*** لقد تمكنت اللغة العربية عبر تاريخها الطويل، من انتزاع شهادات اعتراف و تنويه و إشادة من خصومها قبل أبنائها و محبيها، رغم أنها لم تكن قط، في حاجة إلى هذه الشهادة أو تلك، مادام الله عز و جل شرفها بجعلها وعاء لكلامه المقدس " القرآن الكريم ".. لكن ما يحز في النفس، و يلهب الدمع، و يثير الاستنكار، هو أن يتصدر أبناء هذه اللغة الساحرة صف الطاعنين في شرفها و عزتها و أصالتها. لكن من حكمته سبحانه و تعالى أن قيض لها مدافعين من صلب أعدائها، و سخر أقلام العديد من المستشرقين للذود عنها، و الإشادة بقدراتها و مكوناتها و خصوصياتها الصوتية و التعبيرية و الشعورية.. و هنا يجمل بي أن أعرض على القارئ الكريم بعض النصوص الدالة و القوية، لمستشرقين لم يكونوا يحملون أدنى ود للعرب، و لا لللإسلام، و لا للقرآن الحكيم، و لكنهم لم يترددوا – مع ذلك - في قول الحق، و في الإدلاء بمواقف علمية عن اللغة العربية التي يهاجمها - اليوم كما بالأمس- بعض من أبناء لسانها الفصيح. يقول المستشرق الفرنسي جيوم بوستيل ( القرن 16 م ) عن اللغة العربية " إنها تفيد بوصفها لغة عالمية في التعامل مع المغاربة و المصريين و السوريين و الأتراك و الهنود، و تحتوي على أدب ثري، و من يجدها يستطيع أن يطعن كل أعداء العقيدة النصرانية بسيف الكتاب المقدس، و أن ينقضهم بمعتقداتهم التي يعتقدونها، و عن طريق معرفة لغة واحدة – العربية – يستطيع المرء أن يتعامل مع العالم كله ". إن المتأمل في هذا النص البليغ، و يضعه بالتالي في سياقه التاريخي و الحضاري، سيقف لا محالة على جملة من الحقائق المذهلة، أولها أن جيوم بوستيل يربط معرفة اللغة العربية بهدف معرفة العقيدة الإسلامية و الإلمام بها، و بالقدرة على نقضها، و الطعن في كتابها المقدس، و ثانيهما أن اللغة العربية كانت خلال هذا القرن، وسيلة أساسية و ضرورية للتعامل مع المغاربة و المصريين و الأتراك و الهنود، و ثالثها أنها كانت لغة عالمية، فمن تمكن من ناصيتها استطاع أن يتعامل مع العالم كله.. و من ثمة ما أشبه واقع اللغة الإنجليزية اليوم باللغة العربية البارحة. و يقول أرنست رينان المستشرق الفرنسي الآخر ( القرن 19 م ) و المعروف بتعصبه ضد العرب و الشرق و الدين الإسلامي " من أغرب المدهشات أن تنبت تلك اللغة القوية – العربية – و تصل إلى درجة الكمال وسط الصحاري، و عند أمة من الرحل، تلك اللغة التي فاقت أخواتها بكثرة مفرداتها و دقة معانيها، و حسن نظام مبانيها، و لقد كانت هذه اللغة مجهولة من الأمم، و لكنها من يوم علمت، ظهرت في حلل الكمال، و إلى درجة أنها لم تتغير أي تغير يذكر، و حتى إنها لم تعرف لها في كل أطوار حياتها طفولة و لا شيخوخة، و لا نكاد نعلم من شأنها إلا فتوحاتها و انتصاراتها التي لا تبارى، و لا نعلم شبها لهذه اللغة التي ظهرت للباحثين كاملة من غير تدرج، و بقيت حافظة لكيانها من كل شائبة ".. ألا ترون أن هذا النص الاستشراقي أكبر من أي تعليق ؟ ألا يكفي أن نتأمله و نستخلص منه الذهب و الفضة و الحجر الكريم ؟. إن اللغة العربية حسب رينان هي لغة وصلت حد الكمال، بحيث لم تتغير و لم تعرف طفولة أو شيخوخة، كما أنها فاقت أخواتها، و حافظت بالتالي على كيانها من أي شائبة.. آه ما أنصفه هذا الرجل. و أختم مقالي هذا بقول المستشرق النمساوي أرنيه أمبروز ( القرن 20 ) " اللغة العربية هي أهم اللغات السامية، و أغناها آدابا، و أجملها ".