يتبدى قلق الكتابة في المجموعة القصصية (ورثة الانتظار) للأديب عبد النور إدريس من خلال تلك الكيمياء السردية التي تجعل من كل نص نص بلورة بأوجه متعددة مفتوحة على آفاق محتملة وليس أفقا واحدا، ومن ثمة يصعب على أية مقاربة نقدية وهي تتدجج بأدواتها وإوالياتها المخصوصة أن تفتح أقفال المجموعة. إنها كتابة بعتاد صواريخ رمزية عابرة للأجناس... ففي خارطتها تتحايث القصيدة مع النص السردي المفتوح مع القصة بأقانيمها التقليدية، وبالتالي فإن أفق الانتظار يخيب لدى القارئ وهو يستند بلاوعي إلى علامة العتبة الأولى على ظهر الغلاف "مجموعة قصصية" ومع سيرورة فعل القراءة والسفر النابه في جسد المتن يتبدى بأن المجموعة القصصية تتزيى بتلاوين سردية ولغة تمتح من مختلف البهارات السردية.. فالنصوص تارة تنضح بماء الشعر وانسياباته وتتلفع بطراوة أفنانه وتارة تطرز بنسيج السرد القصصي المتحلل من كل المنمنمات الشعرية. تقع المجموعة القصصية (ورثة الانتظار) في 83 صفحة لملمت بين تلافيف دفتيها ستة عشر نصا قصصيا بتيمات تتراوح بين الإحباط والوجع وهموم الليل وثقوب الصباح والعهر وجراح السندباد بما يعني كل هذا أن المجموعة القصصية تتأطر ضمن أنطولوجيا القص الموشوم بزمن الانكسارات والخسارات الذي قد يمتد في زمن الحكي على مدى عقدين من المغامرة الكتابية التي تحتفي باليومي وتوثق لاعتمالات الذات المغتربة في صقيع الوطن.. صقيع المنفى الجغرافي والسيكولوجي... ولعل أهم ما يهيمن على بنية المتن ككل هو تيمة الانتظار.. انتظار الذي يأتي ولا يأتي.. انتظارقاتل.. فالكل ينتظر.. حيث تتوقف عقارب الزمن.. ويجف نهر الوقت.. ويصير الوطن أيضا جغرافيا كبيرة تنتظر.. ولم يأت إنتقاء هذا العنوان إعتباطا بل جاء مقتعدا على إشراع أفق إنتظار القارئ على إحتمالات واقع الإنتظار الذي لاينتهي.. إنتظار أقسى من انتظار غودو... وهكذا تتسع دائرة الانتظار لتبتلع شخوصا منغلقة كما لو أنها داخل كهف أسطوري في انتظار أن تنبلج صخرة الباب عن بصيص أمل. مع مجموعة (ورثة الانتظار) وديوان "تشظيات عشق رقمي" ودراساته الوازنة حول سوسيولوجيا الجسد الأنثوي يكون الأديب عبدالنور إدريس قد حدد ملامح مشروعه السردي الذي لا يهادن القارئ والذي لايأتمر بأوامر المكونات الجاهزة وقنوات الصرف السردي المألوفة بل إنها كتابة مختبرية.. كتابة مهووسة بالتجريب بما يؤثث بنياتها من أشكال سردية متعددة. إنها جنس الكتابة التي يسميها الكاتب العربي الكبير إدوارالخراط (الكتابة عبرالنوعية) وتحتفي المجموعة القصصية (ورثة الانتظار) بتيمة الجسد على إختلاف دلالاته وإيحاءاته وأبعاده الرمزية المتراوحة بين المتعة والألم والفضاءات التي تحتضنه ضمن سياقات نصية: من جسد منتفخ البطن يمشي في الشارع العام إلى الجسد الميت.. إلى سجن الجسد.. إنها لعبة الجسد الصامد.. الجسد المحتل.. الجسد الممزق لينثر ما بذاته.. جدارية الجسد.. الجسد في صوره المتعددة التي حفر فيها الكاتب عبدالنور إدريس إنطلاقا من أبحاث سوسيولوجية وفكرية عميقة خصوصا في جسد الأنثى ومختلف أشكال سجونه المادية والرمزية وليس بغريب على الناقد إن حققت هذه المجموعة القصصية حضورها المتميز ضمن أنطولوجيا الإبداع القصصي بالمغرب فعندما يصب نهر الجماليات ونهر المعرفة ونهر التجربة الصادقة فلا شك أن المصب سيأتي محيطا متلاطما بتلاوين كل هذه الأنهار وبالتالي ستأتي مجموعة (ورثة الانتظار) عبارة عن تشكيلة سردية لاتمنح نفسها بيسر من أجل الإنتشاء بلذة القراءة.