عبد الله لماني، مواطن مغربي من البيضاء خرج في رحلة سياحية إلى أرض أجداده في طاطا، عندما تعرضت الحافلة التي كان يمتطيها لهجوم أفراد من «البوليساريو» ساقوه إلى اعتقال قضى فيه 23 سنة - حدثنا عن تفاصيل عملية الإفراج بعد 23 سنة من الأسر? < توصلنا بالخبر قبل يومين من الإفراج عنا، كنت قد فقدت شهية الفرح، أخذوني من بين 242 سجينا عسكريا ومدنيا مسجلين في لائحة المفرج عنهم، وأوصلوني إلى إدارة أمن البوليساريو، حيث قاموا بتصويري وأنا بلباس عسكري جزائري ككل المفرج عنهم، ثم أعادوني إلى الشاحنة حيث يوجد باقي المفرج عنهم. في الصباح الباكر، رحلونا إلى مرفق آخر، مررنا عبر مسلك مغلق ضيق من أجل تفتيشنا، الواحد تلو الآخر، من طرف ضباط جزائريين، وسُلِّمنا ألبسة مدنية، وجدنا أمامنا صحافيين من الجزائر وإسبانيا ومسؤولا ممثلا للصليب الأحمر الدولي رفقة أطباء الصليب. قبل الحفل، استقبلتنا لجنة الصليب الأحمر، وسألنا ممثلُها، نحن المدنيين، بشكل انفرادي سؤالا غريبا: هل ترغب في العودة إلى بلدك المغرب أم تود طلب اللجوء إلى دولة أخرى؟ وأظن أن ممثل الصليب كان على حق في سؤاله، فالمغرب بلدنا لم يسبق له أن طالب بالإفراج عنا. - كيف كان الاستقبال داخل المطار؟ < شخصيا، وجدته باردا.. ضباط عسكريون صعدوا إلى الطائرة، منهم من سلّم ومنهم من مر دون إلقاء التحية، حتى إن العسكريين استاؤوا من برودة الاستقبال. اصطحبونا إلى مكان بالقاعدة الخلفية، وجدنا المفرج عنهم قبلنا بساعات، ضمنهم صديقي التطواني الذي تدهورت صحته، ينتظرون وعقولهم مشدودة بالغموض الذي ساد لحظة الاستقبال. مكثنا نحن المدنيين ال14 مدة 45 يوما بمدينة أكادير، ننتظر إنصافنا من طرف المسؤولين، رفضنا الذهاب دون أدنى ضمانات التعويض والإنصاف. فيما ظل ما تبقى من أهالينا يترددون علينا. - طال انتظاركم إلى أن حصلتم على وعد بضمان الحق الأدنى في العيش، كيف جرت الأمور وهل تحققت الوعود؟ < لم نود الرحيل عن أكادير، كنا نتفاوض من أجل ضمان مستقبل يعوضنا عن جحيم الماضي، كلنا نعاني الأمراض وفقدنا أهالينا إلا القليل منهم، كما بلغتنا المآسي والمعاناة التي عاشتها أسرنا في غيابنا.. الفقر والتشرد أدى بالعديد من أسرنا إلى التسول، والسلطات المحلية تخيف ذوينا وتهددهم بالقول إننا لم نختطف بل ذهبنا بمحض إرادتنا للانضمام إليهم... مما جعل معظم أسرنا تلتزم الصمت. قال عامل إقليم إنزكان السابق إننا سنحصل على تعويض عشرة آلاف درهم، وعلينا الالتحاق بأسرنا، وإن الدولة ستعيلنا، رفضنا بشدة، وقلنا إننا لا نملك أسرا ولا منازل، ومما زاد من شكنا في وعود السلطات المحلية مجيء العديد من المدنيين المختطفين في سنوات سابقة، والذين أكدوا لنا إهمال السلطات لهم وتكفي الإشارة هنا إلى أن المدنيين الأوائل الذين أطلق سراحهم خلال دجنبر 1975، مسنون وعلى حافة الموت، نقلوا من تيندوف إلى بنجرير، وتلقوا تعويضا عبارة عن خمسين درهما وعشرة كلغرامات من الخضر وتم تصريفهم إلى منازلهم، والمجموعة الثانية التي نقلت إلى أكادير تلقت تعويضا قدره ألف درهم. أعطونا تذاكر الحافلات، والتحق كل منا بمنطقته، كنا ثلاثة مدنيين من الدارالبيضاء، جئنا مباشرة إلى مقر الولاية، وجدنا صعوبة في ولوج مكتب كاتبة مدير الديوان التي أكدت لنا أن لا علم لها بالموضوع، وأعادت إلينا الرسائل. بعد معاناة دامت أزيد من شهر، بدأنا نتقاضى شهريا ألف درهم، ومبالغ غير رسمية، والبعض يؤكد لنا أنه يعطينا إياها من جيبه، وهناك من لا يستخلصها كل شهر، وهناك من لم يسبق له أن أخذها. بعد خمسة أشهر من النضال، حصلنا على سيارة الأجرة، وهناك من لهم رخص سيارة الأجرة ولا أحد أراد كراءها منه لتواجدها في مناطق غير منتجة. - وما مستوى العناية الصحية التي وفرت لكم بعد عودتكم؟ < نحن محرومون من التغطية الصحية، والمستشفيات العمومية لا تقبل التكفل بعلاجنا.. منهم من يقترح علينا أن نطلب نجدة مسؤولي العمالة، وإذا تزامن المرض مع ليلة الجمعة، فعلي الانتظار حتى يوم الاثنين لتلقي إسعافات. عندما كنا بأكادير، تم عرضنا على طاقم طبي عسكري، أخذوا منا خمسة ميليلترات من الدم، ولم يعطونا إلى حد الآن نتائج التحاليل، وأنا متأكد أن العديد منا مرضى بالتهاب الكبد الفيروسي من نوع سي، وأنا شخصيا مصاب بمرض الروماتيزم أجروا التحاليل وانصرفوا... وأما بخصوص الرعاية النفسية، أتذكر أن الطبيب النفساني، وهو ضابط عسكري، سألني عن اسمي ومقر سكني قبل الاعتقال فقلت إنني من مدينة الدارالبيضاء فتابع: هل تحب الرجاء أم الوداد... فقلت: سابقا كنت أحب الرجاء، أما الآن فالرجاء والوداد لدي سواء... فضحك وأمرني بالانصراف.