ودعت السماء الأرض في منتصف شهر يناير، ونركت القرية ملفوفة في ملاءة قر غاشم ظلوم. جدران البيوت الحجرية وقعت في قبضة جلاد الريح الجليدية.. جحافل الثلج الناعم هزمت الشمس الساقطة من راح السماء.وهي ترتجف في أركان القرية ومناكبها ، و تحتمي مدبرة بالشرفات والتلال البعيدة. أو تتأبطها بعض الزوايا .و تأتزرها لهنيهات بعض الصدور المرتعشة تحت أهازيج البرد القارص.. الحياة تعيش رعبا حقيقيا. فراحت تحتمي من رشق الرماح القاتلة بكل ما هو خشن الملمس، وتستغيث من غربة المنفي بكل ما هو ساخن... في قور البيت الحجري..خنق الثلج الغازي أنفاس الزوال في صدر الشاب الربيعي" لحو" و موسى عمه الكهل ، وابن أخيه الغر اليتيم ، و "إيطو" بكر الخالة التي رحلت في قبر بلوري من الثلج الناصع إلى جوارها أختها "زنو" الكاعب التي وشحت المراهقة صدرها بهديتها. و الجد الهرم في الثلج وزمهرير الرياح ..انتصف الليل برداء الثلج المدثر للحياة في أرجاء القرية.و أكلت النار الملتهبة حمرة الوجوه ونعومة السيقان، و.لم يزكو في ليلة الثلج الناعم غير طرف " إيطو" يحمل في زرقته لهيب قلب حضن طيف "لحو" في صمت رهيب.. العشق هزم البرد وأذاب جلمود الثلج في دفء مشاعر إيطو وهي تكتم سرها الملتهب ..مدت قامتها الهيفاء بجوار سرها المكنون، تحجب عنه طعنات البرد وعوادي الليل البهيم. الذي احتجز أرواحهم في هذا الجحر لبضع أسابيع..جمع الزمان الأحبة يأكلون فاكهة الشتاء بشغف منقطع..حرك الليل رحى الظلام بعنف ولهاته تطحن في دورة الزمان القوة والجهد. اقتات الساهرون الجيران كلهم ، بل أهل القرية واحدا واحدا..و الزمان في حركه لا يهدأ، الليل يشنق النهار وضوء النهار يزدره ظلام الليل. والأشباح في رحلة العشق البارد تغزو الشريان وتؤجل القدر المحتوم..تحرك الشيخ الهرم وألقى بالإعياء جانبا في ذاكرته ، تأبط سيفه واعتلى صهوة فرسه وشد في مسالك الجبل واختفى عن المجلس سنين.. شغرت الوجوه الشاحبة بالإعياء أفواهها، والشيخ يجذب من وسطه قبعة ألبير وبعض وثائقه .وصورة الجندي بزيه العسكري تطل عليهم خلف ضباب الصورة الشاحبة.. وضع القبعة على فخده وصاح بأعلى صوته الناري: - كان اللعين شرسا، شديد المراس بفنون القتل، مدربا على فنون الحرب و الطوارئ وكان اشد ما يكون من ذلك ماكرا خذاعا.. وأضاف و عيناه تلمعان في الظلام: كمنت للعين يوما وبعض يوم ، أكثال الصبر في جو بارد لا يطاق . عيني عليه لا تفارقه. أعد أنفاسه لأدنيه من أجله. وفي اليوم الموعود. كان الليل شديد السواد والصمت قد دثر الأجساد بالرقاد .مدت ‘"إيطو" يدها الناعمة في جبة الليل البهيم ، وجذبته في ارتخاء، وفرشت له أعصابها وكل مشاعرها في هدوء الليل.وراح الصمت الدافئ يحركها في هزعة الليل الأخير ، وقد انصهر فوق صدرها كالحلم الجميل.