كرة القدم النسوية... الناخب الوطني يوجه الدعوة ل27 لاعبة استعدادا لوديتي بوتسوانا ومالي    الرباط: فتح بحث قضائي في حق موظف شرطة متورط في إساءة استعمال لوازم وظيفية واستغلال النفوذ    المعرض الدولي للبناء بالجديدة.. دعوة إلى التوفيق بين الاستدامة البيئية والمتطلبات الاقتصادية في إنتاج مواد البناء        اعتقال الكاتب بوعلام صنصال من طرف النظام العسكري الجزائري.. لا مكان لحرية التعبير في العالم الآخر    وزير الخارجية السابق لجمهورية البيرو يكتب: بنما تنضم إلى الرفض الدولي المتزايد ل"بوليساريو"    موتسيبي: "كان" السيدات بالمغرب ستكون الأفضل في تاريخ المسابقة    مطالب للحكومة بالاستجابة الفورية لمطالب المتقاعدين والنهوض بأوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية    تيزنيت : انقلاب سيارة و اصابة ثلاثة مديري مؤسسات تعليمية في حادثة سير خطيرة    بعد متابعة واعتقال بعض رواد التفاهة في مواقع التواصل الاجتماعي.. ترحيب كبير بهذه الخطوة (فيديو)    الدار البيضاء.. حفل تكريم لروح الفنان الراحل حسن ميكري    محمد خيي يتوج بجائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    محامون يدعون لمراجعة مشروع قانون المسطرة المدنية وحذف الغرامات        كأس ديفيس لكرة المضرب.. هولندا تبلغ النهائي للمرة الأولى في تاريخها        مرحلة استراتيجية جديدة في العلاقات المغربية-الصينية    19 قتيلا في غارات وعمليات قصف إسرائيلية فجر السبت على قطاع غزة    الوزير برّادة يراجع منهجية ومعايير اختيار مؤسسات الريادة ال2500 في الابتدائي والإعدادي لسنة 2025    فولكر تورك: المغرب نموذج يحتذى به في مجال مكافحة التطرف    اختفاء غامض لشاب بلجيكي في المغرب    النقيب الجامعي يكتب: على الرباط أن تسارع نحو الاعتراف بنظام روما لحماية المغرب من الإرهاب الصهيوني    مثير.. نائبة رئيس الفلبين تهدد علنا بقتل الرئيس وزوجته    ترامب يعين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة في إدارته المقبلة    فعالية فكرية بطنجة تسلط الضوء على كتاب يرصد مسارات الملكية بالمغرب    سبوتنيك الروسية تكشف عن شروط المغرب لعودة العلاقات مع إيران    "كوب29" يمدد جلسات المفاوضات    تخليد الذكرى ال 60 لتشييد المسجد الكبير بدكار السنغالية    "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    بعد سنوات من الحزن .. فرقة "لينكن بارك" تعود إلى الساحة بألبوم جديد    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    عندما تتطاول الظلال على الأهرام: عبث تنظيم الصحافة الرياضية        وسيط المملكة يستضيف لأول مرة اجتماعات مجلس إدارة المعهد الدولي للأمبودسمان    طقس السبت.. بارد في المرتفعات وهبات ريال قوية بالجنوب وسوس    كيوسك السبت | تقرير يكشف تعرض 4535 امرأة للعنف خلال سنة واحدة فقط    الموت يفجع الفنانة المصرية مي عزالدين    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    موكوينا: سيطرنا على "مباراة الديربي"    مهرجان "أجيال" بالدوحة يقرب الجمهور من أجواء أفلام "صنع في المغرب"        افتتاح أول مصنع لمجموعة MP Industry في طنجة المتوسط    من العاصمة .. إخفاقات الحكومة وخطاياها    مجلس المنافسة يفرض غرامة ثقيلة على شركة الأدوية الأميركية العملاقة "فياتريس"        مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد: انطلاق عملية 'رعاية 2024-2025'    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثلاث روايات رائدة تكشف لنا:
قمع المعارضة الحقيقية يعني تسميم الدولة ورعاية الفساد والتعجيل بالثورات


توطئة:
لا شك أن تحقيق العدالة والازدهار والتنمية في أي بلد ينتمي إلى عالم اليوم، رهين بسيادة الديمقراطية، إذ بدونها تسود الفوضى والاستبداد والعنف والتبعية... وغيرها من العلل والأزمات والرذائل الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية والأمنية....التي تنخر كيان الأمة.
لكن مفهوم الديمقراطية يختلف من بلد لآخر ومن جهة لأخرى وحسب الطوائف والثقافات والإيديولوجيات وغيرها من الملل والنحل والاعتقادات والاتجاهات... كما أنه مفهوم يخضع للتاريخية والتطور بقدر ما يخضع لتأثيرات المواقع والأمكنة والفضاءات...
ولمقاربة مفهوم الديمقراطية بشكل أكثر واقعية وجرأة اعتمدنا سبيلا آخر غير المصادر القانونية والسياسية أو غيرها من المصادر المعتمد عليها في مثل هذه المقاربات المفاهيمية... ولاشك أن الأدب عموما والكتابة الروائية خصوصا، كانت لها دائما أدوار طلائعية في الإصلاح وصناعة التغيير وبناء الديمقراطية، لذلك انتقينا لهذا المقام ثلاث روايات رائدة، وهي:
+ رواية ( القوس والفراشة ) للشاعر والروائي المغربي محمد الأشعري، وهي الرواية الحائزة على جائزة بوكر العربية 2011.( المركز الثقافي العربي – الدار البيضاء).
+ رواية ( خارطة الحب ) للروائية المصرية الكبيرة أهداب سويف، ترجمة الدكتورة فاطمة موسى.( دار الشروق ).
+ رواية ( كثبان الرمل في السافانا ) للروائي النيجيري الشهير تشنوا أشيبي، ترجمة فرج ترهوني، مراجعة عامر الزهير.( المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب – إبداعات عالمية).
1ِ- رواية ( القوس والفراشة ): وضعية اليسار المغربي:
بغض النظر عن القيمة الأدبية والثقافية والفنية لرواية ( القوس والفراشة )، والتي تصل ذروتها كعادة مبدعها الأستاذ محمد الأشعري في أعماله الروائية، حين تضفى على الأمكنة والأطلال صفات ومشاعر الكائن البشري، فالرواية بمثابة استشراف للماضي والحاضر والمستقبل، من وجهة نظر اليسار المغربي الذي عرف تقويضا وتهجينا أشل حركته بعد سلسلة الاعتقالات في صفوف أبنائه ورواده.
من خلال الأحداث المتوالية للرواية نجد تلك الهشاشة في جسد اليسار المغربي، والذي يمثل المعارضة السياسية بالدرجة الأولى، مما يعني غياب أهم عنصر من عناصر الديمقراطية في البلد، وهو المعارضة الحقيقية، مادامت تقف عاجزة - لأسباب شخصية أوعامة - أمام تحقيق مطالبها وتطلعاتها الجماهيرية. بل تذهب الرواية أبعد من ذلك حين تصور تواطؤ بعض رموز اليسار في استثراء الفساد الذي ينخر جسد البلد ويودي بكيانها وتراثها وحضارتها ( مثلا التواطؤ على سرقة تمثال باخوس )....
ولا تتوانى رواية ( القوس والفراشة ) عن الإشارة المكثفة والعميقة إلى التنوع الثقافي والفني والأدبي والحضاري للأمة المغربية، من تراث أثري حافل ومواهب قوية في صفوف الشباب في فنون الموسيقى الحديثة بمختلف تياراتها المعتدلة والمتطرفة في مقابل الموسيقى التراثية كالملحون والعيطة... إلى جانب الكتابة الشعرية وفنون الرسم والنحت والفسيفساء... كل هذا يحيل هو الآخر إلى عنصر حساس في جسد الديمقراطية، وهو التنوع والتعدد والحوار، ونبذ الإقصاء والصراعات، والاعتراف بحق الآخر في التعبير والإبداع....
تخلص الرواية إلى نتيجة مفادها أن غياب معارضة حقيقية وفعالة في البلد، يفتح المجال على مصراعيه للعنف والإرهاب والحركات المتطرفة، وقد ختم الأستاذ محمد الأشعري روايته باستهزاء ضمني يرافق القارئ منذ أول سطور الرواية و حتى ينضج في آخرها، مفاده أن مشاركة اليسار حاليا في تسيير البلد وإصلاحه وإنقاذه من الكوارث والأزمات ( هنا مثلا محاولة عصام تفجير نفسه في ساحة جامع الفنا )، تحتاج إلى كرامات أو خوارق ومعجزات ( هنا مثلا اعتماد بطل الرواية يوسف الفرسيوي على رؤاه وأحلامه أثناء النوم أو اليقظة أو نوبات الغيبوبة التي يتعرض لها، حيث يلتقي خلالها بابنه ياسين الذي هاجر إلى أفغانستان وانضم إلى صفوف طالبان وقتل في إحدى المعارك هناك، والذي أوحى له بالعملية الانتحارية المرتقبة بساحة جامع الفنا، مما ساعده على إفشالها...).
نفهم من كل ذلك أن مشاركة اليسار المغربي شبه مغيبة، وأن المعارضة في الحكومات المغربية المتعاقبة هي مجرد معارضات شكلية غير فعالة، وقد صورت الرواية أوضاع واختيارات أبناء اليسار المغربي مثلا بشقيه المعتدل والمتطرف، والتي طالها التعنيف والاعتقال واللاجدوى فاختارت لنفسها الانصهار في الصفقات ( أحمد مجد يصير من كبار المقاولين في مجال البناء والعقار)، أو الشذوذ والملذات ( إبراهيم الخياطي المتهم بالشذوذ )، والسهرات ( ليالي السهر بالبيت الكبير بمراكش)، أو الأسفار ( فاطمة التي تبحث عن العلاقات خارج الحدود)... وبذلك يصير اليسار بدوره عنصرا من عناصر الخذلان وطعما مستساغا في متناول السلطة...
تشير الرواية ضمنيا إلى غياب ديمقراطية حقيقية في بلادنا، وهو ما يجعل البلد عرضة لشتى الانتهاكات والخروقات والتسيبات... وأنه إذا ما أريد بناء ديمقراطية حقيقية فلا بد من خلق معارضة حقيقية وفتح المجال أمام شتى التيارات والمشارب والاتجاهات للمشاركة في الحياة السياسية مشاركة فعلية....
جاء في إحدى فقرات الرواية ما نصه:
{{ ودائما تجيبني بهية بأن الحداثة المزعومة هي السيبة لا أقل ولا أكثر، ثم تخرج على الموضوع بالتعريض بما صرنا عليه في اليسار التقليدي من التسبيح بحمد السلطة المطلقة لحد الانتشاء بالإذلال الجماعي للأمة.}} ( القوس والفراشة – ص: 93 )
2- رواية ( خارطة الحب) : مشاعر أهل مصر بخصوص الألفية الثالثة:

قرأنا في كثير من الصحف وتابعنا على العديد من القنوات الإخبارية، أن ثورتا تونس ومصر لم تسبقهما حركات فكرية أو إيديولوجية كما هو معتاد قبل اندلاع الثورات عبر التاريخ... لكن قراءتنا للرواية الرائعة ( خارطة الحب ) للكاتبة المصرية أهداب سويف، تضعنا في الاتجاه المقابل لهذا الموقف.... ( فالحكاية التي تكتبها المصرية أمل المغراوي ( البطلة الرئيسية للرواية ) في نهاية القرن العشرين، اعتمادا على شذرات حكاية تضمنتها رسائل وأوراق ومذكرات دونتها البريطانية * آنا ونتربورن * في مطلع القرن. لكنها أيضا حكاية ثانية، تكتب نفسها بنفسها من خلال امتداد الماضي إلى الحاضر، وارتداد شخوص الحاضر إلى شخوص الماضي، وتعاقب دورة القرن على هذه أو تلك من المشاهد والأحداث والوقائع التي تقول : ما أشبه اليوم بالأمس ! إنها، ثالثا، الحكاية المضادة التي تقترحها أهداب سويف نفسها هذه المرة، وذلك حين تعيد قراءة الماضي في ضوء الحاضر والعكس، وحين تضع تنميطات الماضي أمام مرآة تنميطات الحاضر والعكس.) ( خارطة الحب-الغلاف).
ما يثيرنا أكثر في الرواية هو ذاك الهاجس الديمقراطي لدى الطبقة المصرية المثقفة والنبيلة، سواء عند بداية القرن العشرين أو نهايته، وسواء أكان في مواجهة العدو الإنجليزي أو السلطات الفاسدة والحكومات الفاشلة والبورجوازيات المتعفنة...
إن ذاك الحراك النضالي الخامد طيلة نهاية القرن الماضي، والمتمثل في تلك الشرذمة المثقفة والتي تتبنى أفكارا ثورية تناهض القمع والرأسمالية والحركات الأصولية المتطرفة... قد خصصت له أهداب سويف الفصل 16 عل شكل حوار شيق بين أفراد هاته المجموعة المشاكسة، بعد أن مهدت له بمقولة بليغة لروبرت لويس ستيفنسون:
( نقاط ضعفنا أقوى من إرادتنا، فضائلنا جرداء، المعارك تضطرم ضدنا حتى تسقط الشمس في المغيب.) ( خارطة الحب- ص: 301).
ما لا تفهمه الديكتاتوريات عموما والعربية خصوصا، أن المعارضة الحقيقية ضرورية في الحياة السياسية، من أجل سلامة الأمة وتقدم الوطن... إذ بدونها تصير السلطة عرجاء وتصاب البلاد بوباء الفساد، تكون نهايته غالبا قاعة الإنعاش أو السكتة القلبية... وهذا ما حدث بالضبط في تونس ومصر وباقي البلاد العربية المشتعلة بالثورات...
حقا هناك ما يسمى بالمعارضة في بعض الحكومات العربية، ولكنها للأسف الشديد لا تحمل في غالبيتها من المعارضة إلا الاسم، إذ تم تهجينها وترويضا من طرف السلطات والنخب الحاكمة، مما حاد بها عن وظيفتها الأساسية المتمثلة في المواجهة والاصطدام الإيجابي المبني على الحوار والصراحة والنضالات المشروعة...
الحوار الذي تكتبه أهداب سويف في الفصل 16، والذي يجري بين نخبة من المثقفين من اليسار المصري بحضور الأمريكية إيزابيل، يبدو أنه حوار لا يمكن أن يدور إلا في الأتيليه حيث تلتقي هاته الشرذمة المغتربة والمضطهدة والمقصية رغم رخاء عيشها وكثرة نشاطاتها ومناصبها وانشغالاتها السياسية والثقافية والفنية والحقوقية!!....
هاته الأمريكية ( إيزابيل ) ذات الأصول العربية، جاءت تبحث عن مشاعر أهل مصر نحو الألفية الثالثة، وما ينتظرون منها. وهنا تبرز العبقرية في الرواية التي صدرت سنة 1999م، متجلية في إحساس المثقف بالتغيير، وتنبئه بطفرة قادمة ستطال الحياة العامة في المجتمع المصري، وإن كانت أهداب سويف لا تطرح نبوءتها المستقبلية عنوة، بل تسوقها على شكل آراء للنخبة يمكن تصنيفها إلى ثلاثة أنواع:
- النوع الأول: الرأي السالب: ويمثله الأستاذ الجامعي المتقاعد ذو السبعين عاما، والذي يرى أنه لا شيء سيتغير خلال الألفية الثالثة، حيث يقول:
(( - ولكنكم شباب ولن تصدقوني، أما عن الألفية فلا شيء يتغير. لن تغير من الأمر شيئا.)).( خارطة الحب- ص: 308).
- النوع الثاني: الرأي المتشائم: ويمثله أغلب أفراد الشلة، بمن فيهم أروى صالح من قادة الحركات الطلابية في أوائل السبعينيات، والتي ترى أنه سيكون هناك تغيير، لكن نحو الأسوأ، حيث نجدها تقول:
(( - خلاص يا محجوب، أمامك الاختيار: إما سيطرة إسرائيل بمساندة أمريكا، أو دعاة الإسلام الراديكالي. أمامك الاختيار.)). ( خارطة الحب- ص: 322).
النوع الثالث: الرأي الإيجابي: وهو للأسف الشديد لم يأت في الرواية من الطبقة المثقفة المصرية، بل أدلت به الأمريكية إيزابيل، حين قالت:
(( - ليس الأمر بهذه البساطة، فالأمور تتغير. لديكم تغيرات كثيرة هنا.)). ( خارطة الحب- ص:309).
وهذا ما يعني أن الآخر دائما أكثر منا فهما واستشرافا لأوضاعنا الماضية والحالية والمستقبلة...
هناك إشارات واضحة خلال هذا الفصل من فصول الرواية لثورة قادمة ستغير المجتمع المصري، وتجعله يخطو خطوات مهمة نحو الديمقراطية، ولعل أبرز هذه الإشارات ما جاء على لسان دينا وهي تضطجع في مقعدها قائلة:
(( - مصالح الطبقة الحاكمة مختلفة، عمليا – متعارضة – مع مصلحة غالبية الشعب.)). ( خارطة الحب- ص:322).
وهذا يعني اصطدام السالب بالموجب، أي أن هناك قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة، وذاك ما كان باندلاع الثورة الشعبية المصرية، والتي قلبت الأوضاع رأسا على عقب...
ما نستخلصه مما سبق أن نهاية أي دولة تبدأ بإقصاء وقمع المعارضة الحقيقية مهما كانت إيديولوجياتها أو انتماءاتها السياسية أو الدينية أو الطائفية، ولا أدل على ذلك أن السلطات أو الجهات الحاكمة لن تستطيع الكشف عن عيوبها وزلاتها إلا من خلال مرآة المعارضة...
3- رواية » كثبان الرمل في السافانا « : حتى الديكتاتوريات العسكرية تحتاج للمعارضة:

من المعروف أن الروائي النيجيري تشنوا أشيبي دخل العالمية ككاتب ورائي إفريقي كبير، بعد صدور روايته ذائعة الصيت " الأشياء تتداعى " عام 1958م، وكما أكد النقاد أكثر من مرة ( فإن روعة العمل تكمن في تحديه للرؤية النمطية لدى القارئ الغربي عن الأفارقة بصفتهم بدائيين ومتوحشين. يقدم أشيبي أيضا في أغلب أعماله تعقيدات المجتمعات الإفريقية بما لديها من بدائل للتقاليد والأمثلة والقيم، وحتى فزعه عندما يرى الأفارقة يندمجون في تلك الأنماط ويبتعدون عن ثقافتهم لمضاهاة ما يفترض أن حضارة الأوربي الأبيض الأعلى منزلة، أي أن ما يقدمه الكاتب هو وصفة مشتركة للقراء الأوربيين والأفارقة لاستعادة حس الفخر في الثقافات الإفريقية...).
وقد اخترنا في سياق موضوعنا عن دور المعارضة الحقيقية في سلامة الدولة وبناء الديمقراطية، رواية ِ"كثبان الرمل في السافانا" باعتبارها تطرح موضوع وضعية المعارضة في ظل الديكتاتوريات العسكرية الإفريقية، التي لا تفقه من الوسائل غير القمع والاستبداد في سياسة الدولة وتسييرها وتدبيرها... تصل أحيانا حد الجهل والغباء... إذ لا يتوانى الديكتاتور الإفريقي عن تصفية خصومه ومعارضيه وإن كانوا من الأصدقاء والمقربين، مثلا نجد في الرواية تصفية الشاعر آيكم رئيس تحرير الكازيت والذي يكتب افتتاحياته الجريئة يفضح فيها هفوات السلطة وسطوة الفساد في البلاد، رغم أن آيكم صديق قديم للديكتاتور منذ أيام الدراسة الجامعية، وكذلك مطاردة كريس وزير الإعلام وصديقهم الثالث قصد تصفيته هو الآخر لأنه استقال من منصبه احتجاجا على مقتل صديقه الشاعر آيكم...
وقبيل مقتل كريس بلحظات عند مشارف أبازون أكثر المناطق معارضة للديكتاتور، يتوصل بخبر الانقلاب واختطاف الحاكم، وكأن تشنوا أشيبي يريد أن يصل بنا إلى خلاصة مفادها أن نهاية المعارضة تعني نهاية النظام الحاكم... وهو منذ الصفحات الأولى للرواية يستهزئ بالديكتاتوريات الإفريقية التي تجهل آليات الحكم الديمقراطي ولا تثق في المعارضة وإن كانت صادقة وغيورة، والأدهى والأمر من ذلك هو أن الحكام الأفارقة الذين درسوا وتتلمذوا على يد الإنجليز والغرب، لا يثقون في إمكانيات شعوبهم وما تزخر به إفريقيا من الطقوس والتقاليد والتراث الشفهي الغني بالحكم والدروس والعبر...
وبهذا الخصوص يفرد تشنوا أشيبي فصلا كاملا تحت عنوان "آراء في النضال" يحيلنا فيه على أن المعارضة المثقفة يمكن أن تستفيد وتأخذ أحسن الدروس والعبر من المعارضة الشعبية الأمية البسيطة التي خبرت الحياة واحتكت بالكثير من التجارب والمحن، ويظهر ذلك بوضوح فيما تعلمه الشاعر آيكم أوسودي من حديث زعيم الوفد الأبازوني حين اجتماعه بهم في أحد الفنادق الرخيصة عند قدومهم لمناشدة الحاكم الذي أمر بإغلاق جميع الآبار التي يتم حفرها في منطقتهم، لا لشيء سوى أنهم عبروا عن رأيهم ب"لا" أثناء الاستفتاء حول الحكم الأبدي للزعيم...
وكان أهم درس تعلمه آيكم هو القوة الكامنة في الحكاية إجمالا والحكاية الشعبية خصوصا:
(( لماذا أقول إن الحكاية تأخذ أسبقية بين قريناتها؟ أعتقد أنه للسبب نفسه الذي يخلع به قومنا اسم "انكوليكا" على بناتهم – التذكر أعظم شيء – لماذا؟ لأن الحكاية وحدها هي التي تستطيع البقاء بعد الحرب وبعد المحارب. الحكاية هي التي تعمر بعد تلاشي صوت طبول الحرب وبطولات مقاتلينا الشجعان. الحكاية وليس غيرها هي التي ستنقذ سلالتنا من السير بارتباك نحو أشواك شجيرات الصبار مثل شحاذ أعمى.............)).(كثبان الرمل في السافانا) ص: 196.
لذلك سيستخدم آيكم نفس حكايات زعيم الوفد الأبازوني، وخصوصا حكاية " النمر والسلحف "، وهي نفس الحكاية التي سيستخدمها أثناء إلقاء المحاضرة في الحرم الجامعي، لتوحيد الصفوف وتوعية الشباب المثقف بضرورة النهوض من أجل الديمقراطية والتغيير...
درس آخر في هذا الإطار يقدمه لنا تشنوا أشيبي، وهو أن المعارضة الحقيقية تتجاوز فيما بينها الرذائل الطبقية والتمييز، فهناك ضرورة مشاركة المرأة والرجل في النضال والبناء والتغيير، لذلك يفرد الكاتب الجزء الثامن للحديث عن نضال المرأة الإفريقية وكفاحها من أجل رفع الضيم والحيف عن أبناء جلدتها، مع العلم أن حضور المرأة يبقى قويا من بداية الرواية حتى نهايتها... كما أن شلة المعارضة تظل مختلفة من حيث الوضعية الاجتماعية ( مثلا: إليوا حبيبة آيكم تنتمي للطبقة الكادحة وأمها تبيع القماش على الرصيف، بينما نجد مثلا في المقابل كريس وزير الإعلام...)...
وتبقى رواية "كثبان الرمل في السافانا"، من أروع ما كتب في الأدب الإفريقي السياسي، إنها بحق أثرى مصدر لاستخلاص أحسن الدروس وأنجع الوسائل فيما يتعلق بالمعارضة السياسية ليس فقط على المستوى الإفريقي بل وعلى المستوى العالمي أيضا....
خلاصة:
ما يمكن استخلاصه في هذا الجانب من خلال ما سبق، هو:
- تحتاج الحكومات لمعارضة حقيقية وليس لمعارضة صورية، مهما كانت انتماءاتها السياسية أو الإيديولوجية، وذلك من أجل رؤية واضحة وحقيقية لعيوبها وأخطائها وهفواتها...
- قدرة المعارضة الحقيقية على استشراف المستقبل وتجنيب الدولة السكتة القلبية والوقوع في الفتن والثورات الاجتماعية...
- المعارضة الحقيقية تتسم في هيكلتها بالديمقراطية ونبذ الصراع الطبقي ورفض التمييز على أي أساس كان....
- المعارضة الحقيقية لا تشمل فقط الطبقات المثقفة بل تنفتح على القاعدة الاجتماعية وتشرك في نضالاتها كل الفئات الشعبية...
- غياب المعارضة أو قمعها أو إقصاؤها يعني فشل السياسات الحكومية، وانتشار الفساد والكوارث الاجتماعية، مما قد يعجل بالثورات والفتن والأزمات الخانقة...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.