من عرصات الإبداع جاءني صوتك محملا بالشعر، ينفض الرماد عني وينفخ في الجمر ..هائمة كالعطر كأنفاس الربيع ...عذبة كالندى تصلني أنغام قصائدك ...كدالية العنب تسكرني قطوفها فأنتشي بتراتيلك التي تؤنس روحي في هذا الصقيع. لي يقين أيها الأنس الشاعر أن فيض ما اعتمل في كيانك هو وليد تماس مباشر بينك و بين هذا البلد الغير أمين، و الذي لا يعترف إلا بالقصائد التي تُطبع على صفحات الشيكات. أما الدواوين الصادرة بدون رصيد فمآل أصحابها الإقصاء الأبدي. لا تبتئس شاعرنا الجميل فهنيهة من شعرك مقدارها الخلود ...أدخل جنتك و حلق في سماء الأولمب... ففي حضرة "ديونيسوس" أراك و في كفك مرثية البوح الأخير، قصائدها حامية تلفظها فتنخرس ألسنة الشياطين . جئت وفي كفك قبس من قصائد، دماء حروفها عديل حبر قلبك، إذ تضخ في شرايين البلادة تُشفط منها شحوم العبث والرداءة، جئت ترتدي قصائد نُسجت من أشعة الشمس و خيوط المطر... فبارك ببردتك هاته من أحسست في كلماته شعرا حقيقيا... هذه السنة يا أنس لم تُمطر سماء البلد و شمسها لم تُنر غير الرذاذ و بصيص شعر كان معظمه منزوع الروح لا يعد بأمل، فجاءت المرثية وقليل من الدواوين معها بأمطار الربيع لتنعش القلوب الذاوية. أعرف يا أنس أنك تود أن تنحث بالكلمات صورا للمدن اللزجة وتمثالا لهذا التاريخ الممزق والمنحرف وأيقونات لرماد الأجيال المحترقة ولك أن تعرف أن لا المدن ولا التاريخ بقادرين على خداعنا بعد أن فضحتهما "مرثية البوح الأخير" . تجربتك يا أنس في "مرثية البوح الأخير" تجربة تماس مع مكنونات النفس وأسرارها... فبين "مرثية الرماد الأخير" و"مرثية الجمر الثاقب" أوجدت لنفسك مساحة للبوح التصاعدي... فمع كل حرف.. كل بيت.. كل قصيدة تساهم في تشييد قلعة تجربتك هذه، أكيد أنك كنتَ تتشكل من جديد... إنها شكل من أشكال الكتابة التي تنكتب بها ومعها... وأنت تتصيد أبياتها كانت تتصيد شيئا منك.. فيها ما في قلبك من رغبة في البوح إلى ربة الشعر بمصائرك المتحققة والمفترضة... وأنت "تصعد أدراج ريح" قصائدها كانت تضيئك "ومضة" "ومضة" من "خطوط البحار" نسج "الشاعر البربري" قصائده "جمرة" "جمرة" وفي "مدار الأموات" كانت "أجرام حظك" توشك على السقوط فيسندها "أدونيس" بالحروف والكلمات... هكذا أرى أمسك معها فكيف يا تُرى ستَرى هي غدك معها.