فاجأني الصديق الناقد والكاتب بقوله: ما رأيك في هذه الكتابات الهزيلة التي تنشر وتعرض على الأرصفة وتحمل اسم الرواية؟ هل حقا تستحق أن تسمى روايات هذه الكتابات السخيفة؟؟ تفهمت مقصد الصديق وشرحته لنفسي على أكثر من معنى، ولم أشأ أن أخوض في نقاش ينبني على اختيار واحد أو يميل إلى قناعة نظرية واحدة في الرواية، واكتفيت بالقول ردا عليه مع شيء من التفكه: نحن في زمن الروايات لا زمن الرواية، زمن الروايات المغربية؟؟؟ واحتفظت لنفسي بما يدور في رأسي، ما دمت أعتقد بأن لكل كاتب وناقد الحق وكل الحق في أن يكون له رأي فيما ينشر، ورأي في ما يستطيع أن يقرأ، وليس غريبا ولا عبثا أن يعبر عن موقفه من الواقع الأدبي ولا الثقافي العام، بل إن التعبير عن الرأي هنا ضرورة، تندرج ضمن الوعي بالكتابة حين تعي الكتابة نفسها من خلال نقد الممارسة وتقويمها واقتراح البدائل وتجاوز النقائص. هذا ما يجعل بعض الأصدقاء من الكتاب والنقاد لا يتردد في إبداء انزعاجه مما يرى ويقرأ مثله مثل الذين عاندوا وصمدوا أمام كل المعوقات وأساليب النكران والعبث، واستمروا في مراودة الكتابة، وقدموا للقارئ المغربي والعربي أعمالا تستحق بعد القراءة كل القدير والاعتبار. لذا لا يجب أن نرى بعضهم يستخف مما تكتبه الأقلام الشابة، وبعضهم الآخر يحتج على شيوع الكتابة المتعجلة، أو يضيق صدره من كثرة الروايات الساذجة والمرتبكة التي لا تمتلك الشروط المطلوبة في كل عمل أدبي لغة وأسلوبا. بالطبع لكل صاحب رأي حجته التي تدعم رأيه، وكل حجة لا تصلح في الاستدلال إلا في سياق مشروط بغاية يمكن الاتفاق حولها وتعتبر ضرورية من أجل كشف حقيقة أو بناء مشروع ملح يخدم من يحتاج إليه في مجال الأدب والثقافة وفي الحياة عامة، إلا أن الأمر ينبغي أن يبقى في كل الأحوال رأيا بين آراء، لأن أي حجة في سياق الثقافة المغربية، لن تمتلك القوة اللازمة النافعة في الإقناع، وليس لها إلا التأثير السلبي، أي نشر الشك والإحباط، خاصة حين يتم تعميم الرأي بإعطائه قوة أحكام سلطة قيمية من لدن من يعتبر نفسه ناقدا كبيرا أو كاتبا معترفا به. إن أي حجة وإن وجدت أمثلة لا يمكن أن تصادر مبدأ الحرية، والكتابة تعبير عن الحرية أولا، والحرية مدخل التفرد والإبداع والمسؤولية؛ ولا يمكن مصادرتها ما لم تكن ضد الحرية نفسها. أو لاحقة وتابعة لغيرها؛ فالحرية في مجال الثقافة حرية تعبير لها مقاييس الثقافة والإبداع، لا تنضبط ولا تتحرك إلا ضمن سياق. وتتطلب الحرية ألا تكون بمقياس ثقافة على حساب ثقافة أخرى متحكمة بقوانينها وأوضاعها في ثقافة مغايرة وجيل مغاير. هنا يمكن أن تكون المقارنة مطلوبة لكنها لن تبرر رفع الاختلاف وتحطيم الحدود وتمييع القيم،، خصوصا إذا كانت المقارنة تنتهي إلى استخلاصات تؤكد الفروق والشروط وتقتضي الوعي بما يقابلها. نعم هناك جرأة لدى الكثيرين في كتابة الرواية وهناك الكثير من النصوص التي تظل فوق الأرصفة وهناك العديد من الروايات الضحلة المليئة بالأخطاء....... لكن ما المشكلة،؟ لا وجود للمشكلة أصلا، ومن حق الرواية أن تتلون وتختلف بحسب ميول الكتاب والقراء، من حق الباحثين عن المتعة والتسلية، من حق أنصاف المتعلمين والقراء البسطاء أن يقرؤوا؛ ومن حق الكاتب أن يكتب روايته، وكذا من حق النقاد والكتاب المتمرسين أن يدافعوا عن وجهات النظر التي يقتنعون بها، وليس هناك قانون في الثقافة يمنع أو يجبر أحدا في أمر لا يتوافق مع حريته وتكوينه ورغباته، ومجال الكتابة الأدبية عامة هو أنسب مجال للتعبير عن تاريخ الإنسان في تمسكه بالاختيارات المتاحة والمعايير والقيم الملائمة. وإذن لن يستطيع أحد أن يقرر ما هي الرواية المتعين كتابتها ومن هو الروائي الجدير بالتسمية. ألا يحسن أن ننظر هنا إلى الثقافات الأخرى؟ أليس الجواب هناك صريح وبسيط؟ ألا يوجد في الدول المتقدمة في مجال النشر (أوروبا وأمريكا) آلاف من كتاب الرواية؟ ألا ينشر في سنة واحدة في بلد كفرنسا ما يفوق ما نشر لدينا خلال نصف قرن؟؟ ألا يوجد هناك روائيون يكتبون ويكتبون أكثر مما كتبه كاتب ذو شأن عندنا ومع ذلك يجد أعماله تعاد إلى مصانع الورق من أجل طباعة كتب أخرى؟؟ ما المشكلة ؟؟ نعم هناك مشكلة لا تتعلق بالكتابة، ولا بالكتاب، ولكنها مرتبطة بالسياسة الثقافية. ومرتبطة بمؤسسات النشر، والمؤسسات الثقافية التي تنشط في الحقل الثقافي، وبما يجوز أن نعتبره مؤسسة النقد، حيث لا يوجد أي حوار جاد في الحقل الثقافي يتجادل ضمن شرط الحرية ويقترح ويدافع عن رأي، ويضع الاختيارات أمام الاختبار ولا يصادر أي اختيار. أما أن يضيق صدرنا ونترك الأهواء فقط تعبر عن حساسيات شخصية دون أن نرتقي إلى وضع الأسئلة وضعا معرفيا ونقديا وموضوعيا، فهذا لن يغير شيئا، بل يساعد على إشاعة الضحالة في الكتابة والنقد والمعرفة عامة،،،