في أمسية شتوية جميلة، احتضنت قاعة المحاضرات التابعة لمندوبية وزارة الثقافة بالدار البيضاء، وعلى امتداد ساعتين من بعد زوال يوم السبت 19 دجنبر ،2009 حفل تقديم وتوقيع ديوان الشاعر والناقد عمر العسري عندما يتخطاك الضوء، من تنظيم الجمعية البيضاوية للكتبيين، بحضور عدد كبير من أصدقاء الشاعر. وقد نسق أشغال هذا اللقاء القاص أنيس الرافعي. وتخللته دراسات نقدية، قدمها كل من المسرحي الناقد محمد فراح، والشاعر والناقد إبراهيم قهوايجي، والناقد عبد الله خليل. في البداية قدم القاص أنيس الرافعي الشاعر المحتفى به مؤكدا أن"عمر العسري ناظم بناء لم تسبق ميراثه وصية، يعتني عناية فائقة بخلق تربة تعيش فيها نصوصه، يكتب في بنية مفتوحة، هجينة، محملة بالتفاتاتها السردية والبصرية والتشكيلية، يرنو إلى اللعب بمعناه الغاداميري." مبينا أنه يكتب بوعي مقصود، يبني القصيدة بروح اللوحة، فنجد في قصائده تراسلا قائما بين المستوى التصويري والمستوى الشعري. وأشار إلى أن العسري ينشئ جمالية تعبيرية انطلاقا من ضربات خشنة لفرشاة عملاقة أو كثل لونية سديمية فوق مساحة هائلة تتوالى عليها المؤثرات. وبعد ذلك أعطيت الكلمة للسيد يوسف بورة رئيس الجمعية البيضاوية للكتبيين، منظم اللقاء، الذي عبر عن سعادته بالاحتفاء بالشاعر الجميل عمر العسري، مؤكدا أن قصائده تتميز ببساطة اللغة وعمق فلسفي، وهو أمر لا يتأتى إلا لشاعر متمكن من أدواته وواضح في رؤيته. وفي مداخلته، الموسومة ب "قصيدة الأنا المترقبة قراءة في ديوان عندما يتخطاك الضوء"، لفت محمد فرح الانتباه في البداية إلى عتبات الديوان المتعددة(العنوان، عبارة الامتنان، التحذير، الإشارة إلى تاريخ كتابة القصائد، مقطع للشاعر هولدرلين..) مركزا على موقعها في الديوان وأدوارها الدلالية. وبعد ذلك، تحدث عن تبويب الديوان مؤكدا أن عمر العسري استعار صيغة تراثية قديمة. ونبه إلى أن الطقوس اللغوية في ديوان عمر العسري مستعصية ومتمنعة، تصدر من الداخل لتعبّر عن الداخل، مما جعل صوره تتمتع بعمق فني. كما أكد أن عمر العسري عمل على تحطيم أبنية الزمان والمكان في قصائده، واعتمد على مستوى الإيقاع نظام الشطر الشعري، مبلورا رؤى كاشفة عن القلق، باحثا عن آفاق إنسانية جديدة، كل ذلك في إطار منحى تجريبي. وفي ورقته المعنونة ب "بلاغة العتبة والفضاء- قراءة في ديوان عندما يتخطاك الضوء" ارتأى الناقد ابراهيم قهوايجي تناول العتبات النصية وفق محاولة البحث عن العلائق المشكلة لما يعرف ب"حالة النص العليا " وقد ابتدأها بتأثيث الغلاف مركزا على ثنائية الضوء والظلام المؤسسة له، انطلاقا من اسم الكاتب وعنوان الديوان، وأيضا على مستوى لوحة الغلاف. مؤكدا أن فعل التخطي مزدوج الدلالة فهو من جهة تخطي العالم والزمن للذات الشاعرة، ومن جهة أخرى تخطي الشاعر لكل ذلك عبر الكتابة. وبعد ذلك، تحدث عن حضور المكان في الديوان من خلال تجليين: باعتباره أيقونية مرجعية من جهة، وبصفته علاقة تفاعلت معها الذات الشاعرة من جهة أخرى. كما أن المكان يؤدي وظيفة الشاهد. وكانت المداخلة الأخيرة للناقد عبد الله خليل، وقد جاءت موسومة ب "القصيدة والقبض على اللحظة"، ركز فيها على علاقة الشاعر بالزمن مبينا أن الشاعر استطاع أن يتصيد ويقبض على العالم اللحظي وحالاته النفسية بالتأمل في البسيط والعادي. وأعاد نسجه وفق منظومة فكرية تمر من البسيط إلى المركب، بطرح تساؤلات حول رتابة الوجود والجدوى منه في قالب جمالي ساحر، وبلغة أنيقة موحية، تبتعد كثيرا عن الغموض. اختتمت أشغال هذا اللقاء الشتوي الجميل بحفل توقيع الديوان المحتفى به.