حينما قرأت خبر المشردين الذين ذهبوا ضحية كحول الحريق الفاسد بمدينة وادي زم، تصورت مباشرة أن الأمر يتعلق بأطفال شوارع، قد يكونون من الأطفال اليافعين أو المراهقين في أحسن الحالات، لكن متابعة الخبر جاءت لتؤكد أن غالبية هؤلاء الضحايا هم فوق سن الثلاثين، بل إن من بينهم من تجاوز عمره 56 سنة. نحن إذن أمام أجيال من المشردين باتوا يملأون شوارع كل مدننا، بما فيها المدن الصغيرة، يفترشون الأرض، فيفترسهم الحر والقر على السواء، وتدثرهم السماء. وفي مدينة قارية كوادي زم، قاسية في الأصياف وفي الشتاءات، فإن هؤلاء الضحايا الذين لم يجدوا الرحمة ولا الدفء في المجتمع الذي يعيشون فيه، ولم يجدوا الدفء في لياليهم الشتوية الطويلة، ولم يجدوا ملاءات تحميهم من زمهرير البرد، طلبوا الدفء حيث لا يُطلب، فكانت الكحول ملاءاتهم، ورحم الأرض في القبر دفئهم ورحمتهم. ولأن ضحايا الكحول الفاسد بوادي زم هذه السنة من المشردين، ينضافون إلى ضحايا البرد خلال موسم الشتاء الماضي ببني ملال، ولأن رقم الضحايا كبير في كل مرة، فإن الحكمة تقتضي أن يتم التركيز على ظاهرة التشرد في حد ذتها، خلال مواسم القر والبرد في مثل هذه المناطق المعروفة بشدة برودتها، وتوفير دور لإيواء هؤلاء المشردين وإطعامهم ومدهم بالرعاية الاجتماعية الضرورية، لأن البرد قاتل في مثل هذه المناطق حتى دون أن تنضاف إليه أسباب أخرى. إن المشردين مواطنون مغاربة، كانوا شيوخا أو أطفالا، رجالا أو نساء، وهم بكل تأكيد لم يختاروا الشوارع والأزقة فضاءات لمأواهم وتسكعهم، وإنما آلة الوقت وطاحونته ألقت بهم هناك، لهذا السبب أو ذاك. ولأن طاحونة الوقت بلا قلب، فعلى الدولة والمجتمع أن يظلا محافظين علي قلوبهما، رأفة ورحمة بالمشردين، الذين هم في بداية الأمر ونهايته مواطنون مغاربة، وثمة في كل بيت مغربي من البطانيات والملاءات القديمة التي ماعادت تُستعمل، أمام موضة البطانيات الناعمة التي طغت في السنوات الأخيرة والتي لا تحتاج إلا إلى التجميع والتوزيع، لتكون كافية و كفيلة بتغطية كل مشردي المغرب، وتغطية كافة حاجته من الدفء وزيادة. فهل من مبادر؟!