كلبي " بوش " كلب لطيف جدا، وديع للغاية، وسيم إلى حد الجنون، أمريكي الأصل والجنسية، أبيض اللون، ذو عينين جاحظتين، قلما تجده ينبح على أحد، أو يعترض سبيل عابر أو يعتدي على حرمة آدمي ضعيف، ورغم أنه قوي البنية إلا أنه لا يحرك ساكنا أمام الكلاب الشرسة الخطيرة سواء منها تلك الطبيعية أو تلك المستخلصة من خليط العوالم الحيوانية المهجنة ... نقطة ضعفه الوحيدة تكمن في القطط، فما إن يرى قطا متشردا أو هرة منتمية لعصر الحداثة والعولمة حتى تثور ثائرته ويفقد صوابه ويسيل لعابه ويعلن عن كلبيته المكبوتة والموروثة كلبا عن كلب، وهكذا وفي أحد الأيام الصيفية وبينما كنت وإياه عائدين من نزهة بحرية جميلة، لمحت عيناه قطا نحيلا يغازل عظاما بالية بالقرب من دارنا المتطاولة في البنيان، فتمرد على السيطرة المحكومة عليه من طرفي، وضرب بعرض جدران الحي أوامري له بالتزام الهدوء والتحلي بالعقلانية والتمسك بالتؤدة، وانطلق بسرعة خيالية باتجاه القط المسكين الذي ما إن رآه يقترب منه حتى ترك العظام ولذتها ليسابق الريح هربا من موت محقق . الغبار يعلو، والنباح يزداد، والمواء يوقظ أهل الحي، والوطيس تستعر نيرانه، و " بوش " لا يمكن إيقافه في تلك الساعة ... يفر القط من بين أرجله، يحاصره حائط " المبكى " في آخر الدرب، يحاول جاهدا تسلقه لكن دون جدوى، يكشر الكلب عن أنيابه ويحرك ذيله يمينا ويسارا في إشارة تدل على النصر المحقق، وفجأة وبدورة مباغتة في الهواء يستل القط من رجليه الأماميتين مخالبا حادة ويفقأ بها عيني " بوش "، تاركا بذلك توقيعه الخاص على كلب لطالما اعتدى على القطط البريئة . محمد ملوك