عبد الله لماني، مواطن مغربي من البيضاء خرج في رحلة سياحية إلى أرض أجداده في طاطا، عندما تعرضت الحافلة التي كان يمتطيها لهجوم أفراد من «البوليساريو» ساقوه إلى اعتقال قضى فيه 23 سنة - كيف كانت حياتك قبل السفر إلى مدينة طاطا وتعرضك للاختطاف؟ < ولدت سنة 1953 بمدينة الدارالبيضاء، كنت أبحث عن سبيل لضمان مستقبل وتكوين أسرة ومساعدة والدي وجدتي، فأنا من أسرة فقيرة كانت تعيش بسيدي البر نوصي، انتقلنا للعيش بكاريان طوما وأنا في العاشرة، حيث توطدت علاقة أسرتي مع أسرة عائشة بركات التي ولدت وأنا في سن الثالثة عشرة، وكنت أحملها وأداعبها بين ذراعي، كبرت عائشة وكبر معها حلمي في أن تكون زوجتي، كنت أعمل كهربائيا بإحدى الشركات، وأتابع دراستي في التكوين المهني لتحسين مدخولي. «شريت ساروت واحد الدار في بورنازيل»، وبقيت أدفع السومة الكرائية، كما فتحت حسابا بنكيا وفرت فيه حوالي ثلاثة ملايين سنتيم، كان حلمي أن تمر الأيام وتكبر عائشة لتصل سن 17 أو 18 ، لنعقد قراننا، لكن شاءت الأقدار أن اختطفت وعمرها 13 سنة. لتطوى صفحات الانتظار وتجمد لمدة 23 سنة. - وماذا عن الرحلة إلى مدينة طاطا وكمين كومندو البوليساريو الذي اختطفك؟ < لم تسبق لي زيارة مدينة طاطا التي ينحدر منها والدي، وحيث تتواجد عمتي التي لم أرها في حياتي، وبعد أن بلغت سن السادسة والعشرين وصار لي راتب شهري اقترحت على بعض أصدقائي السفر لبضعة أيام في إجازة إلى طاطا لاكتشاف المنطقة وزيارة أقاربي، فاستجاب الصديق أحمد بن بوبكر الميكانيكي وعبد الإله النجار، وسافرنا يوم 11 غشت 1980 إلى أكادير حيث قضينا أياما رائعة في الراحة والاستجمام، قبل أن ننتقل يوم 18 غشت إلى طاطا، لكن بمجرد وصولنا وجدنا الحرارة مرتفعة والشمس حارقة، فلم نستطع المكوث أكثر من يومين، قررنا بعدهما العودة، فركبنا حافلة زرقاء في اتجاه أكادير. وعلى بعد 20 كلم من طاطا، فوجئنا برجل ملثم مدجج بالسلاح يسد الطريق، أرغم السائق على الوقوف، ليداهمنا حوالي ثلاثين مسلحا ملثمين، كنا حينها حوالي عشرين شخصا (رجال وأطفال ونساء ومسنين). أوقفونا في صف واحد على قارعة الطريق حتى اعتقدنا أنهم سينفذون فينا حكم الإعدام، وظلت مجموعة منهم تراقبنا، فيما انشغل الآخرون بسلب ونهب كل ما نملك من نقود وألبسة، وأفرغوا الحافلة من الحقائب، ثم انتقوا سبعة أشخاص من الركاب ضمنهم صديقي الميكانيكي والسائق لحسن القدميري ومساعده الجابي الحسين عوما، إضافة إلى أربعة عسكريين، فتدخلت مدافعا عن صديقي، وبينما أنا أتحدث معهم، قام أحدهم بضربي بمؤخرة البندقية على رأسي حتى فقدت الوعي، واستفقت وأنا اخضع للتكبيل والضرب من طرف مجموعة منهم، ورموني مع مختطف آخر فوق «كروسري» سيارة رباعية الدفع وسط ركام من الألغام، وهي السيارات التي كانت مختبئة وتمت المناداة على سائقيها. تركوا المجموعة الأخرى التي وجدوا أن بها أشخاصا غير قادرين على العمل، كما أن الذي أوقف الحافلة صب الوقود على هيكلها وأحرقها ، وقادونا إلى حيث لا ندري... - هل تعرفت على أجناس وهوية كومندو البوليساريو؟ < كان بعض أفراد الكومندو يتكلمون بالحسانية وآخرون يتقنون الدارجة الجزائرية، مسلحين بأسلحة متطورة وأخرى مدنية (سكاكين وخناجر وسيوف وسواطير...)، يرتدون ألبسة شبه عسكرية لم أستطع التعرف على جنسياتهم الحقيقية. كيف كانت رحلة الاختطاف؟ < مباشرة بعد تكبيلنا وإحراق الحافلة، توغل الكومندو في مسالك وعرة في واد درعة، أوصلونا في الغد إلى برج «مركالة»، الذي بناه الفرنسيون فترة الاستعمار لمراقبة الحدود، ويستعمله حاليا الجزائريون، ذقنا طيلة فترات الرحلة كل أنواع العذاب، رموا بنا مثل الأكياس فوق العربات مكبلي الأيدي والأرجل، وعند البرج رمونا على الأرض، حيث تجمهر الجنود الجزائريون وعناصر «البوليساريو»، منهم من يضحك علينا وآخرون يضربوننا... تم استنطاقنا من طرف ضباط جزائريين بهدف الوصول إلى معلومات عسكرية، قلت لهم إنني مدني، فقال أحد الضباط الجزائريين: «ستؤدون ثمن حرب سنة 1963، و ما فعله بنا آباؤكم وأجدادكم». بعدها تم توزيعنا كالعبيد على الكتائب من أجل خدمتهم في المطبخ والتنظيف وحفر الآبار والخنادق، وجلب المياه. - حدثنا عن عمليات الاستنطاق التي تعرضت لها < لقد تم استنطاقي من طرف ضباط جزائريين، فيما كان أفراد البوليساريو يتابعون فقط ما يجري، ويتدخلون بأمر من الضباط من أجل تعذيبنا،كانوا يريدون معلومات نحن نجهلها، لكنهم يصرون على أخذ اعترافات غير صحيحة لأهداف معينة، كان العذاب يوميا إضافة إلى الأشغال الشاقة والتجويع خدمة للكتيبة التي كنت عبدا لها، بلغنا مرحلة لم نعد نعلم هل ما يقع لنا حقيقة أو وهم. تم نقلي إلى مكان آخر، حيث وجدت 15 جنديا مغربيا أسيرا، أكدوا لي أنه تم اختطافهم حينها من منطقة سيدي عمارة بمنطقة أقا، وجدتهم يحفرون الآبار والمخازن الأرضية للأسلحة والسيارات والمدافع والدبابات... يعملون ليل نهار، وتمنح لهم في بعض الفترات الليلية نصف ساعة أو ساعة للنوم مفترشين الأرض، وأصبحت أسيرا مثلهم أذوق نفس العذاب اليومي. 18 ساعة من «البالة والفأس» بدون راحة، نشرب مياه ملوثة مخزنة داخل براميل الوقود الفارغ، رائحتها كريهة ومذاقها مر، والفترة القليلة التي ننام فيها نعيش وسط الأحلام المزعجة والكوابيس، فكنت أحلم أني حر طليق أتجول بالدارالبيضاء، لكنني في بعض اللحظات أستفيق على ألم الأسلاك الكهربائية وهي تزركش جسدي، فأصاب بالانهيار النفسي الذي أدى بالعديد منا إلى فقدان العقل.