فجأة تأتي أسراب الجراد لتغطي الحقول وفوق الأشجار، تنعم بأكل الأخضر و اليابس و تزيد من فقرنا المدقع ثم تنسحب في سلام. لكن لكل حرب خسائرها، فسكان قريتنا لا يتركون الجراد دون قصاص، بل يتبعونه لاقتناصه و أكله. في ذلك اليوم، عبست السماء و اكفهرت و رحنا ننتظر بكاءها في سعادة، و أنا أرعى الأغنام في النجد أعلى بيتنا، تظللت السماء، رفعت عيني فرأيت شيئا عجيبا، ملايين من الطيور، لا ليست طيورا بل هي حشرات طائرة. رحت أجري إلى البيت كالمخبول، وذلك للإنذار أو البشرى، وكان أن قال أبي: -" تفو أوراد تاويت كرا لخبار عدلينن" أنت مصدر شؤم، لم تبشرنا قط إلا بالمصائب. لم أفهم شيئا فعدت إلى الرعي. في مساء الغد، أصبحت الحقول الخضراء نصف خضراء، و أشجار الأركان دون أوراق وحتى الصبار لم يسلم من قضم تلك الوحوش الصغيرة. استعد الكل للخروج، لم أعرف إلى أين. بكيت ليرافقوني، رفضوا فتعنتت و أصررت ملتصقا بأمي أجر لحافها، قبلوا على مضض. أخذوا الأغطية المصنوعة من الصوف و المسماة عندنا "إفوڭا" و تسلحوا بالملاحف ضد خصم يضعف كثيرا بالليل. مشينا طويلا ندهس النباتات، و بين الفينة و الأخرى أتعثر في حجر أو عود أو نبات يسمى "تيكوت" فأنكفئ على وجهي ثم أنهض مثابرا دون شكوى. رفعتنا نجاد وأنزلتنا وهاد ثم ما لبثنا أن وصلنا للهدف. عدونا استسلم للنوم، ولكن أ ينام مخلوق و أرجله للسماء ؟ مرة أخرى لم أفهم، راح الكل يطوح الأغطية والملاحف على الحشرات، يجمعونها في ثبات و أنا أرمق المشاهد وأسجلها للحظة مثل هذه. عدنا و أسئلتي لأمي لا تنقضي، و إجاباتها أبدا لا ترضي، والناس من حولنا يتكلمون و بالذات عن الجراد. إذن فهذه الحشرات اسمها الجراد؟ أجابتني أمي بنعم ثم زمت شفتيها فالنساء أمام الرجال لا ينطقن، هذا ما قالته مشيرة إلى ثلة الرجال. وصلنا إلى الدوار والتحق كل إلى بيوتهم محملون بغنائمهم يمنون على أنفسهم بها. في البيت قامت أمي بطهي الحشرات ولحظتهم يأكلونها في نهم منقطع النظير، ومرة أخرى استغلق علي الفهم، أنأكل الحشرات؟ قالت أمي إنه حلال، أزل رأسه و أرجله ثم كل بعد أن تسمي الله. امتثلت، وجدت في الحشرات لذة لا تقاوم، أكلت بعدها بشناعة حتى انتفخ بطني بالحشرات. لكن هيهات أن تدوم حال، فقد انقلب الوضع و انتهى المقال، ففي منتصف الليلة شعرت بالغثيان فخرجت أتلكأ لأستنشق بعض الهواء فغلب علي الأمر فتقيأت، وراح رأسي يدور ثم بدأت بطني و أمعائي تتقطع ألما، التفتت حولي فوجدت أبي يفرغ ما في جوفه، إذن فهو أيضا لم يستسغ، حرت في الأمر، قال لأمي: -لقد أصبنا بتسمم، أكلنا المبيد في الجراد..