جميلة تلك الفتاة الطيبة ، و الأجمل فيها تلك الأخلاق المثالية الفاضلة ، فتاة في أوج شبابها ذات حاجبين مقوسين سوداوين ، و شعرها الأشقر يتدلى على كتفيها بدون مانع ، لم نفكر مرة أنها مقصرة في واجبها ، بل بالعكس إنَها محور أعمالنا ، في كل صباح لا تراها متجهة إلى المزرعة إلا و في يدها صرة بها كسرة و قليل من البصل و الزيتون و على كتفها قربة الماء ، و ما إن تصل حتى ترتب كل شيء تحت شجرة البلوط ، و تمضي كالنحلة المجتهدة تراقب ما انجزناه طيلة الصبيحة ،تتنقل بين أحواض المزرعة تتفقد مياهها بكبرياء كل صغيرة و كبيرة ، تارة تقلع الأشواك الضارة بين المغروسات ، و طورًا تتفقد مياه البحيرة المتدفقة في الساقية ، و إن لاحظت شيئا على غير طبيعته صاحت في تذمر : ليس العمل هكذا يا جماعة ، ما هذا ؟ ثم تمضي و تغيب بين همسة الطيور و الفراشات تذر وراءها أثرا لن يزول واحدة من بين الأسماء الفذة ، فقيرة الحال تعيل أسرة كثيرة العدد ، جلهم مسنون منهم الأب الذي أتعبته خدمة الأرض ، ومنهم الأم و الخالة و العمة و الجدان ، و بعض الأيتام رمى بهم الزمن المغفل إلى كوخ حقير لذا فهي مجبرة لأن تشتغل وتعطي مردودا أكثر و إلا سقط الكل بين أنياب الجوع ، و حتى لا تسخر منها جارتها الموجودة ما وراء البحر ضاعفت جهدها ، لكن لم يكن هذا فقط يقلقها ، بل كانت منشغلة بفكرة الزواج ، إنها مقلمة ، معظم جاراتها الأخريات متزوجات ، لقد تزوجت من قبل فعاشت أياما سعيدة ، و لكن الدنيا كلحت في وجهها في الأخير ، بعد أن قفص بعلها ، هي ليست أرملة إنها قالصة عمرها بدون شك سيكون طويلا ، قد تكون هي آخر من تبقى في هذا الكون ، لذا يجب أن تدفع عن نفسها هذا الشر ، لابد من رجل آخر يتعهدها و يسهر على راحتها.. الأب انتهى دوره لم يعد قادرا على إسعادها أكثر، الجد في آخر رحلته المكوكية يعد سويعاته الأخيرة في هذا العالم المضطرب ، لكن من يتقدم لخطبتها ؟ كل من تقدم لطلب يدها إلا و اعترضه حاجزا يجعله يقوم بتدبير إعالة عائلتها و يتحمل شتى أنواع المصاريف ، عندها يغيب فارس أحلامها و تصطدم بخط مشؤوم ، و يعود الواقع هو الواقع ، مواصلة العمل هو أهم شيء لمدها بنفس جديد ، أما الشيء الآخر فسيجيب عنه المستقبل . توالت الأيام و الشهور تتلفق و في تلفقها تزداد مطالب العائلة المسنة أكثر ، و مشاكل أكثر تغرق الفتاة سعيدة إلى أذنيها ، الحمل صار أثقل ، لم تستطع أن تواجه تكالب الأمواج و شدة الإعصار المدمر ، الكوخ يجب أن يأخذ قسطه من النظافة و الترميم ، الأفراد يجب أن يشبعوا بطونهم لقد تغير العصر ، الأمور تطورت ، لذا يجب على كل شيء أن يساير الموضة الجديدة اضطربت المسكينة و مضت دون أن تلتفت وراءها لتستفسر قرص الشمس المازن المشغول بنفسه : كم تشير الساعة ؟ كم تشير الساعة ؟ الوقت قاطعها حبط الشيء الكثير منها ، لا يمكن أن تذره إلى الغد جابهت الأشباح و مضت تبحث عن وسيلة لتستعين بها كي تكمل عملا ما ، لكن العين بصيرة و اليد قصيرة اختلطت عليها المشاكل و الهموم ، ماذا يمكنها أن تفعل ؟ لم يبق لها شيء ، نفسها العزيزة أهملتها ، حتى أناقتها بدت في شكل فوضوي ، و جهها القمري الساحر أصبح كجريدة النخلة المسنة صمتت و رست قطرات دموعها في قلبها ، لمن تشتكي ؟ لمن تقرأ عذابها ؟ الناس في هذا العصر مجرد أشكال خياليين بدون روح ، و بدون دم ، القضية قضية قفص أو حياة ، الدموع لا تنفع ، أسرعت على الطريق المعتم بشظايا الزجاج و الكابة تحملها بين أحضانها في الحقل و بينما هي منهمكة في عملها الدؤوب ، سألني أحد الرفاق المخلصين قائلا : - حال الفتاة هذه الأيام يريبني - فعلا - ألا يحق لنا أن نستفسرها ؟ - بلى .... هذا جميل طبعا كان كل واحد يشعر بألمها ، إنها أختنا ، إنها أمنا ، إنها زميلتنا ، لا نعرف غيرها ، حنونة طيبة ، لذلك سرقت قلوبنا دون أن نشعر ، هذا طبيعي فالذي تأكل (( ملحه )) يجب أن تخلص له لأجل ذلك يجب أن نراها دوما محور يحمل همومنا و أتعابنا و أفراحنا تقدمت منها خطوات خفيفة دون أن أزعجها و سرقتها بسؤال رقيق : ما بك يا أختاه ؟ صمتت لحظة ، و نبرت رأسها ، تتأملنا بعينيها البريئتين ، الجواب على مثل هذا السؤال صعب ، لذلك فهي لا تريد أن تزيد في إحراجنا إثرها قالت : - ماذا عساني أن أقول ؟ و إذا قلت لكم الحقيقة ، فلا تستطيعوا أن تفعلوا شيئا . مرت المركبة الشراعية ، الهموم تضاعفت يوما بعد يوم ، و بينما هي في الحقل كعادتها مع حركاتها الظريفة فجأة قرعت أذنيها كلمات هادئة متخت رأسها تكاتع همسات هذا الصوت الملكوت ، التفتت خلفها لتقبض عليه ، عندها اصطدمت نظراتها بشاب منتصب أمامها ، قامته الشامخة تحجز مساحة كبيرة من الفضاء ، و عيناه الواسعتين ينبعث منهما شرر متوهج ، إنها لا تعرفه من أتى به ؟ المهم بادرته قائلة : من أنت ؟ - سعيد بن عبد القادر - أين تسكن ؟ - أنا جاركم - ماذا تريد ؟ - جئتك في أمر هام - ما هو؟ طلب صعب ، ، و لكن ، ، - تكلم ، ، أنا أسمع - بسيط تقولها دون حرج ! - أنا لم أقل عيبا - أسكت بالله عليك ، أرأيت امرأة تزوج نفسها بنفسها ؟ ما هذا الكلام يا أخي ؟ - ولكن ! - أرجوك أن تصمت - يعني أنك رافضة لا .. لا .. الكلمة الأخيرة لأبي انتابتها حيرة جارفة ، رحلت مع نفسها إلى عالم مشحون بالمتناقضات ، ماذا ؟!.. ماذا حدث ؟! هل أنا في حلم ، أم في حقيقة ؟؟ !.. ليس هذا و هما ، و لكن لماذا قصدني أنا بالذات ؟ هناك بنات كثيرات في حينا ، و مع ذلك كيف عرف اسمي ؟! .. بدون شك إنه يعرفني ، و رغم ذلك ما يهمني أكثر هو : هل أتزوجه ، أم أرفضه ؟ و إذا تزوجته هل تحل مشاكلي ؟ ماذا أفعل ؟ اجبني أيها الرأس الخشن ، فقدت جميع المفاتيح ، الفرصة تأتي مرة واحدة في العمر ، هكذا يقولون ، الطريق نهايته مجهولة ، و القدر لا تعرف بماذا سيجيبها ، و تبقى فكرة الزواج هي العقدة ، العقدة التي تلازمها في كل مكان . انطلقت في رحلتها المعقدة هائمة بدون هوية ، تكابد القلق و الأسى ، الرفاق القليلون لم يتأخروا مرة عنها ، و لكن ماذا بوسعهم أن يفعلوا ؟ ليس بإمكانهم أن يوقفوا عجلة الكون الهارب المقمطر ، القضية قضية الجميع ، فسعيدة لا تهمها حياتها بقدر ما تهمها سعادة الآخرين ، و رغم ذلك فهم لا يعيرونها أي اهتمام . أصبحت جرداء عارية ، تتذكر أيام عزتها ، كيف كانت تختال بين أنامل الحاصدين ، فتبكي ، و تبكي ، و تئن تحت أثقال و طأه الحياة ، أين الرجال يا دنيا ؟! أين رحلوا لا .. لا يحدث هذا واستفاقت و عادت إلى واقعها ، كان الوقت مساء ، دخلت إلى الكوخ ، و في مخيلاتها بقايا من الصور الفارة تقدمت ، الأب ممدد على الحصير ، جلست بجانبه ، و سافرت في حنانه تداعب لحيته البيضاء كالثلج فشعر بتيار دافئ يجري في جسده إثرها اعتد0ل في جلسته ثم خاطبها : - ماذا حدث لك يا بنتي ؟! - لا شيء .. لا تشغل بالك بي - أنا هنا .. لا تخافي - أعرفك أب شهم ثم مد يديه ووضع رأسها في حضنه و مضى في كلامه قائلا : - كنت أريد التحدث معك في أمر هام .. - ما هو ؟ لقد كبرت .. لذا يجب عليك أن تفكري في مستقبلك - آه ،، نعم ،، لقد فهمت - هل اتصل بك ؟ - بالطبع - ما رأيك ؟ - حسن ، يعني أنك موافقة طأطأت رأسها ، و لزمت الصمت ، لم تستطع أن تخالف الأب ، حتى لو خالفته ، فلن تجد حلا لمشكلتها ، ما دام الواقع هو الواقع ، لذا فهي مسيرة لا حرية لها ذلك أن هذا الزوج لا تعرف عنه شيئا ، و مع هذا تقدمت إلى المغامرة ، يمكن أن تنجح و تحل عقدتها ، و قد تفشل أثرها فيكون الثمن غاليا و بينما هي مستعدة للذهاب إلى فراشها ، بادرها الأب قائلا : لقد اتفقنا ،، قراءة الفاتحة ، و العرس في ليلة واحدة - فليكن كذلك يا ابنتي استعدت الفتاة سعيدة لعرسها ، جمعت كل ما يليق بالعروسة ليلة زفافها ، قطع الحرير خيطتها فساتين عند أمهر الخياطات ، تسلفت بعض الأساور و الخلاخل من صديقاتها ، يجب أن تظهر أنيقة جميلة أكثر ، أمها قبل قليل ذهبت تستدعي المدعوات ، من أخوال ، و أعمام ، و بعض الصديقات في مثل سنها ، المساء أوشك أن يتلفق بها و أمور كثيرة مازالت لم تكتمل بعد ، بدون شك موكب العريس في طريقه إلى البيت المتواضع . نظفت غرف البيت ، وجاءت بالقدر و الأواني من عند الجارات ، و الأب رغم كبره هو في حركة دائبة لا يهدأ ، الحصر مفرشة ، المخدات جاهزة الزرابي مصففة ، برميل الماء مزحمرة ، الكل غارق في مهمته ، البيت كله حركة مستمرة . فجأة هتع المساء ، نزل موكب العريس ، و الكبش يتقدمهم برفقة رب الأسرة ، انزلوا كيس السميد من فوق ظهر الحمار ادخل صندوق جهاز العروسة ، أمسى البيت مزدحما عن آخره بالمدعوين و المدعوات ، و فرسان (( الدشرة )) ببنادقهم و برانسهم التقليدية ، العروسة تصدرت حلقة المدعوات تبكي بكاء الفرحة غابت عن الواقع ، فلم تصدق في رؤية هذه المشاهد الرائعة فعلا ليلة كهذه تعتبر في نظرها من أجمل الليالي و الأيام إنها بداية لبناء منزل جديد ، دخل أبو العروسة إلى بحبوحة البيت ببرنوسه الأبيض صائحا : زغردن يا بنات ، زغردن يا بنات ، أطلقوا البارود يافرسان (( الدشرة )) الأهازيج ، رقصت العروسة تحت أنغام الحناجر الريفية ، صفقت الأيدي و مضت الليلة المظلمة تأكل نفسها . دخلت العالم الجديد معه ،، يد في يد ،، رتوة مع رتوة ،و مضيا معا في صبيحة مشرقة ،، يسيران على ضفاف جزيرة الهوى ، يتعانقان ، يتناجيان ، يتبادلان القبلات ، يقتلان أشباح الماضي الدفين ، فجأة دق قلبها ارتعش خاف أن تضيع منه الوريقة الرابحة ، سأل نفسه ، لم لا تكن هذه المعاكسات كاذبة ؟ ثم هدأ من جديد يحفان أمام الساقية الراقصة ، يترشفان حبات مطر ، ثم أرسلا بصرهما معا إلى الطبيعة الخلابة ، الفراشات تطوف حول رأسيهما ، و الورود تعاكس أشعة الشمس الدافئة ،، و الطيور ماضية في زقزقتها ، الذكر يغني ، و الأنثى ترقص ، فجأة انقلب الهيام و السرور إلى شراسة و همجية ، انقض الذكر على أنثاه ، فسقطت صريعة قتيلة جزاء عطائها و إخلاصها بالطبع توقف الدم في جسد الفتاة سعيدة ، نزلت الدموع المحرقة من عينيها ، فجأة استيقظت من حلمها مذعورة : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ،،ماذا حدث لي يا ربي ؟ !ماذا حدث؟! لم كل هذا الحقد ؟! لم كل هذا الظلم ؟! و بقيت ذاكرتها تسبح في هذا المشهد الرهيب تبحث عن ترجمة لوقائعه ، و لكن دون جدوى ، كل الطرق موصدة ، ما العمل ؟ لا شك أن هذا يقضي على حياتها ، إنها مشلولة الذاكرة ، ما العمل ؟ و بعد قليل من التفكير صاحت فجأة : آه ،، هي ،، لا يفسر الحلم إلا شريفة ، نعم شريفة ، إنها عجوز محترفة في هذا الميدان ،، أغلب نساء (( الدشرة )) يذهبن إليها . أخذت عباءتها بسرعة ، هي جارتها لذا فالمسافة قصيرة دخلت عليها ، كانت منهمكة في نسج حصير الحلفاء فأطلعتها على القصة المرعبة ، فاندهشت العجوز شريفة ،، الحلم في رأيها حدث حقيقي ، و إن الفتاة سعيدة ستشهد في الأيام القليلة القادمة لحظات مرة ، لذا أمسكت أعصابها أضمرت الحقيقة ، ثم أرسلت بسمة مصطنعة ، و قالت للفتاة : أهذه هي القصة ؟ - نعم ،، نعم يا جدتي - لا ، مجرد أوهام ،، أقراي الفاتحة يا بنيتي ،، لا تخافي اطمأنت سعيدة بكلام العجوز ، بعد أن كادت تغرق في الجحيم المدمر ، فظنت أنها نجت من هذا الإخطبوط . دارت عجلة الزمن بسرعة فائقة ، و ما من يوم يمر إلا و يشهد فيه البيت تغييرا مخيفا ، تغييرا يحمل في كينونته مآثر الأسى و الحزن سعيدة ترفض لأن تبقى مطبقة اليدين ، و هو يرفض خدمتها ، ماذا بوسعها أن تفعل ؟ ،، فالزوج أصبح لا يطيق حضورها صار ينفر من شكلها ، حقق أهدافه استولى على ثروتها أشبع غريزته الحيوانية قضى على شبابها الفتان ، و مع هذا فهي صابرة للقدر لا ترد على صراخه خشية أن تفقده و يسخر منها الأعداء فإن جاء المساء ، حملت له قنع الكسرة و قليلا من الزيت في الصحن ثم خاطبته : كل يا حبيبي . - حبيبك يا خبيثة ! ،، و ماذا أتيت لحبيبك ؟ ،، أكسرة شعيرة و زيت ؟ .. هه .. هه - ما الذي تريده أكثر ؟،، أسهر على خدمتي ستجد الجيد - طماعة .. طماعة ، أنا أعرف كيف اكسب قوتي .. هيا ارم هذا الأكل إلى الكلب - شعرت بمخاض في بطنها ، ثم تنهدت الصعداء ، وردت عليه في أسف قائلة : أنا الغالطة ، أنا الغالطة ،، يحق لي أن أقتل نفسي . في هذه اللحظة اكتشفت غلطتها ، لماذا لم تسأل عن سنه ؟ إنها تكبره بعدة سنوات ، و مع هذا فهو شاب طائش لا يملك تجربة في خدمة الأرض و اكرها ، تعود أن يعيش على كاهل الغير ، فكثير ما يعود خائب الحظ من المدينة ، لماذا ؟ المصانع لم تشغله لأنه لا يملك شهادة تخرج ، أو أية تجربة ، إلا أنه كان يكسب مبلغا محترما عن متاجرة بعض الممنوعات ، كبيع الملابس الأمريكية ، و تبديل العملة (( الدوفيز )) و يدفع كل ذلك في شراء أحسن الكاسات ، ثم يعود إلى البيت و هو في حالة يرثى لها . دخل كالمجنون ، هو يتمايل تحت تأثير المخدر استلقى على فراشه ، فتح المسجلة أكثر وو ضع رأسه في داخل الوسادة حتى لا يسمع صوتها ،و لا يبصر حركاتها ، و سعدية لا حول و لا قوة لها ، كل الحيل فشلت ، فلا الابتسامة في وجهه ، و لا الكلمة الطيبة استطاعتا أن تلطفا من حالته حتى الحبوب التي جنتها بعرقها من الحقل نفذت ، و مع ذلك تسلفت من جارتها دقيقا و خضرا ..أهلها نستهم من أجل إرضائه و سعادته ، حتى لا تطلق . و مضت تتعثر لا تلتفت وراءها و رمت بجسدها على جزيرة الحزن ،، تبكي و تبكي إلى أن رحلت في عالم الأحلام و الأشباح المرعبة في الصباح الباكر ، و بينما كانت تعد قهوة الصباح فاجأها طرق بالباب ، فاجمرت ، فتحت الباب.. فجأة اصطدم بصرها برجل منتصب أمام الباب ، طويل القامة ، عريض المنكبين ، يرتدي بدله بنية ، فبادرها قائلا : صباح الخير ..أرجو المعذرة ... هل هذا بيت سعيدة ؟ - من أنت ؟ - واحد من أعوان المحكمة .. خذي هذا الاستدعاء - من أين؟ - من المحكمة - لماذا ؟ - لا أدري - اقرأه لي من فضلك فأنا لا أحسن القراءة - الاستدعاء يقول : الحضور غدا على الساعة التاسعة بمقر المحكمة مضى الرجل أوصدت الباب ، لم تصدق هذا ، لقد فعلها الخبيث ابن الكلب ، أيظن أنه سيفلت من يدي ؟ لا .. لا أبدا ، و مضت تتهيأ للمعركة الحاسمة ، و ضاعت منها كل الأوراق الرابحة . في المحكمة سألها القاضي قائلا : - ماذا طلبت من زوجتك ؟ - ماذا تقصد ؟ - مثلا .. هل هددك بالطلاق ؟ - لا ، مستحيل مع أني لست سعيدة معه التفت القاضي إليه و سأله : ما هي الأسباب التي دفعتك لهذا القرار ؟ - حاول سعيد أن يبحث عن بعض الأسباب ، و لكنه فشل فصمت دون أن يرد على سؤال القاضي . اندفعت سعيدة واقفة غاضبة لتصب جام غضبها قائلة : ما رأيك ياسيدي في الإنسان الذي يضيع حقوق زوجته ؟ - بالطبع..العقاب في هذه اللحظة شعر سعيد بخنجر قد مزق جسده فقام مندهشا قائلا : العقاب ! العقاب ! - نعم العقاب .. أنت تطلب الطلاق ، فهل بنات الناس لعبة في يديك : - إنها لا تحبني - عجيب أمرك أيها المجرم .. هذا الحنان .. هذه الروح البريئة .. هذه التربة الطاهرة .. ألا تحبك ؟ - نعم اخرس أيها الكلب ، و لكني أحذرك ، فان كنت كما تظن إنها ستدفع الثمن غاليا ، فأنت الذي ستدفعه - و أنت ما رأيك ؟ - ماذا أقول لك بعد أن ضيعني ،، أفضل الطلاق على هذه الحياة المرة التعيسة تطلقت سعيدة ، تركته يمضي لحال سبيله ، رغم أن الثمن كان غاليا ، لكن الذنب ليس ذنبه ، إنما الذنب دنبها ، تزوجته دون أن تفكر في إنسانيته ، في وطنيته ، في إخلاصه ، و مع ذلك سيعود إليها في يوم ما عندما يشعر بالجوع ، بالبرد ، بالحرارة ، بالحرمان . - الرموز الفنية الواردة في القصة : - الاب ...رمز للتاريخ - الجارة : رمزللاستعمار الفرنسي - الزوج سعيد : رمز للشباب المتسكع المضرب عن العمل - الزوجة سعيدة : رمز للارض والوطن