عبد الله لماني، مواطن مغربي من البيضاء خرج في رحلة سياحية إلى أرض أجداده في طاطا، عندما تعرضت الحافلة التي كان يمتطيها لهجوم أفراد من «البوليساريو» ساقوه إلى اعتقال قضى فيه 23 سنة - صدر الكتاب ولماني مازال في المعتقل، كيف تعاملت مع الأمر وماذا كان رد بوليساريو؟ < كانت ليلة يوم 26 يونيو 2003، حين جاء صديقي التطواني ونقل إلي خبر صدور كتاب يحكي عن واقع السجون الجزائرية، أشارت إليه القناتان المغربيتان، وأكد لي أن غلافه يحمل صورة لي ورقم الصليب الأحمر الخاص بي. كان صديقي المريض لا يفارق الشاشة التي علقها البوليساريو داخل السجن، فأدركت أن طبيب العيون أوفى بوعده، خصوصا أنني أكدت له ضرورة أن تتصدر صورتي غلاف الكتاب. في حدود الواحدة صباحا، أطلق البوليساريو الصفارة، فتجمعنا كالعادة من أجل إحصائنا وتعذيبنا، وعدنا إلى النوم. وعند الثانية صباحا، جاءني أحد الحراس، وكنت حينها مستيقظا أترقب المصير المظلم، واصطحبني إلى إدارة الأمن العسكري حيث يتعرض كل الأسرى، بمختلف جنسياتهم، إلى أفظع أساليب التعذيب. وعند مدخل الإدارة، رأيت أكبر مجرم سفاح لدى البوليساريو، وهو المدعو أمبارك ولد خونا. توقعت تجرع أصناف من العذاب قبل أن يتم استفساري عن الكتاب... خطوت.. وجلست... وبدأ يسألني... ولا أحد ضربني.. فتأكدت أن الكتاب الذي صدر واطلع عليه الرأي العام الدولي أحرجهم، وأنهم لن يعذبونني. سألني: كيف أخرجت الكتاب؟ فأجبت باستغراب: عن أي كتاب تتكلمون؟ وكيف بإمكاني أن أكتب سطرا وسط الحراسة المشددة؟ وكيف سأتمكن من تسريبه؟ - وماذاقال لك? < فقال لي: ألم تر ماذا أذاعت القناتان المغربيتان؟ فأصررت على الإنكار... وتابع السفاح: سأمهلك 24 ساعة، وبعدها لن تعيش... حل اليوم الموالي ولم يقع شيء، وتوالت الأيام دون أن يحصلوا على أي شيء، وبعد ذلك أقنعتهم بأن لا يد لي في طبع الكتاب وأن صورتي وضعت على الغلاف لكوني أسيرا مدنيا. الكتاب كان يحمل رقمي المكتوب بخط يدي ولم ينتبهوا إليه، والخرائط المرسومة داخل الكتاب هي بخط يدي، كانت فرحة العمر هي فرحة صدور كتاب لي بالمغرب عن حياتي ومعاناتي، لم أشعر بها عند إطلاق سراحي ولا عند ميلاد ابني وابنتي... في يوليوز 2002، جاءت الرسائل ووزعت على الأسرى، ولم أتوصل بأية رسالة. في الغد نادى علي امبارك وقال لي: جاءتك رسالة، فقلت إنني لم أستلمها، فأمدني بالرسالة، فإذا هي من الطبيب الذي أعطيته الكتاب. كان السفاح قد قرأ محتوى الرسالة، فظل يتابع حركات وجهي ورد فعلي وأنا أقرؤها، وجدت أن الطبيب -الذي كان قد أشار علي بعدم نشر صورتي وأنا من أصررت على وضعها على الغلاف فحقق لي ذلك- يقول في رسالته: عزيزي عبد الله، أتمنى أن ألقاك في المغرب، وأخبرك أن كتابك تم طبعه، وقد وجدته رائعا جدا، وأنا معجب بشجاعتك، وقد أعجب بك العديد من الزملاء والأصدقاء. كنت خائفا من سؤاله بعد نهاية الرسالة، فحاولت إعادة قراءتها... قال لي: خذ نظارتي واقرأ جيدا الرسالة، ثم بادرني: هل انتهيت؟ فأجبت: نعم شكرا، فقال لي: أعطني الرسالة، ستبقى لدينا في الأرشيف... انصرف. وفي الغد، جاءني بورقة وقلم وطلب مني كتابة: أنا الموقع أسفله لم يسبق لي أن كتبت أي كتاب أو سربت أية معلومات من داخل السجن ووقعت عليها... وعندما انتهيت، أخذها بغضب فقطعها نصفين، فاضطررت إلى إعادة كتابتها على ورقة أخرى... - بعد الكتاب نشرت جمعية فرنسا الحريات تقريرها الذي يعتمد على تصريحات ووثائق تعود إليك، ماذا كان رد فعل البوليساريو؟ < جاء نشر التقرير على موقع الجمعية في الأنترنت ليطلق رصاصة إضافية على نعش المرتزقة بعد رصاصة الكتاب الذي يحكي عن معاناة الأسرى المغاربة وضمنهم المدنيون، ولم يمض سوى يومين على نشر الكتاب، حتى جاء خبر التقرير الذي نشرته جمعية فرنسا الحريات، والذي يضم لائحة 142 قتيلا مغربيا داخل السجون الجزائرية وخريطة لمقبرة جماعية تضم 45 جثة ضمنها عشر مجهولة الهوية. سألوا عن الأسرى الذين تحدثوا إلى ممثلتي الجمعية، فتأكدوا أنني وراء التقرير، وتأكدوا أكثر لما علموا أنني تطوعت لصنع شواهد القبور وكتبت عليها أسماء القتلى بمساعدة أحد السجناء. كنت أبني الشواهد وأذهب بها إلى المقبرة المجهولة خارج السجن، وكنت أكتب بخط يدي والقبور مازلت شاهدة على صحة ما أقول. كنا نعلم أن دانيال ميتران موالية لهم، ولم نكن واثقين من أنهم سينشرون التقارير، ولو كنت أعلم لالتقيتهم خلسة وأعطيتهم المزيد من المعلومات. جاءني امبارك، وتحدث إلي على أساس أنني الفاعل، لكنه لم يستطع أن يفعل شيئا، فانصرف. وانتظرنا حتى 1 شتنبر من سنة 2003 حين تم الإفراج عن 14 مدنيا معتقلا رسميا، وأنا متأكد أنهم مازالوا يحتفظون بأسرى مغاربة عسكريين ومدنيين داخل مراكز ومناطق سرية.