وزير خارجية جمهورية الرأس الأخضر يجدد تأكيد التزام بلاده بتوطيد العلاقات مع المغرب وتطوير شراكة استراتيجية    تأسيس جمعية للتضامن المهني بالشمال عقب حرائق الأسواق وانقلاب شاحنات الخضر    محمد بنشعبون رئيسا لمجلس الإدارة الجماعية لاتصالات المغرب خلفا لعبد السلام أحيزون    مولودية تيزنيت لكرة الطائرة سيدات يُواصل التألق تحت قيادة فؤاد حداد    السياقة الاستعراضية بطنجة تقود سائق ميرسديس للتوقيف    نزار بركة يتفقد مشاريع تحلية المياه وتدبير الفرشة المائية بالحسيمة    بوريطة: محاولة دخول برلمانيين أوروبيين للعيون غير قانونية هي محاولة تشويش ليس لها أي تأثير    من "مول الحوت" إلى البرلمان.. أسعار السمك تعيد النقاش حول الاحتكار والوسطاء    تأييدا لمغربية الصحراء .. جيرارد يعلن عن توجه فرنسي لفتح قنصلية في العيون    دلالات التطرف الرقمي في تغطية الفعل الارهابي    الأخضر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    بعد بيعه بأسعار رخيصة.. سلطات مراكش تغلق محل "مول الحوت عبد الإله" لبيع السمك    لقاء دراسي بالناظور يناقش تعزيز حقوق الإنسان و النهوض بها    الملك يبعث تهنئة إلى أمير الكويت    أمن العرائش يمسك بتاجر مخدرات    "خلطات تسمين" توقف 3 أفراد    إطلاق رقمنة الدفتر الصحي للطفل    حفل نسائي يحيي طقوس "شعبانة" المغربية في ستوكهولم    المعرض الدولي للفلاحة بباريس.. تعزيز التبادلات التجارية محور مباحثات البواري مع الوزير الفرنسي للتجارة الخارجية    رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي في جولة ميدانية بالعيون في الصحراء المغربية    دراما وكوميديا وبرامج ثقافية.. "تمازيغت" تكشف عن شبكتها الرمضانية    فتح باب الترشح لجائزة المغرب للشباب في دورتها الثانية    السلفادور تجدد تأكيد دعمها لوحدة المغرب الترابية وسيادته على صحرائه    محكمة الاستئناف بتطوان تخفف عقوبة خمسة طلاب مدانين بأعمال عنف    اختتام المحطة الثانية من الدورة التكوينية للمدربين والمدربين المساعدين بكل من مدينتي الرباط والدارالبيضاء    فرنسا تمهد لمعاقبة نظام الجزائر وتتوعدها بإجراءات انتقامية في نظام التأشيرات    توقيف خمسة أشخاص يشتبه تورطهم في العنف المرتبط بالشغب الرياضي    ندوة بالمدرسة الوطنية للتجارة والتسيير بطنجة حول دور المقاولات الاجتماعية والخضراء في التنمية المستدامة    مدرب رينجرز الجديد: "عصام الشرعي لديه أخلاقيات عمل جيدة وهذا أمر مهم بالنسبة لي"    رينجرز يعين باري فيرغسون مدربا مؤقتا حتى نهاية الموسم    في حلقة جديدة من برنامج "مدارات" بالإذاعة الوطنية: نظرات حول الهوية اللغوية والثقافية للمغرب    قائمة منتخب المغرب في مواجهة النيجر وتنزانيا تعاني من نزيف الإصابات    أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء: أمطار متفرقة وأجواء باردة نسبيًا    حسنية أكادير تنفي أخبارا حول ميزانية النادي ومدربه    برشلونة يُخطط لتمديد التعاقد مع فليك    ابتكار زراعي في الصين: صنف جديد من بذور اللفت يضاعف الإنتاجية ويرفع نسبة الزيت إلى مستويات قياسية    وصفها بالإيجابية.. ترامب يعلن إجراء مباحثات "جدية" مع بوتين لإنهاء حرب أوكرانيا    مهمة علمية جديدة تبحث عن مواقع المياه على سطح القمر    "ألبوم صامت" ينبه لقلق الموسيقيين من الذكاء الاصطناعي    السيسي: نرفض تهجير الفلسطينيين وتهديد الأمن القومي لدول المنطقة    الوقاية من نزلات البرد ترتبط بالنوم سبع ساعات في الليل    الشرع يشدد على وحدة سوريا و"احتكار" السلاح بيد الدولة في افتتاح مؤتمر الحوار الوطني    دراسة: المريخ كان يضم شواطئ ومحيطات بأمواج ورياح    حدث فلكي.. اصطفاف 7 كواكب في السماء هذا الأسبوع    تلاميذ طنجة أصيلة يتألقون في البطولة العربية لألعاب الرياضيات والمنطق ويحصدون ميداليتين ذهبيتين    دراسة.. ارتفاع معدلات الإصابة بجرثومة المعدة لدى الأطفال بجهة الشرق    الدار البيضاء.. الأوركسترا السيمفونية الملكية تحتفي بالفنان الأمريكي فرانك سيناترا    سفير اسبانيا .. مدينة الصويرة تلعب دورا محوريا في تعزيز الروابط الثقافية بين المغرب واسبانيا    دراسة تكشف عن ارتفاع إصابة الأطفال بجرثومة المعدة في جهة الشرق بالمغرب    "كابتن أميركا" يواصل تصدّر شباك التذاكر في أمريكا الشمالية    مناقشة أول أطروحة تتناول موضوع عقلنة التعددية الحزبية في المغرب بجامعة شعيب الدكالي    المغربي أحمد زينون.. "صانع الأمل العربي" في نسختها الخامسة بفضل رسالته الإنسانية المُلهمة    فقدان الشهية.. اضطراب خطير وتأثيره على الإدراك العاطفي    رمضان 2025.. كم ساعة سيصوم المغاربة هذا العام؟    اللجنة الملكية للحج تتخذ هذا القرار بخصوص الموسم الجديد    أزيد من 6 ملاين سنتيم.. وزارة الأوقاف تكشف التكلفة الرسمية للحج    الأمير رحيم الحسيني يتولى الإمامة الإسماعيلية الخمسين بعد وفاة والده: ماذا تعرف عن "طائفة الحشاشين" وجذورها؟    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لحظة قرار
نشر في طنجة الأدبية يوم 03 - 05 - 2008

طرد نفسه من مكتبه بكل غضب. كل قضايا موكليه جاهزة للمرافعة. انسل حائرا من أمام السكرتيرة الحسناء وهي ترقن بحماس على الحاسوب مذكرات المساء التي سترسل إلى المحكمة. عرف أن خطواته تقودانه إلى المقهى لشرب فنجان يساعد على تذويب حيرته. عرج على الكشك وخطف جريدة الصباح.
جلس شاردا في تحلل قطعتي السكر. فتح الجريدة. وجد في صفحة الاقتصاد مقالا فيه تحليل ورأي وإحصاء. في الإحصاء رقم الأطر التي هاجرت وولت ظهرها للبلد. الرقم في تزايد مطرد. يكبر الرقم ويتعاظم الإحساس فيه بالتردد والعجز على اتخاذ القرار. هجرة الكفاءات نوع آخر من الهجرة المنظمة. يختم صاحب المقال. بمعنى بسيط هو نوع من تهريب البشر. هذا ما استخلصه وهو جالس أمام وكيل مكتب الهجرة. ما زال يتذكره وهو يرسم له أحلاما وردية هناك ويبشره بالمستقبل الزاهر. يصنع له واقعا افتراضيا، يريده أن يصنع حياة مفصلة على مقاس واحد للجميع في مكان يجهله وزمان لا يملكه. يبيعه الوهم، فهل يشتري؟
لم يقدر على الإجابة، فطوى الصفحة ثم لم َّ فكرته المشتتة. تجميعها يعني التنفيذ والتنفيذ يبغي الإرادة وإرادته عاجزة ومترددة. يتذكر كلمة المتردد. هذا ما نعتته به قبل أن يتزوجها. فهل يثبت لها العكس ويأخذها بين ذراعيه في هجرته لكي يختصر الزمن المتبقي؟ "الغربة هي خيانة مقصودة للذات"، يتذكر حواره معها حول الإنسان والتغيير ومن الذي بصنع الآخر. تتناسل الأسئلة ويعدَم الجواب، وتحضر الحيرة ويغيب القرار. يستجمع بقايا قواه ويجمع الجريدة. النادل تمنى له نهارا طيبا. بدت له هذه الأمنية مستحيلة وهو عائد أدراجه إلى المكتب لينهي ما تبقى من ملفات الصباح ويستقبل زبناء جدد. ليس في رأسه المنهك بالحيرة والقلق مجال لسماع قضايا الآخرين. المطلوب منه إيجاد الحل. لكن قضيته لا تحتاج إلى حل، محتاجة فقط لنفس شرهة وجسد نهم يريد أن يقتص من الحياة بأي شكل ولو لم يكن في موقع المعتدى عليه. انتفض من كرسيه الجلدي وكأنه يرفض أن يكون في موقع المظلومين.
الإحساس بالضعف شيء رهيب وشلل الإرادة تزيده مرارة. هكذا صرح لها وهما يتناولان طعام الغذاء بفتور بارد. "لست مستعدة للتضحية بمستقبل ابنتنا". مجرد جملة سقطت عليه كمقصلة أخرست الجزء الباقي القادر على التفكير وأعطبت مسار اللقمة في فمه. حول نظره إلى التلفاز هاربا من مواجهة فكرية محتملة لم يعد مستعدا له. انغرس بصره في المشهد: "ستذهب إلى هناك كزائر منتصف الليل، ثقيل ومزعج. اذهب إلى حيث تتوقف حياتك، إلى حيث يجمد فيك الإحساس بالانتماء. لن تنعم بالدفء هناك، في ذلك البلد البارد. تغر َّب لكي يشهد البحر الذي ستقطعه على فشلك الواضح في صنع مجد خاص بك في مكانك وزمنك". استفزه المشهد واستلقى بكسل على ظهر الكنبة قبل أن ينثر سترته ويسحب الباب بعنف القلق الذي يغلي بداخله، تاركا الحرية لهواجسه للتعبير عن نفسها.
لم يجد نفسه التائهة بالمكتب. جسد حاضر وذهن غائب، يصنع القصور ويهدمها، يخلق المشاكل ويقترح الحلول، يقيم التكهنات ويرجح الاحتمالات على حياة لا يملكها ويريد أن يصنعها في أرض لا يعرفها إلا على الخريطة. قلقه مرتبط بالخوف: الخوف من الفشل ومن الإخفاق في أن يثبت لنفسه على الأقل أنه نجح في مكان ما واستطاع أن يحفر الصخر ويجابه الصعاب لكي يفرض نفسه على الآخر في بلده. يتساءل بسخرية: "وهل الآخر في حاجة لأن تبرهن له عن جدارتك؟"
تراوده الأحلام وتتقاذفه الأوهام وتحمله رجليه إلى خارج المكتب باحثا عن هواء يوسع قفصه الصدري الذي ضاق بالحيرة. يهرب وحيدا إلى حيث لا يعرف، يهرب من أصدقائه لعدم قدرتهم على اتخاذ القرار مكانه، يتحاشى نقاشه معهم بخصوص موضوع هجرته وترك البلد مادام ليس سيد القرار وما داموا غير مستعدين لمناقشة عقد سعادة مع الحياة لعدم وضوح شروط المستقبل كوضوح هذا الشارع الذي حفظه عن ظهر قلب، ألف الناس وآلفوه وسيفقد الحي بهجته كما فقدها بغياب صديق طفولته الذي حسم الأمر وسافر. ترى، كما يلزمه إذا ما هاجر من الوقت لكي يخلق الأنس وينعم بالألفة؟ سيذهب ليختصر الوقت ويلخص الزمن. فما قيمة ما سيتبقى؟ لم يبق منه سوى جسد منهوك وأنف يزفر الغضب والحسرة.
دلف الباب وألقى تحية المساء عليها بالمطبخ دون كبير اهتمام. رمى بالسترة واتجه إلى الحاسوب بإهمال يتفحص بعينين ناعستين رسالة وصلت البارحة من صديق الطفولة: "ابق هناك. الغربة انتحار هادئ. فرق بين الوهم وما نريد أن نقنع أنفسنا به. تحياتي". قام منتفضا من الكرسي وأطفأ الحاسوب بغضب بارد مصحوب بتنهد اليائس من شيء ما. أدرك بأنه يتخبط في الحيرة ولا يقدر على الحسم. استلقى على ظهره وأغمض عينيه باحثا عن راحة يعرف مسبقا أنه ليس ببالغها. تتناسل الأسئلة في صمت، يتساءل ويتساءل ولا يجد جوابا على سؤاله المؤرق: هل يطرد نفسه طواعية من البلد ويراهن على هوية أسرته؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.