كاتب مسرحي استطاع أن ينقش اسمه على جدار المسرح العربي، فلا حديث عن المسرح العراقي أو المسرح العربي المعاصر دون المرور بتجربة قاسم مطرود ككاتب مسرحي، ومؤسس لأول مجلة الكترونية تهتم بالمسرح. فمطرود الذي كتب عن مآسي العراق وعن الحزن العراقي الطويل، لم ينس الحلم والأمل في نصوصه. وهنا لسماورد وقفة على فنجان قهوة مع الكاتب العراقي قاسم مطرود. سماورد: مع ما نسمع، ونقرأ، ويقال عن الوضع في العراق. أين هو المسرح العراقي الآن؟ قاسم: المسرح العراقي موجود، وهو الآن لديه أكثر من مهرجان داخل العراق. والطريف أنه بدأ مهرجان في نفس اليوم الذي حدث فيه عشرين انفجارا في بغداد، وهو مهرجان للهواة شاركت فيه عدد من الدول العربية، ومنها مصر. وأنتم تعلمون أن المسرح العراقي حاضر في العديد من المهرجانات المسرحية العربية وآخرها كان مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي وشارك فيه بعمل مسرحي. المسرح العراقي موجود رغم التعثرات في الوضع السياسي. سماورد: يبدو النص المسرحي العراقي محملا بجو الموت والمأساة. وتبدو الحروب التي مرت بالعراق شبحا يجثم على روح النص العراقي الذي ينزع أكثر إلى الشعرية. إلى متى سيتخلص هذا النص من هذا الجو وهذه الشعرية؟ قاسم: أنا ضد الشعرية المفرطة أو المأسوية المفرطة، وإذا كانت موجودة في النص العراقي، فلا بد أن يتوازن هذا النص، ولكن إذا كان النص العراقي مهموما بالحزن العراقي الآن فأنا أراه محقا، لأن النص ابن بيئته. أنا خارج العراق لكنني أكتب دائما ما يدور ويحدث داخل العراق مستفيدا مما يحدث. قد لا أسمي الأشياء بمسمياتها، ولكنني أحمل هم العراق أينما كنت وحللت. أتمنى أن نكتب عن أشياء أخرى متى ما تخلص العراق من الهموم والأحزان، بيد أنها على ما يبدو ستطول، فهي قديمة منذ أكثر من ثلاثين عاما وحتى الآن. وقد سألت مرة هذا السؤال من الناقد المغربي الكبير عبد الرحمن بن زيدان بأن نصوصي محملة أيضا بالأحزان، فأجبته: أنني أعيش في وطن حولت فيه أعمدة المصابيح الكهربائية أيام الطاغية صدام حسين إلى مشانق، والآن في زمن الاحتلال الأمريكي نرى جثث أبنائنا العراقيين مرمية في الشوارع، ونشاهد الدماء ارخص شيء في وطننا، إذاً ماذا نكتب؟، هل نكتب عن قصص حب رومانسية، ونكذب على أنفسنا وأبناء جلدتنا يذبحون يوميا. أنت تعرف وكل المثقفين العرب يعرفون أن الشعر حاضنته بغداد والعراق، نحن نضج بالشعر والشعراء، فعندما تتحدث عن الشعر، ليس الآن فقط بل على مر العصور، فلا بد أن تمر على العراق، ويبدو أن الشعر جاءنا عبر الجينات، أنا مثلا كنت شاعرا، كتبت الشعر منذ أن كنت في السادسة عشرة، واتجهت لاحقا لكتابة النص المسرحي، ولكنني ضد من يستخدم البلاغة الشعرية في النص المسرحي، أنا أستخدم – في نصوصي- الجملة المموسقة، لأن المسرح صورة وليس بلاغة شعرية. سماورد: المسرحيون العراقيون مرهونون بواقع جعلهم مصنفين إلى مسرحيي داخل ومسرحيي خارج. كيف تجد هذا التصنيف؟، وهل تجده منصفا في قراءة واقع المسرح العراق؟ قاسم: أثيرت هذه المشكلة وتم قبرها، لأنه تبين لمن أثارها بأن مثقفي الخارج يملكون حسا وطنيا لا غبار عليه، وهم ليسوا مترفين، كما أثيرت في السابق أيضا أن مثقفي الخارج لا يشعرون بمآسي العراق وأهلها بالداخل، ولكن تبين لهم أننا نبكي حتى على رصيف إذا هدم، وليس فقط على إنسان إذا كان ضحية تفجير. هذه المشكلة أقبرت، ونحن الآن نعيش توأمة. سماورد: أسست موقع مسرحيون الذي تحول فيما بعد إلى مؤسسة، هل حققت طموحك من هذا الموقع خاصة وأنه يملك رصيدا ضخما من النصوص، ويعتبر المزود الأول للمسرح العربي بالنصوص؟ قاسم:ألا تجد أن في سؤالك جواب؟، فبالتأكيد حقق طموحي، أنا لدي ولدان، ثالثهما (مسرحيون) فحين أرى ولدي الأكبر ينجح ويدخل الجامعة ويأتي بنتائج ايجابية فإنه يحقق طموحي ويفرحني، وأنت قلت أن (مسرحيون) أنشأته وهو يحتوي على الآلاف من النصوص العربية، وأنت لاحظت بأنه ليس هناك مهرجان عربي لا يأخذ من مسرحيون نصوصا، وقد أسر لي الكثير من مدراء المهرجانات بذلك، وهناك من الكتاب المسرحيين من يقر بأن (مسرحيون) ساهم بتعريفه ووضعه في الوسط المسرحي، وهذا ليس بفضلي ولكن بفضل كتاباتهم هم وبفضل (مسرحيون)، فهي مؤسسة تنتظر أقلام كتابها، وأنا استقبل ثم أرتب المواد بشكلها الصحيح ومكانها الصحيح في الموقع، ولكن أقلامهم وكتاباتهم هي التي أثرت مؤسسة (مسرحيون)، ولولا رسائلهم ونصوصهم لما كان هناك مسرحيون. سمارود: ولولا مسرحيون لما وصلت نصوصهم إلى خشبات المسرح؟ قاسم: لنقل أنها عملية تبادلية. سماورد: ماذا عن مؤسسة مسرحيون. ما الذي حققته من خلالها؟ قاسم: حققت أمرين. الأول، فيما سبق كنت أبحث عن المعلومة، وبعد مسرحيون صارت المعلومة تدخل بيتي. سابقا لم أكن اعلم عن المهرجانات المسرحية، ولم أكن أعلم أن هناك كاتبا في مكان ما اسمه سين من الناس، لكن مسرحيون أعلمتني أن هناك مسرحا في السعودية -مثلا أو سلطنة عمان، أو غيرها من الدول العربية، بل أبعد من ذلك؛ فإن قاعدة عريضة من المسرحيين العرب الناطقين بالعربية يقطنون أوربا، وفي بيتي شاهدت عروضا عربية قدمت في فنلندا –مثلا- والتي لم أكن أتخيل وجودها. لنقل انه أبسطت على طاولتي كل المعلومات والدراسات والنصوص على هذه الأرض. والأمر الثاني، إذا سمحت لي أن بالقول: أنني إذا غادرت هذا العالم فسأترك بصمة. لا أستطيع أن أقول أنني الأول، بل أقول أني من الأوائل الذين حولوا الأوراق السمر التي تقبع في أدراجنا، وأنا املك ملفات من المقالات التي نشرت في السبعينات، إلى ملفات على شبكة الانترنت. هناك أعلام كبيرة لا يعرفها أحد، ولكنك إذا بحثت عنهم في مسرحيون تجد منجزاتهم هناك. للأسف ليس هناك تدوين فيما سبق (مسرحيون) لذا نمنحها صفة الرواد الاوائل، فإمكانك أن تكتب كلمة الإخراج المسرحي أو المسرح السعودي مثلا، فتجد الكثير من المقالات عن هذا المسرح، ولكن في السابق إذا كنت بصدد عمل بحث أكاديمي أو مقال بحثي فإنك تتعب في البحث عن المعلومة. سماورد: مسرحيون كموقع لم يأخذك من الكتابة والإبداع، فيبدو النص المسرحي يمشي متوازيا مع مسرحيون وتطوره. كيف تستطيع الموائمة بين الموقع وتطوره وتحديثه المستمر، وبين نصك المبدع؟ قاسم: أحمد الله أنني أستطيع أن أوازن بين أربعة أعمال، فبعد النص المسرحي ومسرحيون، أنا أعمل في كتابة السيناريو التلفزيوني وكتابة مقال أسبوعي في الصحافة، وأستطيع تقسيم وقتي، فأنا حين أجد وقتا لعمل إبداعي فإني أتجه للنص المسرحي، وهناك الكثير من الأفكار التي تستفزني فأدونها صحفيا. وأعتقد أنني لو أعطيت رئاسة العراق لأدرته أفضل من الموجودين ودون التعاون مع الأمريكان (يضحك). سماورد: إذا ستحول كل العراق إلى خشبات مسرح؟ قاسم: لا، لكل شيء مكانه. سماورد: نجزم بأنك من أكثر كتاب النص العرب المعاصرين حضورا في المسرح العربي، فنصوصك قدمت في مجمل الدول العربية. ما الذي يجد الجيل المسرحي الشاب في نصوصك المسرحية لتحفزهم على تنفيذها على المسرح؟ قاسم: هذا سؤال ذكي ويسرني الإجابة عليه. قبل أيام قدمت مؤسسة مسرحيون نشاطا في لندن بعنوان (وقفة مع النشاط الثقافي العراقي وخاصة المسرح ومدى إمكانية إيصاله إلى العالمية)، وكان الحضور مبهرا، ونوقشت القضية من قبل مختصين مثقفين عراقيين. والإجابة ببساطة، من يعرف المسرح ويدرس المسرح دراسة حقيقية يستطيع الكتابة بشكل صحيح، لأن في المسرح روح، وهذه الروح لا بد أن يصل اليها المبدع المسرحي كاتبا أو مخرجا، فأنت حين تشاهد عملا مسرحيا مثلا لجواد الأسدي، فإنه يبهرك، فهو صاحب حرفة في الوصول الى روح المتفرج، وغيره كذلك مثل سامي عبد الحميد بصوته. أنا درست المسرح خمسة عشر عاما بشكل جدي، فأول مرة صعدت على خشبة المسرح أيقنت أن الخشبة مقدسة وهي ليست للحشو، وليست للإنشاء، هذه الخشبة لا تختلف عن أي منبر في مسجد أو صوت في كنيسة. إذاً علي أن أحترم هذه الخشبة، وعلي أن أعرف كيف أقدم ما يجب تقديمه. بالإضافة إلى ذلك كنت أضع كل حواراتي، والسيناريو بين الحوارات لاستفزاز مخيلة القارئ إن كان مخرجا أو قارئا. أنا ضد الإنشاء في النص، فأنا اكتب النص وأعتقله وأشذبه، فهل تصدق أني (تحذف ) وأنا صاحب مسرحيون لدي عشرة نصوص مكتملة لم أنشرها بعد، لأنني اشعر أن هذه النصوص تحتاج إلى غربلة، وعندما أشعر أن هذا النص اكتمل وحمل عنوانه ويستطيع الدفاع عن نفسه أطلق له العنان، أو أطلق سراحه. عندما يقرأ المخرج النص يجب أن يشاهد الشخصيات، لا يقرأ الشخصيات على أساس أنها مجرد كلمات، بل يستطيع ملامستها ومصافحتها. مرة وأنا أكتب نصا بكيت لأجل إحدى الشخصيات، وكنت أستشعر أني كتبت نصا مهما، وكان النص قد حصل على جائزة أفضل نص مونودرامي 1998م، ومثل في السويد، وأوكرانيا، ومصر.. فالنص متى ما استفز المؤلف نفسه، إذا فإنه خلق شخصية حية. وأوجز، بأن الشخصيات التي نكتبها لا بد أن تكون شخصيات حية، تتحرك أمام القارئ قبل أن تصعد المسرح، فإذا استفززنا المخرج، فإنه سيرى شخصيات وأصدقاء وأعداء، ولديه مادة تحتاج لتتحرك على خشبة المسرح. نصوصي أغلبها على هذه الشاكلة، فكثير من المخرجين بمجرد قراءتهم للنص يقولون لي بأن هذا النص نصهم الذي يريدون تنفيذه. وربما هناك جوانب أخرى أجهلها. سماورد: هذا يضعنا أمام إشكالية النص المسرحي، ففي الماضي كان يصنف على انه أدب، وفي الآونة الأخيرة ابتعد النص عن الأدب وصار مستقلا، كونه يملك مواصفاته الخاصة، وشخصياته الخاصة المجسدة. ماذا تقول عن هذه الإشكالية؟ قاسم: نسمع أن هناك أزمة نص، وبعضنا يرى أن النص المسرحي متوافر، فالكثير من الرفوف مليئة بالنصوص ولا ينفذها أحد من المخرجين، ولكن بالحقيقة هناك أزمة نص حقيقية. فالنص المسرحي لا يعني أنه مجرد شخصيات على اليمين وحوار على اليسار، هذا ما نسميه الأدب، فكثير من النصوص المكتوبة ابدأ بقراءتها ولا أستطيع إكمالها كونها مجرد حشو لغوي، فالمسرح فن وليس أدبا. كنا ندرس في الماضي أن مسرح برنارد شو هو مسرح فكري، فقد كتب هو وتولستوي وكانوا يقصدون من مسرحياتهم إيصال أفكار كالاشتراكية وغيرها. إذا كانت القصدية أن توصل أفكارا، فليس مهما الصيغة التي تكتبها، إن كان مسرحا أو مقالا، لكن المسرح ليس مجرد أن توصل أفكار، فأحيانا فكرة واحدة تصنع مسرحية، فمثلا نص الأشباح لهنري إبسن هو نص مسرحي ضخم، ليوصل فكرة معينة وبسيطة، وليس أفكار وفلسفة. الأدب يعني جزالة اللغة وصياغة الجملة، وإذا كان واجبنا كقراء أن نبحث في المعجم لنبحث عن معاني كلمات النص، فهذا ليس مسرحا. المسرح الحقيقي لدى سعد الله ونوس مثلا، فحين تقرأ له، فإنك تجد اللغة العالية بين القوسين أو وصف الحدث، لكن الحوار مكتوب بلغة بسيطة وكأنها لغة شعبية، فالكلمات الأدبية لا تصلح بالضرورة لكتابة المسرح، فهو جدل بين اثنين، فبعض كلماته وأنت تسمعها في القاعة تحيلك إلى خيالات وأمكنة. هناك فارق بين الأدب والفن. سماورد: في الستينيات كان لكاتب النص المسرحي أهميته كمبدع وأديب معروف، فيوسف إدريس، ألفريد فرج، وسعد الله ونوس هم أسماء من هذه المرحلة الزمنية، لكن صورة الكاتب المسرح بدت تخبو مع الوقت. هل ترى أن للكاتب المسرحي مرحلة جديدة يمكن أن يبرز فيها بمعية بروز روائيين، شعراء أو مخرجين؟ قاسم: في الستينيات، النهوض لم يشمل المسرح فقط، فهي مرحلة التثوير، فجميع الثوارت والانقلابات العربية كانت في هذه المرحلة، وجميع التحولات الثورية كانت في هذه المرحلة، كل الأيديولوجيات برزت في هذه المرحلة. والرموز التي ذكرتها كانت مدعومة من أحزاب، ومن الحركات الاشتراكية والثورية، وكانوا يطبعون لهم ويقدمونهم، ونحن في هذا الجيل وحتى الساعة ليس هناك مؤسسة طبعت لنا وقدمتنا. بالنسبة لنا لولا فضاء الانترنت لما استطعنا أن نقول نحن هنا، ولولا النت وهو الأب الشرعي لنا لنامت نصوصنا في الأدراج، فأنا لدي خمسة وثلاثين نصا، فكيف يمكنني طباعتها على حسابي الخاص؟. وأنت لن تجد واحدا من الأسماء التي ذكرتها طبع نصا وحيدا على حسابه الخاص، كلهم كانت مؤسسات أو أحزاب تطبع لهم، وطبعا هذا لا يعني أننا نغبن إبداعهم أو ننكره، ولكنهم استفادوا من جهات تبنت إبداعاتهم، فمثلا سعد الله ونوس استفاد من تبني (الحياة المسرحية) له وطبعت له نصوصه، وبعد أن أصبح علامة بدأت الكتابات تألهه، وهو كاتب من الطراز الأول، وأصبح اسما تبحث دور النشر عنه لتطبع له نصوصه وهذه عملية طبيعية، وهذا ينسحب على أسماء مسرحية أخرى. نحن كجيل نعيش في عصر الانحطاط الذي لا يعترف بأبنائه ولا يحترم أو يجل الثقافة، ويجعلها عدوة له، فنحن نكافح لوحدنا لأن ندون أسماءنا في جدار بنته السلطات بيننا وبينها لنعلن وجودنا. ثم أن فضاء الانترنت مقلق بالنسبة لهم، فهو فضاء مفتوح بدون رقيب، نكتب به ما نشاء، وإن كان من المفرح أن نرى لنا كتبا مطبوعة؛ أنا لدي ثمانية كتب من نصوصي مطبوعة، وأتمنى طباعة كل كتاباتي ولكن النص المسرحي على الانترنيت يرعب أكثر. سماورد: كيف تتعامل ككاتب للنص مع التجارب المسرحية الحديثة التي قد تحيد النص أو تهدمه تماما وتبقي روح النص فقط؟، وهل أنت مع ما يعرف بسلطة المخرج المطلقة على العرض المسرحي؟ قاسم: أنا من المؤمنين أنه لا شيء مقدس في المسرح، فمن حق المخرج أن يفعل ما يشاء إذا كان لديه رؤية جديدة يقدمها على الخشبة، فحين ينفذ أحد ما نصا من نصوصي ويقدم روح النص فقط فهو حر، وحين يختصر نصا ما من ست شخصيات ويقدمها بشخصية واحدة، فهو حر بشرط أن يقدم إبهارا ودهشة في عمله المسرحي، لا أن يهدم النص ويقدمه بشكل أسوأ. أنا مع إثراء ما يمكن إثراءه، وأرفع قبعتي لمن يقدم إثراءً للنص المسرحي، فلا شيء مقدس في المسرح. سماورد: كيف ترى مستقبل النص المسرحي في وقت بروز الاهتمام بالجانب البصري قبل أي عنصر آخر من عناصر المسرحية؟ قاسم: النص المسرحي كائن حي يتطور وينمو، يأتي مخرج يأخذ النص كفكرة ويقدمها بشكل بصري، فإنه لا بد أن يكون هناك نص. النص ليس بالضرورة أن أكتب نصا طويلا، فكلمة واحدة يمكن أن تكون نصا، فكثيرا ما قدمت مسرحيات من فكرة، أو من خلال ورش. النص يأتي من فكرة، فأنا لدي نص نفذ في كثير من الدول جاءتني فكرته من لوحة، النص لا ولن يموت، أي كان شكله، فحتى الأعمال البصرية قائمة على نص. كتبت مقالا عن الساعة، كونها نصا مسرحيا، فمعركة عقارب الدقائق والساعات بعضها ببعض هي نص مسرحي يتسابق فيه الزمن، والبائع حين يروج لبضاعته هو يقدم نصا مسرحيا كاملا، وأصحاب (البسطات) حين يمدحون بضاعتهم هم يقدمون عرضا مسرحيا قائما على النص. سماورد: يعني أن الدراما مرتبطة بالحياة؟ قاسم: والنص لا يمكن إلغاءه. سماورد: كيف ترى حركة النقد المسرحي العربي، مع وجود بوادر لتجمعات افتراضية كجمعية نقاد المسرح العرب التي أسست قبل ما يقرب السنتين؟، هل ترى أن النقد المسرحي يتوازى في المنجز مع النقد الثقافي، أو الأدبي في الوطن العربي؟ قاسم: كلاهما يسيران بتعرج، لأننا كعرب لازلنا لا نتقبل النقد. كنت أكتب النقد وتوقفت لأنني فقدت الكثير من الأصدقاء، فإنك إما أن تجامل أو تصمت، ففضلت الصمت، كما أننا لا نملك دراسات نقدية تهتم بالنقد ذاته. المفكر العربي نصر حامد أبو زيد يقول أن النقد ليس إدانة، بل هو تحليل لمستويات النص والإتيان بما هو أفضل، يعني أن الناقد يأتي بنظرة مغايرة لما تقدمه، فالناقد هو عين حكيمة مبصرة خارج دائرة عرضك أو منجزك. وهو يضيء بعض مناطق الظلام في المنجز، ولكننا لازلنا لا نتقبل من يضيء لنا العتمة. النقد المسرحي لازال نقدا صحفيا، فدلني على مجلة عربية معنية بالنقد المسرحي. كيف لنا أن نكتب نقدا موسعا، ويأخذ النقد حقه في قراءة العروض والمهرجانات بشكل موسع، دون وجود مجلات تهتم بالنقد، فما يكتب هو مجرد نقد صحفي مشروط بعدد كلمات وأسطر. سماورد: ماذا في آتي قاسم مطرود على مستوى الكتابة والعمل المسرحي وعلى مستوى النقد؟ قاسم: الكثير والكثير، فأنا ممن لا يسكنون، إذ أنني أعمل- إذا ساعدتني صحتي- ستة عشر ساعة يوميا، وإنشاء الله لن أتوقف عن الكتابة حتى آخر الأنفاس. أنا أعمل على ثراء ثلاثة أو أربعة مشاريع، والسبب أنني لا أريد أن أؤطر نفسي في مشروع واحد وأنهيه لمجرد إنهائه، وإنما أكتب نصا مسرحيا-مثلا- وحين لا يمنحني نفسه، أتركه واذهب إلى مشروع آخر يمنحني ذاته للكتابة فيه.