حاوره: أحمد العيادي س: كيف جاءت فكرة إحداث جمعية تهتم بالفرس والفارس وتحمل إسم شباب المنطقة، وإلى أي حد ترى أن تأسيس هذه الجمعية كان ضروريا؟ ج: الكل يعلم أنه الى عهد قريب، كانت لاتخلو مناسبة دينية أو وطنية ولاموسم من المواسم الشعبية بالمغرب من ألعاب الفروسية أو «التبوريدة» نسبة الى البارود المستعمل لدى الفرسان المتبارين. في الوقت الحاضر أصبح للعبة «الخيالة» مفهوم آخر يختلف عن مامضى رغم الطابع التراثي والتقليدي الذي لازالت تحافظ عليه هذه اللعبة. وخوفا من اندثار هذا الفن الشعبي الرائع، وفي إطار العمل على تنظيم الفرسان وجمعهم وتكوينهم وتأهيلهم كي يتكيفوا مع ماتعرفه «التبوريدة» من تطور ملحوظ سواء على مستوى ممارسة الفروسية أو على مستوى تربية الخيول جاءت فكرة إحداث جمعية تهتم بالفرس والفارس. وأؤكد أن ما وقع في هذا المجال يشبه إلى حد ما، ما ينطبق على كرة القدم حيث دخلت «التبوريدة» عالم الاحتراف ذلك أن الخيالة لا يقتصرون على مناسبة فيلعبون بتلقائية لممارسة هوايتهم في ركوب الخيل والقيام بحركات أحيانا تكون غريبة تميز عن باقي الفرسان الواحد منهم في درجة عالية من الانسجام بين الفارس والفرس وفي تجاوب مطلق. أما بالنسبة لكون الجمعية تحمل إسم شباب المنطقة فالأمر بسيط ولا يتجاوز التأكيد على توارث الأجيال لهذا التراث الشعبي الخالد في الحضارة المغربية بالإضافة إلى أن ألعاب الفروسية أو «التبوريدة» أصبحت تتميز ببعض المقاييس على مستوى المشاركة في المهرجانات الوطنية وفي المسابقات بالإضافة إلى الطريقة الواجب اتباعها في تربية الخيول كونها أصبحت مشاريع استثمارية مدرة للدخل مما يستوجب تحسين النسل والبحث عن الجودة والأصل وكل هذه الأمور تحتاج إلى إطار ينظمها ويسهر على تتبعها ويتحدث باسم كل الخيالة بالمنطقة ولم يكن هذا الإطار إلا جمعية وهو ما وقع بالفعل. س: أية علاقة تجمع الفارس بالفرس وما هي استعمالات هذا الأخير في الماضي وفي الحاضر وما هي أهم الأنواع من الخيول المفضلة؟ ج: علاقة الفارس بالفرس علاقة غريبة ولا يمكن أن يعرفها المرء إلا حين يكون فارسا «مولوعا» أو هاويا لا يبحث عن الاحتراف، وتتجلى هذه العلاقة أيضا في قدرة الفارس على مخاطبة فرسه بطرق خاصة، سواء أثناء الجري أو عند التوقف أو من خلال القيام بحركات بهلوانية على صهوة الفرس تبلغ درجة معينة من التكامل والتلاحم يشارك فيها الحصان نفسه، وقد عرف الانسان الحصان منذ القدم، حيث استعمل الحصان في البداية في الحروب وفي المباهاة والتفاخر، وفي القرن التاسع عشر (19) استعمل الحصان في الجر والمزارع ويستعمل كذلك للركوب نظرا لقدرته على تحمل الأعمال الشاقة سواء اثناء الحروب او السباقات وكان الحصار العربي حاضرا في الحروب لرشاقته وخفة حركاته الأمر الذي كان يزيد من مهارة المحارب فوقه. ومن هنا أيضا يعتبر الحصان العربي الأصيل من أهم أنواع الخيول حيث يتصف بالجمال والشجاعة وحدة الذكاء ومعرفة صاحبه وحفاظه عليه وعلى سلامته ويعد من أسرع وأجود أنواع الخيول ويتميز بالصبر وتحمل الجوع والعطش والتأقلم مع الجو. ومهما يكن فإن الحصان لم يفقد منزلته مع التقدم الحضاري بل زاد الاهتمام به في مناسبات متعددة ومتنوعة والفروسية عموما مثل الاستعراضات والمسابقات والمهرجانات وما الى ذلك... أضيف أن الفرس اليوم أصبح يحتل مكانة متميزة فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي رغم ما يمكن أن تكلفه تربيته من امكانيات مادية ناهيك عن لباس الفارس وزينة الفرس بالاضافة الى البندقية. س: يلاحظ أن مهرجانات الفروسية التي تقام عبر جميع أنحاء المغرب تصاحبها تظاهرات للفنون الشعبية ماهو السر في ذلك؟ ج: معلوم أن «التبوريدة» تراث شعبي حي يجسد صفحات من تاريخ جهاد المغرب ضد الغزاة، حيث كان المجاهدون يواجهون العدو بواسطة جيادهم وبنادقهم التقليدية ، وهكذا اذا عددنا مهارات الفرسان وأدوات التعبير عن الطقوس الاحتفالية التي تجسد المشاعر والآمال والتطلعات نجد خيول الفنتازيا المعروفة باسم «التبوريدة» تشارك الناس فرحتهم في المناسبات الوطنية والافراح والمهرجانات المغربية حيث يؤكد أحد الباحثين الاجتماعيين أن فنون الفروسية المغربية التي يرجع تاريخها الى القرن الخامس عشر الميلادي ترسم المواقف والبطولات التي صنعها الأبطال والشجعان والتي يشيرون اليها في أغانيهم ومواويلهم وصيحاتهم التي تمجد البندقية والبارود مضيفا أن تلك اللقطات الشعبية الواسعة والتي كانت تقام في أوقات معينة من السنة تتم في جو من التنافس بين الأفراد والجماعات ويتبارى رجال الدين والشرفاء لابراز المواهب والطاقات القتالية العالية التي يتحلى بها الشجعان أيام الحرب كما يعبرون عن فنتازية القنص والصيد أيام السلم، مؤكدا أن هذه الطقوس أصبحت في طي النسيان أمام التغييرات التي يعرفها العالم، حيث تخلت عدة قبائل عن هذا الجنس التعبيري الهام بينما حافظت بعضها على هذا الإرث رغم الصعوبات والعراقيل ورغم التيارات الجارفة والإغراءات المادية. ومع ذلك تبقى الفروسية موروثا شعبيا جميلا وإرثا عربيا مشتركا حيث أنه عند زيارة بعض المتاحف المغربية نجد البنادق المنقوشة والمطعمة بخيوط الفضة معروضة الى جانب مجموعة من قوارير البارود ذات الأشكال والنماذج والزخارف المختلفة ومحافظ جلدية مطرزة (الشكارة) كان يستعملها رجال القبائل في رقصاتهم الشعبية التراثية خاصة وأن ألعاب الفروسية ألهمت الكثير من رجال الفن التشكيلي مثل الفرنسي «دولا كروا» الذي ساهم في توسيع سمعة هذه الألعاب بلوحاته الشهيرة. كما أن الفنانة المغربية التشكيلية «عائشة الدكالي» نظمت معرضاً خاصا بالفرس والفروسية ويحتل الفرس حيزا كبيرا من أعمالها الفنية. وهكذا فإن التقاء فنون الفروسية والفنتازية مع الفلكلور الشعبي أمر يعكس مختلف الفنون التراثية الشعبية والفلكورية مع المظاهر الاحتفالية بالفرس العربي الأصيل في مناسبات مختلفة لترسيخ القيم التراثية الحضارية المغربية وفرصة لإحياء الثقافة الشعبية المغربية بمختلف ألوانها وأصنافها. فضلا عن الارتقاء بالذاكرة الجماعية للإنسان في علاقته بالطبيعة والحيوان الأليف الذي يصاحبه في الحياة كما هو الشأن بالنسبة للفرس الذي يحتل مكانة مهمة في الهوية الثقافية الوطنية وكذا في بعده السوسيواقتصادي.