات الدنيا للتقاعد، والرفع من التعويضات العائلية وتعميمها على أجراء القطاع الفلاحي والغابوي، إضافة إلى رفع الاعتمادات المرصودة لصندوق المقاصة لدعم القدرة الشرائية للمواطنين، وتشديد الرقابة على الأسعار، وكذا تحسين وضعية فئات بعض الموظفين، كترسيم أعوان التعاون الوطني والرفع من حصيص الترقية الداخلية وتمكين جهاز تفتيش الشغل من نظام أساسي ونظام جديد للتعويضات. وأشار، في هذا الإطار، إلى مصادقة مجلس الحكومة الأخير على مجموعة من النصوص القانونية والمراسيم الهامة، التي سيتم من خلالها تحسين أوضاع العديد من فئات موظفي الدولة. وتجاوبا مع المطالب والملاحظات التي سبق أن أبداها الفرقاء خلال جولة الحوار الاجتماعي الأخير، أكد الوزير الأول انكباب الحكومة، إلى جانب اتخاذ مجموعة من الإجراءات والتدابير في مجال تحسين العلاقات المهنية بالقطاعين العام والخاص، على إعداد مجموعة من النصوص القانونية بهدف تعزيز تشريع الشغل ودعم الحريات والحقوق النقابية، وتطوير آليات الحماية الاجتماعية للأجراء، وإصلاح منظومة الوظيفة العمومية، مضيفا أن هذه الجولة من الحوار الاجتماعي هي مناسبة لعرض هذه النصوص والتشريعات لتدارسها، إلى جانب النقط التي طلب الفرقاء إدراجها في جدول الأعمال. وجدد بالمناسبة عزم الحكومة على مواصلة اتخاذ كل التدابير والإجراءات لتفعيل مختلف آليات ومؤسسات الحوار الوطني والقطاعي، الثنائي والثلاثي الأطراف، ودعم العمل النقابي لتيسير مهمة المركزيات النقابية في القيام بالمهام التأطيرية المنوطة بها. وأكد الوزير الأول انفتاح الحكومة على آراء مختلف الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين، حيث عمدت على إدراج أغلب النقاط التي جاءت بها المركزيات النقابية خلال اللقاءات التشاورية التي عقدت مع وزير التشغيل والتكوين المهني والوزير المنتدب لدى الوزير الأول المكلف بتحديث القطاعات العامة خلال الأسبوع الماضي، متمنيا أن يحظى جدول الأعمال المقترح بالموافقة، ومضيفا أن الحكومة تظل منفتحة على كل الاقتراحات، للتمكن من إعطاء الانطلاقة لعمل اللجان الموضوعاتية الثنائية وثلاثية التركيب، التي يقترح إحداثها لدراسة نقط جدول الأعمال وفق جدول زمني محدد، ينتظر منه أن يخلص إلى نتائج متوافق حولها. وأضاف أن غاية الحكومة هي صون الحقوق الأساسية للأجراء وتوطيد استقرار المقاولة ونموها، مؤكدا لرجال الأعمال، عبر الاتحاد العام لمقاولات المغرب، عزم الحكومة على بذل الجهود لتحسين مناخ الاستثمار، لتطوير الاقتصاد الوطني بكل مكوناته، وبناء مجتمع العدالة الاجتماعية وتحصين المكتسبات الديمقراطية التي حققها المغرب في اتجاه بناء مغرب قوي ومتضامن ومنفتح على محيطه الخارجي، استلهاما بمقولة صاحب الجلالة أيده الله ونصره في خطابه السامي بمناسبة افتتاح السنة التشريعية الماضية: «سلاحنا الذي لا يُقهر هو الخيار الديمقراطي الذي لا رجعة فيه». وقدم السيد صلاح الدين مزوار وزير الاقتصاد والمالية عرضا تطرق في بدايته إلى الظرفية الاقتصادية العالمية وانعكاساتها على اقتصاديات الدول، مشيرا إلى أن وثيرة نمو الاقتصاد العالمي ستعرف تراجعا لتستقر مابين 0 و0،2 في المائة في الدول المتقدمة وحوالي 6 في المائة في الدول النامية. وأكد أن انشغال الحكومة، خلال سنة 2008، انصب على استقرار وثيرة النمو خاصة من خلال المحافظة على وثيرة الاستثمار العمومي، وأن نسبة النمو في نهاية هذه السنة ستصل إلى 6،8 في المائة، مضيفا أن سياسة الإصلاحات الكبرى مكنت من التحكم في معطيات الاقتصاد، حيث لن يتجاوز عجز الميزانية 2،3 في المائة ونسبة التضخم 3،5 في المائة مع متم 2008. وتطرق السيد صلاح الدين مزوار إلى الخطوط العريضة لمشروع قانون المالية، الذي لا زال قيد الدراسة، مشيرا إلى أن الاستثمار العمومي سيرتفع بنسبة 24 في المائة لينتقل من 114 مليار درهم سنة 2008 إلى 133 مليار درهم في 2009 مما سيكون له التأثير المحمود على سوق الشغل ببلادنا. وسيكلف الإصلاح الضريبي، الذي يدخل في إطار تفعيل التزامات الحكومة لتحسين الدخل والمحافظة على القدرة الشرائية مع بداية سنة 2009، 5 مليار درهم. كما سيخصص غلاف مالي قدره 29 مليار درهم للمقاصة لمواجهة انعكاسات ارتفاع أسعار المواد الأولية والنفطية، مع تخصيص 450 مليون درهم لدعم العائلات الفقيرة لتشجيع التمدرس، و900 مليون درهم كدعم مباشر للتغطية الصحية، و600 مليون درهم لصندوق التنمية الفلاحية. وأضاف أنه سيتم دعم كل المخططات القطاعية والبرامج الاستعجالية بتخصيص 6،1 مليار درهم لقطاع التعليم، والرفع من ميزانية قطاع الصحة بنسبة 21 في المائة، وقطاع الفلاحة، في إطار المخطط الأخضر، بنسبة 85 في المائة، ودعم تنمية العالم القروي بغلاف يصل إلى 4 مليار درهم لتنتقل الميزانية المخصصة من 12 إلى 16 مليار درهم. كما ستعرف القطاعات الإنتاجية اهتماما ملموسا، حيث سيتم دعم قطاع الصناعة والتكنولوجيات للحديثة ب 1 مليار درهم بارتفاع في الميزانية يقدر ب 40 في المائة، والتجارة الداخلية ب 200 مليون درهم سنويا. وسترتفع ميزانية قطاعي السياحة والصناعة التقليدية بنسبة 13 في المائة لتصل إلى 1،1 مليار درهم، والعدل والسجون بنسبة 40 في المائة، في حين ستعرف ميزانية قطاع الجالية المغربية المقيمة بالخارج زيادة تصل إلى 88 في المائة، وسيتم دعم صندوق تنمية الصادرات ب 500 مليون درهم. ولتشجيع قطاع السكن، ستعمل الحكومة على توفير ما بين 2000 إلى3000 هكتار لإنتاج السكن الاجتماعي والمتوسط التكلفة، مع تسهيل عمليات القروض من خلال توفير الضمان اللازم بغية استفادة 123 ألف طلب إضافي للسكن. وأضاف السيد صلاح الدين مزوار أن نسبة النمو ستصل في سنة 2009 إلى 5،8 في المائة، ولن تتجاوز نسبة التضخم 3 في المائة، فيما سيستقر عجز الميزانية في 2،9 في المائة. وقدم وزير التشغيل والتكوين المهني السيد حمال أغماني، والوزير المكلف بتحديث القطاعات العامة السيد محمد عبو، عرضين حول مسار الحوار الاجتماعي والنصوص القانونية المعدة لتنفيذ الالتزامات الحكومية بشأن هذا الحوار. وتدخل السادة ميلودي مخارق عضو الأمانة العامة للاتحاد المغربي للشغل، ونوبير الأموي الكاتب العام للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، ومحمد بن جلون أندلسي الكاتب العام للاتحاد العام للشغالين بالمغرب، وعبد الرحمان العزوزي الكاتب العام للفدرالية الديمقراطية للشغل، ومحمد يتيم الكاتب العام للإتحاد الوطني للشغل بالمغرب، معبرين عن ارتياحهم لانعقاد هذه الجولة الجديدة للحوار الاجتماعي. كما أشادوا بتنفيذ الحكومة التزامها بمأسسة الحوار الاجتماعي وعقد الجولة الثانية لهذا الحوار، وأخذ عدد من مقترحات المركزيات النقابية في إعداد جدول أعمال هذه الجولة. واستعرض قادة المركزيات النقابية في تدخلاتهم مجمل القضايا التي تستأثر باهتمامها ودعوا إلى مناقشتها في إطار المفاوضات الجماعية. وأشاد السيد مولاي حفيظ العلمي رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب، في كلمته، بتنفيذ الحكومة التزامها وعقد الجولة الثانية للحوار الاجتماعي. وتطرق إلى التداعيات التي تشهدها اقتصاديات مجموعة من الدول، وأكد اهتمام الاتحاد العام لمقاولات المغرب بالجانب الاجتماعي، داعيا إلى استحضار روح الشراكة للتوصل إلى حلول للقضايا المطروحة في جدول الأعمال. وتناول الوزير الأول السيد عباس الفاسي الكلمة مجددا، وحيى روح المسؤولية التي عبرت عنها المركزيات النقابية والاتحاد العام لمقاولات المغرب، مذكرا بما تحقق في الجولة الأولى للحوار الاجتماعي في شهر أبريل الماضي، وتمكن الحكومة من مواجهة الصدمات التي خلفتها الانعكاسات السلبية للارتفاع المهول لأسعار المواد الأساسية والنفطية على اقتصاديات العديد من الدول، مذكرا أن السنة الحالية شهدت تحقق عدد من المؤشرات الإيجابية في الجانبين الاقتصادي والاجتماعي. وصادق الحضور على جدول أعمال الجولة الثانية للحوار الاجتماعي الذي يتضمن أيضا مقترحات المركزيات النقابية. وتقرر أن ينعقد اجتماع بمقر الوزارة المكلفة بتحديث القطاعات العامة يوم الأربعاء 15 أكتوبر الجاري لتدارس النقاط المتعلقة بالقطاع العام، واجتماع آخر بمقر وزارة التشغيل والتكوين المهني يوم الخميس 16 أكتوبر الجاري لدراسة النقاط المتعلقة بالقطاع الخاص. حضر هذا الاجتماع السيد شكيب بنموسى وزير الداخلية، والسيد صلاح الدين مزوار وزير الاقتصاد والمالية، والسيدة أمينة بنخضرة وزيرة الطاقة والمعادن والماء والبيئة، و السيدة ياسمينة بادو وزيرة الصحة، والسيد عزيز أخنوش وزير الفلاحة والصيد البحري، والسيد خالد الناصري وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، والسيد جمال أغماني وزير التشغيل والتكوين المهني، والسيد أحمد الشامي وزير الصناعة والتجارة والتكنولوجيات الحديثة، والسيد محمد عبو الوزير المنتدب لدى الوزير الأول، المكلف بتحديث القطاعات العامة، والسيدة لطيفة العابدة كاتبة الدولة لدى وزير التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، المكلفة بالتعليم المدرسي، وممثلو القطاعات الوزارية المعنية.