ماذا أصاب الجامعة المغربية؟! إقالة رؤساء شعب، وتشرذُم نقابي، بعد التشرذم المعرفي والثقافي للمؤسسة الجامعية المغربية، إلى الجد - وهذا مثال بسيط - الذي لا وُجود فيه ل«بنك معلومات» - والأنترنيت مطروح على الطريق - يضم أرشيف البحوث الجامعية من إجازة و«ما ستر» ودكتوراه... إلخ.. والطرائف كثيرة، في هذا المجال، عن بحوث إجازة تتكرر بالنص والحرف، وأخرى تخضع لتوزيع جديد أو إخراج جديد، بل إن بحوثا، أعلى منها درجة، استُنسخت أهمُّ فصولها من بحوث سابقة، ونال بها أصحابها درجات، والناس درجات!، ولو كانت صعودا نحو الهاوية، ماذا حدث للجامعة المغربية؟ عُزلة عن المجتمع... طالب في الفيزياء يمارس الوساطة بين الطلاب وبين تجار المقاعد ومناصب الشغل، والهجرة نحو الخارج.. الطالب ذاته يمارس، فضلا عن السابق، السحر والشعوذة وتزويج العوانس، مقاطعة للدروس، للامتحانات، لشروط عديدة مثل إلغاء النقطة الموجبة للسقوط، وإلغاء مواد محددة في حق قد يراد به باطل أو العكس!! أساتذة يدرسون موضوعا - ولا أقول مادة - دراسيا ما يزيد على العقد... أوراقهم تحوّلت إلى مخطوط أصفر، وكأن الدرس الجامعي لا علاقة له بمرجع جديد، أو مصدر متجدد في القراءة والتأويل. أساتذة باحثون، لم يُمارسوا البحث إلا في حالة تحضيرهم لشواهد الإلتحاق بالمؤسسة، وما تلا ذلك فراغ في فراغ، فالمجلة الجامعية، أو التابعة لكلية ما، إذا صدرت، في أوقات متباعدة، تظل تشكو من ندرة الباحثين أو الكُتّاب المنتسبين إلى مجال البحث والدراسة... انضواء العديد من الأساتذة الجامعيين «في خانة المدرّس عوض الباحث... إلخ. وازداد الأمر استفحالا بعد تطبيق ما سُمّي بالإصلاح الذي كان بمثابة القشة القاصمة لظهر البعير. خُففت سنوات الإجازة، فأصبحت خفيفة على العقل والقلب واللسان... والوحدات والمجزوءات عصيرٌ مركزٌ للبساطة والسذاجة لا تقدمه حتى الثانويات في أوضاعها الحالية. كل مجزوءة تعادل غلافا زمنيا محددا، وبعدها يخْتبر فيها الطالب أو الطالبة، وينتقل نحو مستوى آخر إلى أن يصل إلى نهاية الإجازة ليصبح «موجزا» عوض أن يكون «مُجازا»!! وبالمقابل يُمارس «الأستاذ» تكييفا مستمرا لمواده اختصارا وتشذيبا إلى الحد الذي يُصبح فيه الدرس مثل «الكبسولة» الشاملة وداخل هذه الدوامة ظهرت مادة سحرية تهافت عليها العديد من الأساتذة وهي مادة «التواصل» لتدريس اللاتواصل، وهو ما حاصل الآن، مادامت مادة التواصل، في كل جامعات الدنيا، محتاجة إلى المختص من جهة، وإلى التكوين المستمر،، من جهة ثانية!! وتحولت [الإدارة] الجامعية إلى جهازٍ لا هم له إلا إنجاح الإصلاح بأي سبيل، وبأية طريقة، وتحولت، نتيجة لذلك، الجامعة إلى فضاء «سيزيفي» لمسلسل الامتحانات التي التهمت الدرس الجامعي من جهة، والجهد الإنساني من جهة ثانية. ماذا أصاب الجامعة؟ لم تعد الجامعة مشتلا للمعرفة، والحوار... لم تعد فضاء للحلم واقتراح البدائل المعرفية المجتمعية. أصبحت الجامعة، في أحسن الأحوال، ثانوية مكبّرة تقوم على التلقين والاستظهار والإجترار والتنافس حول الساعات الإضافية، وفتح الثغرات العديدة للتسرب نحو مراكز القرار للفوز بعضوية لجنة معينة، أو اتفاقية شراكة، أو إشراف على تخصص مهني أو شهادة محددة تداخلت فيها الزبونية بتصفية الحسابات، والمعرفة باللامعرفة. جامعات تجاوزت العقدين، كثيرا أو قليلا، ولم تؤثر لا في الزمان ولا في المكان، لا علاقة لها بجهة أو بفاعلين في الثقافة والمجتمع، لا حِسّ ولا خبر إلا في حالة إضراب ما لسبب ما. وما عداه بياتٌ في بيات... كليات لا علاقة لها بالدلالات الرمزية لجهة من الجهات. فمازالت بعض الكليات تحمل مُدَرَّجاتها الأرقام، مثل المستودعات أو العنابر والطرقات، عِوض الأسماء والرموز والفاعلين الذين لعبوا أدوارا عديدة قبل أن توجد هذه الجامعات، أو الكليات، في هذا المكان!! جامعات قد تنشر ما تنشره، ولكنه ممنوع من التداول في الأكشاك وغيرها. لا وجود للوحة محترمة، لنصب تذكاري، لفضاء مسرحي، لحفلات توقيع منتوج معين... إلخ. جامعات، أو كليات، يتقاعد أساتذتها، وأطرها، الذين قامت الجامعة على أكتافهم، ولا تلتفت إليهم أدنى التفاتة، وكأنها كانت تنتظر هذا الوقت بالذات للتخلص منهم. وللعلم فالأطر المشار إليها أعلاه، ترفض هذا التكريم بعد أن تم تمييعه لأهداف معروفة. يكفي هؤلاء تكريم طلبتهم، أو بعضهم على الأقل، الذين لم يترددوا في التواصل معهم بالسؤال والرسالة... ولأول مرة في تاريخ الجامعة العالمي تتحالف الإدارة «مع الأساتذة» في اتخاذ هذا الموقف الغريب.. وهذا تطور جديد في المسار الجامعي.. طوبى لمهندسي هذا التحالف الذي سينكب عليه جهابذة الصيادين في الماء العكر!! ماذا حدث للجامعة المغربية؟ إنها جامعة تجمع كل شيء إلا الجامعة؟! ملحوظة: دائما يوجد الاستثناء في الدرس والتسيير واحترام فضاء خلق للتنوير. عبد الرحيم مؤدن