قبل الأوان تفجرت أنوثتها أصبحت محط أنظار أهل قريتها وكلما ازدادت جمالا و نضجا ازدادت تأففا و ضجرا، بعيشها وسطهم في بلدتها الصغيرة ، التي تبدو ضيقة أمام أحلامها و طموحاتها اللامتناهية... تقدم الكثيرون لخطبتها رفضتهم بشدة رغم إلحاح جدتها التي تستسلم لرغبتها، لأنها وحيدتها بعد أن تركاها والداها؛ ليرحل الأب إلى وجهة غير معروفة هربا من الديون التي أثقلت كاهله و عصفت بتجارته، و تتزوج الأم في قرية بعيدة قلما تزورها بعد أن أصبح لها أبناء آخرون ترعاهم. انقطعت عن الدراسة التي لا تتجاوز في قريتها المرحلة الابتدائية، لتساعد جدتها في الحقل و رعي بقراتها في الصباح، ثم غزل الصوف والاعتناء بشؤون البيت في المساء.. هكذا كانتا تتدبران حياتهما اليومية، الخالية من كل جاذبية و بهاء لفتاة في سنها، لتنصرف بأحلامها العذبة التي تحلق بها كل ليلة إلى المدينة حيث تطمح لتعيش حرة طليقة و تجد ما تتمناه من ملابس جميلة ،عطور ،حلي ،مطاعم، مقاهي ، بنايات نظيفة ، سيارات... وأشياء أخرى تزدحم بها مخيلتها و تنعدم في قريتها. تشبثت بهذه الأحلام عندما تقدمت إحدى قريباتها بطلبها من جدتها، للعمل في بيتها بالمدينة و بعد أخذ و رد وتوسلات الحفيدة، وافقت الجدة مقابل أجر شهري يعينها في حياتها، على أن تزورها كلما سنحت لها الفرصة.
انتقلت إلى المدينة و كلها آمال لتحقيق رغباتها الدفينة و أمانيها الغالية، لكن سرعان ما دب اليأس إلى أعماقها، فقد بدت لها أكثر رتابة من قريتها، تعج بالفوضى والضوضاء و سكانها يستمدون راحتهم و عيشهم من تعبهم و كدهم اليومي الذي لا ينتهي.. تلاشت أحلامها التي نسجتها عنها شيئا فشيئا، ومشغلتها بدأت تضايقها وتخنق حريتها لتغادرها غير آسفة إلى فضاء أوسع.. تعرفت على صديقات جدد من نفس محيطها ، اغتالت المدينة دواخلهن ليحطمن ما تبقى لهن على أرصفتها وجنابتها، فانطلقت معهن تسخر جمالها و فتنتها، كقربان لليالي طوال و متنقلة من حضن لآخر، لاهية عابثة غير عابئة بأحلامها التي أجهضتها ، متوغلة بين أوحالها منصهرة في دوامتها، وكريشة في مهب الريح غذت تتقاذفها الأهواء كما تشاء...