البرلمان الأذربيجاني يصادق على اتفاقية التعاون العسكري مع المغرب    احتجاج يرفض تمرير الحكومة "قانون الإضراب" ويتشبث ب"الترافع الميداني"    المغرب يستقطب 2 مليون سائح إسباني.. وجهة بديلة عن السفر الداخلي    ارتفاع حصيلة ضحايا حادث تحطم طائرة في كوريا إلى 174 قتيلا    المغرب التطواني ينهزم في آسفي    شخصيات بارزة وجمهور شغوف يحيون ليالي الجاز في دار الصويري    2024 سنة تأكيد تفوق كرة القدم الوطنية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين    سكوري: الحكومة سطرت خطة جديدة في مجال التشغيل للقضاء على البطالة    موجة برد وزخات قوية تستمر 3 أيام في المغرب    ما الفرق بين قاعدة الولد للفراش والخبرة الجينية !!!    إقالة المدربين الأجانب هل تؤثر على أداء أندية القسم الاحترافي    لجنة الانضباط في الكاف تغرم نادي الجيش الملكي 15,000 دولار أمريكي    مستشار رئيس حكومة القبائل يكتب عن التحرر من قيود النظام الجزائري    الصحة العالمية تكشف سر المرض الغامض في الكونغو    محمد أوشن يناقش أطروحة الدكتوراه في التاريخ المعاصر    مهاجرون ينجحون في الوصول إلى إسبانيا انطلاقا من ساحل الحسيمة    يواجه إسرائيل بردائه الأبيض.. حسام أبو صفية طبيب بغزة "ما هزّته دولة نووية"    تقرير دولي: الجزائر وتونس في مواجهة تحديات أزمة الجوع    دراسة حديثة تظهر وجود تريليونات الأطنان من الهيدروجين تحت سطح الأرض    ما حقيقة استفادة الستريمر إلياس المالكي من تخفيف الحكم؟    دراسة: اكتشاف طفرة جينية قد تساعد على إبطاء نمو أنواع من السرطان    الولايات المتحدة.. تحور فيروس إنفلونزا الطيور يثير قلقا علميا    جهود متواصلة لقطر سفينة بحرية مغربية جانحة بين الصخور قبالة الناظور    بلجيكا تحظر بيع السجائر الإلكترونية اعتبارا من الشهر المقبل    تحسن الليرة السورية مقابل الدولار    مندوبية التخطيط تتمسك بنسبة الأمازيغية وتوضح اختلافات معدل البطالة    نسبة ملء سدود المغرب تصل إلى 28 % وسط تحذيرات من أزمة فلاحية    انطلاق فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان "بويا" النسائي الدولي للموسيقى في الحسيمة    وفاة رضيع خامس بالبرد في قطاع غزة    مدينة الفنيدق تحتضن منافسات كأس العرش للفول كونتاكت لمنتخبات العصب    خلال يوم واحد.. 3 حوادث طيران في كوريا والنرويج وكندا    أرضية ملعب العربي الزاولي تُعقد مهمة الرجاء أمام صن داونز    مقتل صحافية فلسطينية بنيران صديقة    مجلة إسبانية: المغرب في طريق ليصبح 'وادي سيليكون فالي' المستقبل    قيادي انفصالي يدعو لاحتلال موريتانيا ويتنبأ بتقسيم الجزائر    في الذكرى الرابعة للقرار الأمريكي لاعتراف واشنطن بمغربية الصحراء :    غانا تعزز الشراكة مع المغرب بإلغاء تأشيرات الدخول    في مؤلف حديث.. صحفيون يروون ما لم يُرْوَ في تغطية زلزال الحوز    أبطال الكيك بوكسينغ والمواي طاي المغاربة يبصمون على موسم جيد خلال سنة 2024    ماكرون يدعو إلى وقف دائم لإطلاق النار بغزة    الولايات المتحدة.. إلغاء أو تأخير آلاف الرحلات الجوية جراء سوء الأحوال الجوية    انتشار "بوحمرون" بإقليم شفشاون يدق ناقوس الخطر ومطالب عاجلة على طاولة الوزير    تحولات جوهرية في قطاع التكنولوجيا المالية خلال سنة 2024    رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو سيخضع لعملية جراحية لاستئصال البروستاتا    لقاء يجمع عامل إقليم الحسيمة مع ممثلي قطاع الطاكسيات    الترتيب ونتائج البطولة الاحترافية الدورة ال16    بحضور أزولاي.. لقاء ثقافي بالصويرة يبرز أهمية المكان في تشكيل الهوية    حجم تدخلات بنك المغرب بلغت 147,5 مليار درهم في المتوسط اليومي خلال أسبوع    عائلة أوليفيا هاسي تنعى نجمة فيلم "روميو وجولييت"    دراسة: أمراض القلب تزيد من خطر اضطراب الخلايا العصبية    مبادرة مدنية للترافع على التراث الثقافي في لقاءات مع الفرق والمجموعة النيابية بمجلس النواب    وفاة زوج الفنانة المصرية نشوى مصطفى وهي تناشد جمهورها "أبوس إيديكم عايزة ناس كتير تيجي للصلاة عليه"    الثورة السورية والحكم العطائية..    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأجنحة الصغيرة في "أجنحة صغيرة" 1
بين رمزيتي الطفولة والعجز


لماذا لا تطير وكل هذه الأجنحة في رأسك عزيز أزغاي
يستوقفك الاسم والشخص، قبل الإبداع، ليعطياك معا إضاءات تستطيع بها استكشاف بعض عالم القاصة المغربية سمية البوغافرية الإبداعي، من خلال مجموعتها القصصية "أجنحة صغيرة".
يغيب شخص الكاتبة كضمير للمؤنث، ليحل محله ضمير المذكر إما متكلما أو متكلما عنه. وتخفي الكاتبة عاطفة الأمومة، وهي تحاول جاهدة الاختباء خلف متارس جذورها الصلبة الممتدة حتى محمد بن عبد الكريم الخطابي في الشمال، وبوغافر في الجنوب، لتطفو العاطفة طفو الزيت، وتنساب بلا صوت، إلا ذلك الصوت المزمجر للواقع الذي تلحته الكاتبة، فيخرج إما رصاصا (في جسد فلسطين) أو دما (من جسد فلسطين) أو شيئا آخر تفوح رائحته (حول فلسطين)، أو صوتا مكتوما مثل حفيف أجنحة تحلم بالتحليق، فتنتهي على فراش النوم محلقة أو على رمال الضفاف الأخرى، أو فريسة الانحراف.
تكاد تشاهد عبر شفيف الحبر الصلابة، على مستوى التيمات وعلى مستوى اللغة (المعجم).
تقف الكاتبة أمام قصص اختارت موضوعها كما تختار الأرض الصلبة، تتابعها وهي تضع المفردات، مفردة تلو أخرى، وكأنك أمام لبنات شذبت بعناية، لا تخدش حاملها ولا المستظل بظلها، ورغم التشذيب الذي مارسته عليها، تبدو مادة صنعها طبيعية وغير متكلفة.
تحيل الأجنحة على الصغر (الطفولة)، كما تحيل على الضعف (العجز)، ومنه يمكن تقسيم المجموعة إلى قسمين متقاطعين أحيانا:
- قسم يتخذ الأجنحة الصغيرة رمزا للطفولة.
- قسم ترمز فيه الأجنحة إلى العجز، الضعف الانسحاق.
تتنوع أحلام الطفولة، وتنتقل بنا الكاتبة بين حلم كبير، لم يتحقق، وحلم صغير ينكفئ على حرمان كبير.
تستهل المجموعة بقصة "أجنحة صغيرة" التي اختارت القاصة أن يكون عنوانها عتبة كبرى للدخول إلى المتن. تتجرد الطفولة في المجموعة من طفولتها، ومن براءتها أحيانا، لتتلفع برداءات تمكنها من الطيران، أو على الأقل الحلم بالطيران. "أخيرا.. سأنهي الصراع بين وأبي" ص 7، كما نقرأ في أول جملة من القصة. الحلقة الواصلة بين جيلين، هي أجنحة صغيرة. يسعى الطفل "جواد" إلى التقريب بين أفكار جده الموغلة في الزهد والتزمت، وبين أفكار الأب المنفتح حد الانحلال. وتطرح بذلك صراع الأجيال والتجاذب الذي عادة ما يميز بعض الأسر التي ينتقل أفرادها مهاجرين إما هجرة داخلية أو خارجية، والتصادم الذي يقع ضحيته الأطفال الذين يختارون في آخر المطاف التحليق بأجنحة، إما من صنع الخيال "سوبر مان"، ص 11، أو من صنع المخدرات في أحيان أخرى قصة أقواس ص 83.
تعكس قصة "رجل البيت والحارة" ص 13، فقرا وحرمانا توازيهما أمانة الطفل. ينتظر الطفل قدوم خاله من المهجر ليشربه مشروبا ظل طيلة مدة غياب الخال يسيل لعابه، دون أن يتطاول على مال أمه وهي "تسخره" لشراء حاجيات البيت، أو حتى أن يفكر في التحايل ليدخر ثمن المشروب الغازي. ويطرح هنا سؤال التربية، الذي تستلزمه العملية التعليمية.
وإذا ما توسعنا في قراءة هذه القصة، فستفتح باب السؤال عن الإغراء الخفي الذي يبثه الوافد (الغازي) في نفس الطفل. فالأب مغترب والخال مغترب، والأعمام رحلوا إلى الآخرة (ربما حسرة). ويصور المشروب الغازي بقوة الاشتقاق الغازي القادم على شكل سائل يسيل لعاب الطفل، ويدفعه ليمتطي الغرق فيه، أملا في الظفر بنشوة ظَلَّ وصالها في مخيلته مقياسا للرجولة. يكاد الطفل يغرق (يهلك)، في قنينات المشروب الغازي، أمام ضحكات الخال، الذي عاد من غربة في ديار الغازي.
تكبر الأجنحة الصغيرة، وتطير برفاق درب الحلم نحو ضفاف المجهول المعلوم، وكأنه ذلك الحلم بالمشروب الغازي نفسه، تحول إلى اشتهاء مشروب أكثر فورانا، إلى الدم، دم القائد الذي يختار في كل مرة "ضحية" لتخفيف حمولة القارب. لم يتبادر إلى ذهن (الحراك) أن يكون هو نفسه العبء الأكبر على القارب، وأن يمتزج دمه بملوحة البحر، في رحلة تحقيق حلم الهجرة واستعذاب الملح الذي راود الطفل سلفا، يراود بطل القصة وراويها. تحيل قصة "لا أحد يولد مصاص دماء" ص 19 على أجنحة صغيرة تبوح بعجز ولدته البطالة ومعاناة الهجرة السرية وهوان الناس على الناس. هي لحظة تصور عبورا محفوفا بالدم نحو ضفاف مجهولة. ويبقى العطش مستمرا.
بينما يخطف قلب البطل في بداية القصة "أين قلبي؟ متى ضاع مني؟" ص 19، نجده يستعيد نبضه بملامسة الرمال "سرت في كياني الجامد المتجمد رعشة الحياة فانهمرت عيناي تستقبلان نبضا خافتا يخفق بين حنايا أضلعي" ص 22. يتأكد أن الصراع من أجل الهجرة ومجابهة الموت لم يكن لخصاصة، وإنما كان لهدف الانتقام: "وكنت لا أرى في عبوري إليها غير جسر الانتقام لجدي" ص 21. الانتقام ممن؟ من الأب الذي انحل، ونعود إلى قصة "أجنحة صغيرة"، أم من المشروب الغازي، في قصة "رجل البيت والحارة"؟.
حين تحاول الكاتبة النأي عن مرحلة الطفولة من عمر الإنسان، التي تشكل مادتها الخام ومستهدفها في الآن ذاته، فإنها داخل وعيها "اللامرئي" تستحضر عالم الطفولة، وإن باستخدام بعض المنتوجات الموجهة إلى الطفولة خاصة من قبل الإعلام. فهي تستحضر في قصة "عندما تعمل العيون الخفية" شخصية "الكابتن ماجد" الكرتونية. وإن تباعد مجال ممارسة البطلين وعمرهما، فإن السعي نحو البطولة والريادة وتسجيل الأهداف وتحقيق أحلام ظل السمة الأساسية لماجد الشرطي، الحالم بضبط المخالفات وتسجيلها.
تبتدئ هذه القصة بأجنحة كبيرة أوصلت البطل مقصوص الجناحين إلى مبتغاه. المبتغى الذي كان مستحيل التحقق "من كان يصدق أن صاحب سوابق مثلي سيعين شرطيا.." ص 23. تحقق الجناحان، فانفتحت معهما شهية جوانب البطل لمزيد من الأجنحة، ولما جف ريشه، صار متعطشا لمزيد من الدم: "ومن دمهم سأحيا حياة البذخ والترف.." ص 23. يصير الحلم كابوسا، وكأن الكاتبة تقر بتغييرات، مفادها أن السلطة لم تعد مطلقة، وأن السلطة لم تعد تتيح فعل كل شيء، وأن فوق كل ذي سلطة سلطة قد تكون خفية، وأنها لم تعد ذلك الجهاز الذي يسأل ولا يسأل. هي قصة ترصد الجشع الذي تولده السلطة لدى البعض لامتصاص دماء الآخرين إما باستغلال القانون أو بخرقه "علي أن أتقن فنون التخطيء والحساب.." ص 23، وبالتهافت على الكسب واعتباره أمرا مشروعا. ثم إنها، بهذا، تسلط الضوء على داء الرشوة، ومدى مساهمة العيون الخفية في التقليل معالجته.
وفي نفس التوجه من الكاتبة، تستحضر صراع الخير والشر، وتستعير من الرسوم المتحركة عنوان القصة "هزيم الرعد" ص 91. البطل الجبان في القصة يختار الاختباء تحت السرير، ليفيق على سطل ماء صبته الخادمة وهي تنظف البيت. كان مجرد كابوس حقق من خلاله البطل انتصارا على جبنه، وهزيم الرعد لم يعقبه سوى انكشاف شخصيته الحقيقية، على عكس الشخصية الكرتونية ذات المسعى الخير.
تستعير الكاتبة لأبطالها أجنحة حين يعجزون عن الحركة أو الإقدام على التغيير وعن بث الروح في المحيط فتجعلهم يطيرون، وقد يكون الطيران سلبيا، كما هو الشأن في قصة "قم للمعلم ووفه التبجيلا" ص 29. هذه القصة تعكس عالم الطفولة البريء. أجنحة كبيرة (صغيرة) يصطنعها المعلم لنفسه ليبهر المفتش المتعالي بحكم التراتبية، على حساب أجنحة صغيرة لا تملك سوى أن تهتف رغما عنها: "قم للمعلم.." ص 33. هذه الأجنحة الصغيرة ينبثق من بينها التلميذ "بوعريقة"، محتجا كاشفا الزيف الذي يلف جناحي المعلم الفاشل، لترى سوأته أمام المفتش الذي اكتفى بدوره بابتسامة ملفوفة في كاغيد غموض، ليطير -التلميذ- من غير رجعة ص 31.
وتعكس هذه القصة أزمة التواصل، وأزمة الصدق في العملية التعليمية، من خلال مشهدين: مشهد حقيقي وواقعي ولحظة مصطنعة بين السلوك اليومي للمعلم وبين السلوك الطارئ الذي تصنعه ليعكس سلوك غياب الوازع والضمير الحي وسيادة النفاق المهني. وكأنها تقول هل من مسوغ لهذا السلوك المشين للمعلم؟. ولماذا الوقوف لمعلم صار همه هو إرضاء رؤسائه المباشرين، لتحصيل نقطة جيدة تكسبه حظوة وترقية. ويطرح السؤال: لمن يدخر مخزونه المعرفي، المتمثل في الكتب التي يأتي بها في حقيبته، ليتظاهر أنه يغني الفصل بمصادر المعرفة؟
جاءت قصة "بين الجد والحفيد" ص 35، على شكل محاورة بين حمار وصغيره، تنتهي بإفصاح الجد عن سره، وهو لسان حال الحيوان، يشتكي ويبث شكواه. تعيدنا إلى زمن "ألف ليلة وليلة" و"الحيوان"، ينطق الحيوان في محاورة بين حمار تقمص شخصية جد حكيم، وحفيد عديم الخبرة. تحمل القصة نصائح الجد الخبير، وتعكس ضياع جيل بأكمله. الجد ينقل خبرته إلى الحفيد مباشرة دون واسطة. لربما كان انعدام التواصل مع الابن (الأب) وانعدام الخبرة لدى جيله السبب الرئيس لفنائه. كانت رد عجز على صدر مع اعتماد الأنسنة، وكأن مصير الأب في قصة "الأجنحة الصغيرة" سيكون هو الضياع، وذلك التواصل الذي عجز عنه الابن (البشري)، يتمكن من تحقيقه الحفيد (الحيواني) في قصة "بين الجد والحفيد".
وتبدو هذه القصة موجهة إلى الطفولة، على شكل رسوم متحركة، وهي الشريحة المستهدفة الأولى، سواء من خلال الكتابة عنها أو الكتابة إليها.
"موظف في زمن العولمة" ص 41، هو شخصية "لغز" غير أنه لا يبدو كذلك. رغم أن متن القصة لا يعكس العنوان الذي جاء صريحا، إلا أننا قد نوجد مسوغا لهذا العنوان، وهو أن الكاتبة أرادت أن تصنع للبطل (لغز) عالمه الخاص، ومنه عولمته الخاصة. إذ يلاحظ أنه موظف بسيط دخل بحماس للتغيير والفعل في الإدارة وتنويرها "اندفع بثقة عمياء ليسكب على غلس الإدارة ما يحمله من ضياء". غير أن هذا الموظف استسلم، مما جرده من البطولة أو حتى لقب "لغز"، وأفقده التفرد، لأنه في مسيرته الإدارية "أطال الأذنين.. مدد الرقة للانحناء.." ص 43. كل التغيرات التي حدثت في سلوكه اليومي تعكس تناقضا حادا في شخصيته، ومجاراته للتيار تنم عن عدم تشبع بالضياء الذي استقدمه للإدارة قصد التغيير.
لا نجد عجز البطل (لغز) وحده، بل عجز السارد، وكأن الكاتبة وجدت نفسها لم تشف غليلها من "لغز" هذا، فخصصت له قصة أخرى.
توهم "غوغل عربي الأصل" ص 51، بأن السارد يدمن البحث في محرك البحث الشهير، إلا أن القارئ يفاجأ أنها ذريعة لجليسه، كي ينتهي بالاقتراض منه. يلوذ البطل بصديقه لغز الذي يزوده بحل لمعضلته مع الانتهازي "مستنزف"، الذي يدعي أن "غوغل" عربي الأصل. ينتهي فعلا إلى حل يأتى بنتيجة إيجابية، حين "لمحت للنادل بأن يناوله الفاتورة ليدفع بدلا مني" ص 54، هذه الخطة جعلت الانتهازي تنبت له أجنحة مفاجئة يطير بها ويختفي.
تعود بنا الكاتبة إلى جو المدرسة، إلى جو الانتظار الذي حلقت إليه الأجنحة الصغيرة (ضعفا وتملقا)، واقتادت معها (قطيعا) بأجنحة صغيرة، وهي تأمل ملامسة أجنحة أكبر "تلامس يد عامل "محافظ" مدينتنا النائمة" في "عرس" ص 93، إلا أنها لم تظفر سوى بغبار خلفته بتحليقها، غبار طال التلاميذ وهيئة التدريس والإدارة، على حد سواء.
في قصتي، "نضال" ص 69، "نضال وياسمين" ص 75، تمتطي الكاتبة أجنحة الإعلام، وأجنحة الانتماء، والإحساس بالآخر البعيد القريب بداخلها. تتوغل داخل أزقة وحارات فلسطين لترصد مشهدا يوميا مألوفا، كما أراد الإعلام أن يجعله حد السام. تنسج الكاتبة لمستقبل فلسطين أجنحة تقوى على حمل المشعل من جيل قصت أجنحته: "نضال"، فتستحضر بذلك "أبو نضال" و"أم نضال"، و"أخت نضال" منتصبي القامات: "منتصب القامة أمشي" ص74. تضع القاصة أنملة مجهرية على سر استمرار الصمود. إنه حليب، وتلقين يومي وحقن في الخبز والحلوى. وفي جلسة حميمية لن يقال عنها إلا أنها حقيقية ص 71، تجد الكاتبة/الساردة تجالس الطفل الفلسطيني وتعايش أسرته معايشة صديقة صادقة:
"تأبط حقيبة مدرسية" وهو ينشد بعذوبة النشيد الذي طبعته أمه على صدره قبل أن تدونه يده على دفتره المدرسي" ص 74.
رغم الجوع، رغم الحصار، تظل المحفظة المدرسية السلاح الذي لا يهزم. والأجنحة التي تكبر وتكبر. الأجنحة التي تنبت باكرا لأطفال فلسطين، فيعدمون الحيلة والوسيلة للتخلص منها ":- يا رب متى سأتحرر من مشاغل البيت وطلبات أختي فلة؟!". ص 76. الأجنحة التي تكاد تقصم أظهر البراءة، لكن شيئا ما خفيا يخفف من وطئها ومن ثقلها على عظامهم الطرية، فتنمو بتواز معها، فتشكل توازن شخصية الفلسطيني، ليقف جدارا عازلا أمام زحف الطوفان. إنه العلم والترابط الأسري. إنه الحب المتبادل بين الناس والناس وبين الناس والأرض.
"احتوت الأم ابنيها تحت جناحيها..." ص 77.
"من أجلكم سأدوس الشوك وآكل العلقم لأسقيكم العسل" ص 77.
هذا الأمل الذي تلف به الأم ابنيها:
- "كم يغيظني هذا الظلام..
- نامي واحلمي. غدا سيلفك الله بنوره الذي لا سبيل لهم إليه لإطفائه.. نامي.". ص 82
وتختم بوعد (وعيد) ببسط أجنحة/ أياد: "قادمون قادمون قادمون" لإطلاق سراح الوطن: "إننا نسير، نفك قيد الوطن الأسير" ص 82.
"أقواس" ص 83. جاءت هذه القصة على شكل أقواس قاتلة. أقواس ثلاثة ترتبط فيما بينها بخيط ناظم هو البؤس والتفكك الأسري.
جناحان يظللان جناحين صغيرين كتب لهما أن يتحملا مسؤولية الطيران منذ الصغر. البحث عن لقمة عيش مريرة، كأن هناك رابطا بين الشرق والغرب وهو البؤس. الشرق الرازح تحت الاحتلال، والغرب الذي يعاني من سوء التدبير. فالأب أحد دعائم الأسرة ينجرف وراء شهواته وعربدته، فيجرف معه أسرة بأكملها. تعود تيمة التفسخ الأسري لتظهر من جديد، فإن أفقدت الطفل في القصة الأولى القدوة فهاهي تشكل قدوة سيئة للطفل الذي تدرجت حياته من سخط على الوضع، إلى الهدر المدرسي ثم إلى الانحراف واقتفاء أثر الأب "اطمئني يا أمي فلن أكون غيره" ص 85.
حتى تطير الأسرة وتحلق لا بد لها من هذا الثنائي، وبسقوط أحد الدعامتين تسقط الأسرة كلها. هذه هي الخلاصة التي سعت الكاتبة إلى إقناعنا بها. غير أن المقارنة بين هذه الأسرة وأسرة أم نضال التي فقدت الأب، واستطاعت رغم ذلك أن تحلق وتصمد. ربما هناك حلقة مفقودة في الغرب، أن الطفل الأول تمسك بمحفظته على ظهره، بينما الطفل الثاني تسرب إليه اليأس وربط الخبز اليومي بالمحفظة "وركل محفظته ومضى هاربا.." ص 84، لقد أسقط المحفظة والخبز اليومي على حد سواء.
"تشنج" ص 89، قصة تنقل تفاعلا آخر بين الغرب والشرق من جهة، ثم تواصل رصد القطيعة والانفصال والصراع بين الأجيال الذي ظل سيد المجموعة. اللوم الذي ظل الخلف يتذرع به ويتمترس خلفه يلقي باللائمة على تشنج جيل وتقاعس جيل. جيل ما يزال يهتم ويغتم لواقع الشرق: "وأبوه يزداد تشنجا.. يعصر نفسه على الكرسي"، وجيل تنصل من مسؤوليته التاريخية: "- هذا الإرث الممقوت ورثناه عنكم والأحرى أن تخلصوننا منه أنتم" ص 89.
الجدة (التاريخ) تجاوزها الأسلوب الجديد لممارسة السياسة. وذهبت الحكمة التي تميزها في القبيلة في مهب الريح، في ظل حسابات جديدة ووعود سياسوية لحمو البرغوتي الذي استغل الجدة وعائلتها واستعار أجنحتهم فطار بها، ثم أغلق باب المجلس دونهم، ساخرا من الجدة التي دخلت عليه كي تسترد الصوت الذي أدلت به في الانتخابات الجماعية: "لتستعيد صوتها وأصوات ذويها ومصاريف الولائم..." ص 66. لقد عرف كيف يقص جناحيها متذرعا بأن "التصويت يخضع لقانون الزمن يا سيدتي" ص 66.
خلاصات:
تطرح القاصة سمية البوغافرية، التي كتبت وعرف أنها تكتب بنفس طويل أو على الأقل نفس متوسط، عدة قضايا (الشغل، التعليم...)، وتتناول عددا من التيمات (الهجرة، صراع الأجيال...) في تداخل يكاد في بعض الأحيان يشبه تداخل الأحداث في جنس الرواية، وتكرار ظهور شخصيات في غير ما موضع.
تجنح الكاتبة، وخاصة في نهاية المجموعة، إلى الكتابة بنفس قصير، كأنه نبوءة بإصدارات جديدة قد تتخذ القصة القصيرة جدا مطية..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.