تمكن الكتب الصادرة حديثا اليوم، حول المسرح، تعميق فهمنا للخطاب المسرحي. خصوصا إذا كانت أسئلة الكتاب تروم البحث وخلخلة الكثير من المفاهيم البانية والمؤسسة لهذا الخطاب. أما وأن يكون الإصدار مغربيا، فهذا يدفعنا للتساؤل عن راهن ومآل النقد المسرحي في المغرب. خصوصا أننا أمام حراك لافت نهاية الألفية الماضية وبداية هذه الألفية الجديدة. حراك زاده تأسيس لمراكز البحث، وفروع لمؤسسات دولية، وعقد لقاءات وموائد نقدية تفكر في بنيات وأنساق هذا الخطاب وأسسه الجمالية. وبما أننا لسنا مؤهلين لإطلاق «أحكام معيارية» نكتفي بالتنويه الى أن هذا التراكم في العناوين الصادرة، كفيل في النهاية، جعلنا نتمثل سمات محددة للنقد المسرحي في المغرب. وتوسيع لهامش حضور فاعل لخطاب يفكر في المسرح ويستقصي منظومته الداخلية. هذا، في ظل وضع يعرف انحسارا ملحوظا «للعرض المسرحي» وخللا بنيويا يهدد وجوده. في ظل، وتلك المفارقة، اهتمام متزايد بهذا الفن مؤسساتيا وإنتاجا. يبرز اسم الناقد المغربي أحمد بلخيري، كاتبا وناقدا مسرحيا، كأحد الوجوه الفاعلة اليوم في المشهد النقدي المسرحي. فالى جانب كتبه وإصداراته حول المسرح، صدر للباحث أحمد بلخيري ترجمات ومراجعات لكتب ومقالات ودراسات جامعها التفكير في المسرح «كعلم» يؤسس حضوره المتشعب داخل الثقافة العربية المعاصرة. ولعل هذا التفكير قد بلورته مسارات الباحث سواء في «معجم المصطلحات المسرحية»، «المصطلح المسرحي عند العرب»، «الوجه والقناع في المسرح»، «نحو تحليل دراماتورجي» انتهاء، بكتابه «سيميائيات المسرح» 1 الصادر حديثا عن مطبعة النجاح الجديدة في 169 صفحة. ولعلها مسارات تستجيب لعدة مبادئ نجمل بعضها فيما يلي: - يعتبر الباحث أحمد بلخيري المسرح فن الخطاب، قائم على دعامتين. الأولى فنية تبتكر أدواتها اللازمة لتحقيق المتعة الفنية. وثانيها فكرية تنويرية تساهم في تقدم الوعي الإنساني - الأسس البنيوية الفنية التي يقوم عليها المسرح عربيا وعالميا تظل موحدة ومتشابهة - هناك اجتهاد نقدي وبحثي غير مسبوق في المغرب يرتكز على ضبط المصطلحات والمفاهيم والوضوح المنهجي. - الانشغال بالتحليل الداراماتورجي كهاجس نقدي. في كتابه «سيميائيات المسرح» يحدد الباحث أحمد بلخيري مدخلا لمقاربة موضوعه، هاجسه النظري تحليل المسرح تحليلا سيميائيا. ويورد الباحث المصطلح في صيغة الجمع وليس في صيغة المفرد لخصوصية الخطاب المسرحي الذي تتضافر في تشكيله عدة أنساق سيميائية والدال في العرض المسرحي متنوع. بعض فصول الكتاب تستند على مراجعات لكتب صدرت ترتبط بمضمون السياق المقترح. إذ تم تخصيص الدراسة الأولى في هذا الكتاب، في إطار التعريف بسيميائيات المسرح، لهذه السيميائيات مع التركيز على كتابي هاني أبي الحسن سلام «سيميولوجية المسرح بين النص والعرض» ومحمد العلا «اللغات الدرامية وظائفها وآليات اشتغالها». هذا الانفتاح على سيميائيات المسرح في نظر الباحث، ليس وليد اليوم. لذلك يعود الى رواد الانفتاح الثقافي على الصعيد العربي منذ القديم، هذا الى جانب موضوعات علاقة المسرح بالفلسفة والسياسة و»في النحل والانتحال والاستتحال». اشتمل الكتاب في قسمه الثاني، على تحليلين لنصين دراميين للكاتب المسرحي العراقي قاسم مطرود. كما اشتمل على حوارين الأول أجراه الصحفي المصري أحمد طايل، والثاني أجراه كاتب هذه السطور نشرته الوطن القطرية، وينتهي الكتاب بدراسة تحليلية لأطروحة الناقد سعيد يقطين من خلال مدخلي «الخطاب والنص». تسعى دراسة الباحث أحمد بلخيري الى التعريف بالسيميائيات المسرح وتقديم منظورين لها يخصان رائدين من روادها هما طاديوز كاوزان وباتريس بافيس، لإبراز استفادة البحث المسرحي العربي المعاصر من السيميولوجيا أو السيميائيات. إن مقاربة العرض المسرحي أعقد من مقاربة النص الدرامي لتعدد أنواع العلامات فيه. ويؤكد الباحث أحمد بلخيري أن وجوب أن تحل سيميائيات المسرح أسئلة تطبيقية أكثر من المشروعية الابستيمولوجية وهو ما سيمكننا في النهاية من تحليل وإدراك المنطق الداخلي للنص الدرامي وكذلك العرض المسرحي في أفق تأسيس علم المسرح في الثقافة العربية المعاصرة. إذ بإمكان السيميائيات دراسة وتحليل مختلف العلامات المسرحية. إن هذه الخلفية المنهجية هي التي ترسم خارطة الطريق للبحث المسرحي المنهجي وبإمكان سيميائيات المسرح أن تقدم الأدوات والمفاتيح لولوج عالم الدراما والمسرح من أجل الكشف عن منطقهما الداخلي وأسرارهما. عالم المسرح، عالم غني بالعلامات والدال فيه متنوع لذلك يتعين على التحليل أن يدرس مختلف الدوال، وهو ما تحرص عليه سيميائيات المسرح باعتبارها علما للعلامات المسرحية. هوامش: 1 «سيميائيات المسرح» أحمد بلخيري، مطبعة النجاح الجديدة الدارالبيضاء. ط1/2010.