رغم الإضراب.. مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون الإضراب    الراشدي: الشباب الفئة الأقل ثقة في المؤسسات ويعتبرون أن السياسات العمومية غير جادة في مكافحة الفساد    مجموعة إسبانية تعتزم افتتاح منتجع فاخر في طنجة    "وسط صمت الدول العربية".. ترامب يعلن عزمه تولي السيطرة على غزة ويجدد الدعوة لترحيل سكانها إلى دول مجاورة    منصة "واتساب" تعلن عن تحديث جديد لتشات جي بي تي داخل تطبيقها    نتنياهو: إسرائيل لن تتراجع عن أهدافها ولن تسمح ببقاء حماس في غزة    الناشط إسماعيل الغزاوي يعانق الحرية اليوم بعد تخفيض عقوبته الحبسية    الخنوس يتوج بجائزة أفضل موهبة في الدوري البلجيكي للمرة الثانية    رونالدو بعد بلوغ سن الأربعين: أنا أعظم لاعب في التاريخ    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    جامعة عبد المالك السعدي تعزز البحث العلمي في مجال القنب الهندي باتفاقية جديدة مع الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المرتبطة بالنبتة    توقيف شخص بطنجة متورط في النصب والتزوير وحجز مئات الوثائق التعريفية بحوزته    انحراف حافلة يخلف قتيلة ومصابين    انتقادات لعدم تنفيذ الحكم ضد المتهمين في قضية "كازينو السعدي" رغم صدور قرار النقض    أجراس الحداثة البعدية في مواجهة منابر الحداثة    تأجيل أم إلغاء حفل حجيب بطنجة؟ والشركة المنظمة تواجه اتهامات بالنصب    كعكتي المفضلة .. فيلم يثير غضب نظام المرشد في إيران    ماذا يعرف الأطباء عن أعراض وعلاج الاحتراق النفسي؟    أولمبيك آسفي يتمسك بمدربه أمين الكرمة بعد فترة توتر    لقجع: المداخيل الضريبية سجلت نسبة إنجاز بلغت 110,8 في المائة    بوانو يرد على الطالبي بعد تصريحه حول "خيانة الانسحاب" من التصويت على قانون الإضراب    انتحار ستيني في ظروف غامضة بحي الديزة بمرتيل    تنقيط لا يليق بالحارس الرجاوي أنس الزنيتي في مباراته الأولى مع الوصل    "كاف" يعلن مواعيد قرعة ربع نهائي أبطال أفريقيا والكونفدرالية    بلقاسمي: ملعب الرباط سيدخل كتاب " غينيس"    ميلان يعلن تعاقده مع جواو فيلكس على سبيل الإعارة    الريفي يستعرض بباريس الأهمية الاستراتيجية للفلاحة بالمغرب ودورها الاقتصادي والاجتماعي    فورد تعلن عن عودتها إلى الفئة الملكية لسباقات التحمل    عمال النظافة بتطوان ينضمون للإضراب العام    الارتفاع يستهل تداولات بورصة الدار البيضاء    كيوسك الأربعاء | إطلاق الدعم لفائدة المقاولات المستفيدة من "صندوق التحدي 2"    أسعار الذهب ترتفع إلى مستوى تاريخي جديد    البريد بنك يحصد 3 ألقاب في Les Impériales 2025    نقطة نظام.. المغرب إلى أين؟    الرباط.. العرض ما قبل الأول لفيلم "الوصايا" لسناء عكرود    النصب على ضحايا زلزال الحوز يُورّط مقاول ونائب رئيس جماعة وموظف    حزب "التقدم والاشتراكية" ينتقد سياسات الحكومة ويؤيد الإضراب الوطني العام    سياسات ترامب الحمائية هل ستؤدي إلى حرب تجارية جديدة؟    الولايات المتحدة.. مجلس الشيوخ يؤكد تعيين بام بوندي في منصب وزيرة العدل    بلغ عددهم 67.. فرق الإنقاذ تعثر على جثث جميع ضحايا تحطم طائرة واشنطن    الحكومة حريصة على توفير المواد الاستهلاكية بوفرة خلال شهر رمضان المبارك    ترامب يوقع على أمر تنفيذي بانسحاب الولايات المتحدة من مجلس حقوق الإنسان    وصلة إشهارية تضع "وفاكاش" في مرمى انتقادات التجار والمهنيين    خلال جلسة مساءلة أخنوش في المستشارين... حزب الاستقلال يؤكد على وفائه لحلفائه في الحكومة    أخبار الساحة    خبراء يؤكدون أن جرعة واحدة من لقاح "بوحمرون" لا تكفي للحماية    الصحة العالمية : إطلاق أول تجربة لقاح ضد إيبولا في أوغندا    بنسعيد يعلن عن تقييد مآثر جديدة    الصناعة السينمائية المغربية تحقق أرقامًا قياسية في 2024    جولييت بينوش تترأس لجنة التحكيم في "مهرجان كان"    التقلبات الجوية الحادة تؤثر على الصحة العقلية للمراهقين    تنظيف الأسنان بالخيط الطبي يقلل خطر السكتات الدماغية    الرباط: تنصيب الأعضاء السبعة الجدد بأكاديمية الحسن الثاني للعلوم والتقنيات    جامعة شيكاغو تحتضن شيخ الزاوية الكركرية    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أريد زوجتي ... : قصة قصيرة
نشر في طنجة الأدبية يوم 02 - 10 - 2009

كان ضيفي يتابع برنامجا تلفزيا وأنا أنحني على كتاب، عيناي مشمعتين على قراءته، وحين نظرت إليه كانت ملامحه تتغير ببطء، كانت خليطا من الألم والمهانة، توقعت حينها أنه تذكر قصته مع زوجته. تتبعت فقرة مهمة من في كتابي، ونظرت إلى وجهه في لهفة لمعرفة سره، وفجأة سألنيوهويتابع البرنامج دون أن يلتفت إلي .
_ كيف أتخلص من هذا الكابوس الذي يكبس على نفسي؟ هل أتخلص منها لأتخلص منه كذلك؟ هل تنصحني أن أنتحر وأنتهي من هذه العذابات المؤرقة ؟ .
فأجبته رغم أنني لم أفهم في أول الأمر سبب تساؤله الغريب :
_ أنا لا أنصح أحدا بالانتحار، وبالأحرى أنصحك هل تأذن لي بأن أعرف سبب انزعاجك وغضبك ؟ .
بالطبع يا أخي، لقد اشتقت إلى ابنتي بثينة وإلى أمها كذلك .
_ هذا جيد ومفيد، لأنك تحبهما ولا تستطيع أن تفرط فيهما. ولا أحد يستطيع أن يجعلك جبانا، لأنك تريد سعادتك وسعادتهما، وفي نفس الصدد نستطيع أن نحل المشكلة التي توجد بينكما أنت وزوجتك .
_ أنا لا أحب زوجتي، لكن البنت التي بيننا هي من جعلتني أرضخ لها .
_ هذا مجرد هروب إلى الأمام، بعض الرجال يبحثون عن الحب والأولاد في كل الدنيا، ويسرهم ذلك كثيرا، كنت أعرف شخصا سعيدا في حياته بدون زواج، كل يوم مع امرأة في شكل وصنف، وعلى الرغم من عدم اقتناعه بالزواج فقد رضخ لمشيئة والده وتزوج، وبعد سنة من زواجه تمكن من إنجاب فتاة جميلة، وصار أسعد زوج في العالم، وابتعد عن طريق الرذيلة إلى الأبد .
سكت ضيفي عن الكلام المباح، وغاب في ملكوت التفكير كأنه يعيد شريط الذكريات الأولى مع زوجته، يبدو أنهما كانا سعيدين، وأن هناك شخص ما أو أمر دنيوي آخر أفسد عليهما هذه السعادة المتدفقة .
كان شديد الغضب، بحيث يغضب من أبسط كلام يمس عائلته. لم يكن يحب عائلته ذلك الحب الكبير كما يظن البعض. لقد أخبرني يوما أنه مستاء كثيرا من إنفاق نقوده التي يشقى ويعاني الكثير في الغربة على جمعها. فطلبات أخواته كثيرة تأتي على الأخضر واليابس، وتدخل والديه في حسابه البنكي يفقده صوابه، حتى أنه وصفهم أكثر من مرة بالطمع والمغالاة فيه وأنهم يبيعون رضاهم عليه بالمال .
كان صديقي دائما يتحدث عن نفسه وحياته مع زوجته على أنه الرجل الوحيد في العالم يعاني ويضحي أكثر من غيره. وكانت الكلمات تتدلى منه ممزوجة بالحزن والقلق في أغلب الأحيان، وسرعان ما كان يتحول في لحظة معينة ونحن جالسين في المقهى إلى ذئب مفترس في صفة إنسان ويتوعد زوجته وعائلتها بشتى التهديدات الفارغة. كنت أعرف أنه لا يقدر ‘لى أن يفعل شيئا، فهو يعرف قيمة أبيها وعلاقاته بكبار الناس في المجتمع ويعرف كذلك
غضبه ونقمته الشديدة، لذلك غالبا ما كنت أسكته بكلمة أو بكلمتين تجرحه مرة ويحبذها مرات. فهو بالطبع يعرف قيمة نفسه .
في أحد الأعياد تعمقت الهوة بينه وبين زوجته. كان العيد نذير شؤم عليهما معا، كل فرد من أفرادها قضى أيام العيد مع عائلته، ورسائل التهديد والوعيد تكثر وتزيد يوما عن يوم. لم يعد أحد منهما يتصل بالآخر أو يتحدث معه. كان ذلك بمثابة تمزيق دقيق لجراح القلب. لم يفكرا جيدا في ابنتهما وساريرا كبرياءهما الدفين في أعماقهما حتى خرج مرة واحدة . الكبرياء الذي كان مدفونا طيلة ثلاث سنوات من الحب والعشق، يظهر الآن ليقضي على آخر ذرة أمل في الاستمرار .
كنت أزوره في بيته كل شهر مرتين على الأقل، وتمكنت أن أعيش جزءا من تجربتهما التي طالما حكمت عليها بالفشل. لم تكن علاقتهما الزوجية تلك العلاقة الزوجية التي يمكن أن تستمر، وغالبا ما كان أحدهما يهين الآخر أمامي بل ويحتقره احتقارا شديدا، وترتبت نتائج سلبية باهرة، وصراعات كثيرة حتى تمكن الناس جميعهم من معرفتها. لم يعد يجمعهما الحب والحياة. فالمشاكل كثرت واستوطنت البيت الصغير، وأصبح كل واحد منهما لا يطيق الحياة مع الآخر، يوطلب الفراق اليوم قبل الغد. ما أتعس هذه العائلة الصغيرة !!
في أثناء غيابنا في استعادة ما كان من ذكريات، كان ضيفي يكتم غضباؤ شديدا في نفسه وبدأ وجهه يغمره السواد وعيناه تستتران تكادان تدخلان في رأسه. وعندما سألته عما يمكن أن يفعل لكي يحل هذه المشكلة وكيف سيقنع زوجته ووأباها، أجابني والدموع تكاد تسقط قطرات من عينيه :
_ إنني أحب ابنتي كثيرا، ولا أستطيع أن أعيش بدونها، وإذا لم أتمكن من إرجاع المياه إلى مجاريها سأعيش في عذاب وحزن لا يطاق .
_ أجل، اسمع، ولكنني لست متأكدا من انصياع زوجتك وأبيها حتى ولو تدخل الناس بينكم بخيط أبيض. فهم لا يستطيعون إقناعها بالصلح دون تضحية منك، وقد تسمع شيئا قد يحزنك أو يحرجك طول حياتك .
_ وهل تظن أنني سأشتري ابنتي ببيع كرامتي وشرفي؟ أنت واهم، وهم واهمون أيضا إذا فكروا في مثل هذا .
_ لا تنزعج يا صديقي –كنت أحاوره بلطف وأعذره في كل شيء- إنني أؤكد لك أنك اخترت الطريقة الضعيفة في مواجهة مشاكلك، إن أفضل طريقة يسترجع الإنسان بها زوجته وابنته هي أن يطالب بهما، لا أن يطلب منهما الاعتذار والأسف على شيء لم يقترفاه، وأرى أن عليك أن تتنازل قليلا، وتذهب إلى بيت أبيها وليرافقك جمع من الناس يقدرون على إرغامه، حاول، إذا اقتنعت بكلامي، أن تقبل بعض قراراتهم وأن تفعل الصواب دون تردد، هذا في مصلحتك أولا وأخيرا .
_ إن أفضل الأعمال التي تنقص من كبرياء أبيها وتضعف عجرفته التافهة، هي أن أهدده بتطليق ابنته، أنت لا تعرفه أكثر مني، إنه ثعبان بسبعة رؤوس، هذا هو السبيل الوحيد لإضعافه وإعادة تربيته من جديد .
_ من المؤكد أنني أحاور أبلها، الآن فهمت لماذا يقولون عادة : " أوصيه وإذا عمي اذهب واتركه" . وأقول لك : إنني لم أوافقك على تصرفك مع زوجتك من قبل، ولا أوافقك الآن على طريقة حل مشكلتك بهذه الصيغة. أنت لست إنسانا صغيرا، أو طفلا رضيعا، ومن المؤكد أنك تعرف الدنيا جيدا وتفهم أحوالها .
_ لا، أنا لست إنسانا صغيرا، إنني أعرف النساء أكثر منك وأهضمهن، فالمرأة يا سيدي لا تنصاع لك إلا بثلاثة أشياء تفعلها دون رحمة أو رأفة بها: إما أن تضربها أو تتزوج عليها أو تهددها بالطلاق فتراها مستسلمة بين أحضانك تمنحك الغالي والنفيس دون أن تطلب منك المقابل، وبهذا ترتاح من وجع الدماغ إلى الأبد .
_ لا، هذه أفكار رجعية ومتخلفة وماضوية يا صديقي، وأنا آسف جدا لما سأقول، أنت في الحقيقة لا تختلف في تفكيرك عن أبيك وجدك، وتتحدث وكأنك جاهل بأمور اختلفت كثيرا عن الماضي. المرأة لها حقوق وقانون يحميها، ولا تنسى أنك متزوج من امرأة مثقفة وواعية وموظفة ومستقلة ماديا وترعف ما لها وما عليها. إضافة إلى ذلك فهي إنسان ومن حقها أن تعيش وتفكر وتبدي رايها وتعترض، وليست حيوانا أليفا يتحرك حسب أهوائك وكبريائك .
تطلع إليٌ مترددا كأنه يريد أن يتحسس من كلامي شيئا قد أحرجه وأنقص من كبريائه. يبدو أنه انزعج من كلامي كثيرا، وتركته في خياله وأخذت كتابا كان أمامي، قرأته دون أن أبالي بما فعل صديقي. كان كتابا يتحدث عن مملوك عاشق لكاتب مصري مغمور. قصة تاريخية لكنها تصلح لتكون درسا لأمثال صديقي هذا، لو قرأ الكتاب لفهم قصدي، لكنه لا يبالي بالقراءة .
بعد فترة صمت قصيرة تمكن فيها من إرجاع هدوئه، يبدو أنه كان ناقما عليٌ، كان العشاء قد حضر والأطفال يلعبون بالخارج، والغرفة هي نفسها لم تتغير .
لقد أنهى طارق كل جرأة لي في تقديم نصيحة أو مشورة إلى الآخرين، بينما كنت موقنا أنه جد سعيد في نفسه مما حققه من انتصار وهمي على زوجته وأبيها، ولم يكن يدري أن هذه السعادة قد تتحول في لحظة معينة إلى كارثة مأساوية، إنه الوهم يا صديقي !!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.