كيف يمكن أن تتحول المدرسة إلى فضاء لتنمية الفاعلية الإبداعية للتلميذ/الإنسان؟ كيف يمكن للقسم أن يعيد تشكيل ذاته وصورته وذلك بالانتقال من فضاء لتكريس الاجترار والتكرار إلى فضاء للتغيير والتغير؟ إنها إحدى الأسئلة التي نطرحها على أنفسنا كأساتذة ومسؤولين وربما كتلاميذ، وهي أسئلة تعكس هواجس تقلق كل من يهتم بالعملية التعليمية التعلمية، ويطمح أن تكون هذه العملية في أرقى صورتها وأحسنها، فأمام هذا التردي في المستوى الدراسي الراجع أساسا إلى عوامل متداخلة ومتشابكة تحاصر عالم المدرسة وتضع الحياة المدرسية كما هي قائمة حاليا موضع سؤال وتساؤل، أمام هذا الوضع من المفروض أن نتجند للتفكير في محاولة تجديد الوسائل والطرق التي تنهجها المدرسة في العملية التعليمية حتى تتمكن هذه المدرسة من استرجاع ما افتقدته من مكانة ومعنى في نظر التلاميذ وأوليائهم. ضمن هذا الإطار من الفهم يجيء كتاب الأستاذ والباحث والشاعر أحمد العمراوي حول " الكتابة الإبداعية والمتخيل الشعري للتلاميذ" . وهو كتاب يتكون من مقدمة، يليها ثمانية فصول على الشكل التالي: - أولا: المنطلقات - ثانيا: المحترفات الكتابية: نماذج وتطبيقات - ثالثا: فهمت أن...تأويل نصوص - رابعا: أتمم ما بدأت...تتمة قصة - خامسا: في يوم من الأيام: كتابة قصة - سادسا: بخط اليد - سابعا: يقول الشاعر: كتابة قصيدة - ثامنا شهادات ينطلق هذا الكتاب من تجارب ملموسة وحية حول كيفية إيقاظ الرغبة في الإبداع لدى التلاميذ، وتنشيط مخيلته بل وإيقاظ المبدع النائم في كل واحد فينا. لقد حاول الأستاذ أحمد العمراوي في هذا الكتاب توثيق تجربة غاية في الأهمية حاول من خلالها تنشيط العملية التعليمية وتمكين التلميذ من أن يكتشف في ذاته مواهبه الإبداعية الغافية. وقد انطلق لتحقيق هذه الغاية من تصور معين للممارسة اللغوية داخل القسم، فضدا على تصور للغة قائم في ذهن التلاميذ على أنها عالم يتميز بالجمود والتعقد، يقدم الباحث تصورا مغايرا من خلال ممارسته الفصلية يقوم على أن اللغة نشاط فردي مطبوع بالتلقائية والذاتية والإبداعية، ومن خلال الاعتماد على تصور بيداغوجي متمركز حول المتعلم يعمد الباحث إلى استثمار البعد الذاتي والتلقائي للغة وربطه بالحياة أي بكل ما تتضمنه هذه اللفظة من معنى، باعتبار أن الحياة هي النبض الذي يجعل التلميذ يتمثل ذاته ككائن حي، ويستطيع ملامسة الأشياء من حوله باعتبارها قريبة منه وترتبط بذاته، حتى النصوص التي يتم اختيارها عليها أن تكون نصوصا لمؤلفين يعاصروننا خصوصا الأدباء المغاربة( أحمد بوزفور، محمد بنيس، محمد بنطلحة.....) ويقترب معجمهم من معجم حياتنا ونشترك وإياهم في العديد من العناصر التي تقربنا منهم ومن لغتهم وخيالهم. و لتفجير الطاقة الإبداعية لدى التلاميذ اعتمد الباحث تقنية المحترفات الكتابية محددا لها مجموعة من الأهداف اللسانية والتربوية والتعبيرية، منطلقا من منهجية تجد إطارها المرجعي والنظري في نظرية التلقي وما يرتبط بها من مفاهيم مثل مفهوم فعل القراءة. لقد مكن هذا الإطار النظري الباحث من الدفع بالتلميذ إلى ممارسة فعل القراءة وما يرتبط به من بعد تأويلي يفجر الطاقة الذاتية والشخصية لديه ويلبي حاجياته النفسية والآنية إلى التواصل مع ذاته والعالم. إن هذه الوضعية التواصلية تحول التلميذ من كائن يتعامل بشكل سلبي مع العلامات اللغوية إلى كائن فاعل وإيجابي ينتج نصوصا وعلامات لغوية أخرى. وتتبنى هذه العملية مجموعة من الاستراتيجيات، مثل فصل النسخ عن التعبير، تعليم اللغة كمهارة لا كقواعد، احترام منطق القراءة لدى التلميذ، الوثوق بالتعلم التلقائي، ويضيف الكاتب إلى هذه الاستراتيجيات عناصر أخرى وقف عليها مثل: اعتبار التلميذ كاتبا صغيرا، الانطلاق من وضعية تعلمية، اعتماد نصوص معينة، عقد لقاءات مباشرة مع كتاب، ثم الكتابة اليومية. تلك بعض القضايا التي يحفل بها كتاب" الكتابة الإبداعية والمتخيل الشعري للتلاميذ" وهو كتاب يمكن اعتباره دليلا للورشات والمحترفات الكتابية، إنه نتاج خبرة فصلية راكمها الأستاذ الشاعر أحمد العمراوي، وعمل على تجميعها وتوثيقها بل وخلق نوع من الأرشيف حول هذا النوع من الممارسة حتى تشكل أرضية ومنطلقا لتطوير مثل هذه العملية، وكم نحن في أمس الحاجة إليها حتى نسترشد بمعالمها، ونعمل على تغيير طرائقنا التعليمية، من خلال بعث الحياة داخل أوصال العملية التدريسية وخلق نوع من المصالحة بيننا وبين تلاميذنا وتلميذاتنا.