منذ ما يزيد عن عقد من الزمن، والمركز الدولي لدراسات الفرجة يخوض في مجال البحث العلمي الأكاديمي الرصين، من خلال ندوته العلمية الدولية "طنجة المشهدية" التي دأب على تنظيمها منذ سنة 2004، وأيضا من خلال منشوراته في مجال المسرح وفنون الأداء. لقد ابتلينا ب"حمى" الأرشيف والتوثيق رغم إمكانياتنا المادية المتواضعة، وذلك حفاظا على ذاكرة لقاءاتنا العابرة، وأيضا لتمكين القارئ الكريم من الاطلاع والتفاعل على/مع أنشطتنا، منذ اللقاءات الوطنية الأولى بتطوان؛ ومنها: "المسرح المغربي في أفق الألفية الثالثة" (سنة 2000)، و"دراسات الفرجة بين المسرح والأنثروبولوجيا" (سنة 2001)، و"المرتجلة في المسرح: الخطاب والمكونات" (سنة 2002)، وصولا إلى "الدراماتورجيا البديلة" (سنة 2014) التي أكملت عقدا من زمن "مهرجان طنجة الدولي للفنون المشهدية"، و "الذاكرة والمسرح" (سنة 2015)، مرورا بحلقة ندوات طنجة التي انطلقت سنة 2004. ولعل العودة إلى قائمة الإصدارات، تؤكد بالملموس، مدى القيمة العلمية والفنية لملتقياتنا التي أصبحت كمراجع أساسية يعتمدها الباحثون الجادون في المغرب والخارج... وبعد أن تجاوز المركز الدولي لدراسات الفرجة، جل الصعوبات والمثبطات التي كانت قوية في كثير من الأحيان، متخطيا بذلك هاجس الهشاشة والانكسار، فإنه يُعلن الآن عن تحدٍّ جديد يدخل فيه، لتثبيت مشروعه الفكري وانشغالاته العلمية التي يشتغل عليها منذ تأسيسه، ويتمثل في إصداره لمجلة فصلية "محكمة"، اختار لها اسم: "دراسات الفرجة". حيث ستُعنى بكل البحوث والدراسات الأكاديمية المتعلقة بالمسرح وفنون الفرجة. منذ بروزها في العقدين الأخيرين من القرن الماضي، كتخصص أكاديمي قائم الذات، تبوأت "دراسات الفرجة" مكانة مركزية في الدراسات الأنثروبولوجية، والفلكلورية، والمسرحية على حد سواء. وبتركيزها على السياق والسيرورة برزت دراسات الفرجة كرد فعل ضد الدراسات المسرحية المرتكزة أساسا على النصوص الدرامية عوض تحققاتها الإنجازية على شكل فرجة مسرحية. إن دراسات الفرجة هي محصلة التبادل المثمر بين الدراسات المسرحية وتخصصات أخرى مجاورة من قبيل الأنتروبولوجيا الثقافية، دراسات الفولكلور والإثنو-موسيقا... ولعل أهم ما يميز هذا المجال البحثي الحيوي هو عدم وجود شرعة ثابتة من الأعمال والأفكار والممارسات، أو أي شيء آخر بإمكانه تحديد مجالات اشتغالها. فانفتاح 'أبحاث في المسرح المغربي'، الكتاب المؤسس لدراسات الفرجة في الجامعة المغربية لأستاذنا الدكتور حسن المنيعي، على الهوامش الفرجوية المحايثة من قبيل 'الحلقة'، 'سيدي الكتفي'، 'سلطان الطلبة'... لخير دليل على مراوحة دراسات الفرجة بين الثقافة العالمة والثقافة الشعبية، النصوص التراثية والكتابات المعاصرة، الشفهية والأدبية... تقتبس دراسات الفرجة من التخصصات المجاورة، وهي بذلك حقل مشرع على رحابة أفق البحث العلمي. ولعل أهم ما يميز دراسات الفرجة، مثلها في ذلك مثل الفرجة ذاتها كما بينا سابقا، هو التجسيد embodiment. أما قاعة الدرس، فتعتبر فضاء فرجويا ممتلئا في حد ذاته، وهي بؤرة الفرجة ذاتها بالإضافة إلى كونها المكان المستثمر لدراسات الفرجة... انطلاقا من العقدين الأخيرين من القرن العشرين بدأت شعب المسرح في الجامعات تعيد النظر في مهامها وأهدافها. لقد أدرك حينها أساتذة المسرح بأنهم قد أصبحوا منعزلين عن مشهد الفنون الأدائية السريع التحول بفعل تناسج ثقافات الفرجة. ولكن رغم اتساع مجال اشتغال دراسات الفرجة، إلا أنه لا يزال بحاجة إلى المزيد من الجهد لتفادي التمركز الأورو-أمريكي؛ فرغم انفتاح الجمعية الدولية لدراسات الفرجة على أصوات العالم إلا أنها، كما تقول جانيل رينلت الرئيس الأسبق للفيدرالية الدولية للبحث المسرحي، "ستواجه تحديا أكبر في العقد القادم، والمتمثل في محاولاتها الحثيثة لتكون دولية بحق. لا يزال التناقض قائما بين التطلع نحو العالمية والهيمنة الأنجلو-أمريكية على المنظمة." نستشف من هذه الشهادة البليغة أننا، نحن المتموقعون جنوبا في ظل النظام العالمي الجديد، نحتاج لإعادة النظر في 'دراسات الفرجة' من موقعنا نحن هنا في الضفة الجنوبية والآن. أملنا أن لا نعيد إنتاج نفس صيغ الماضي القريب والتي راوحت عموما بين 'تأورب مطلق' يعيد إنتاج نفس أسئلة الغرب الآخر، دون مساءلتها، و'اغتراب في الماضي' يفضي إلى رقص مسعور حول الذات المفقودة. فدراسات الفرجة، من موقعنا نحن، في حاجة إلى إعادة الكتابة وتفكيك كل أشكال التمركز. كما أنها يجب أن تخضع لمنطق الاستيعاب والتجاوز، التفكيك وإعادة البناء. فبعد عقد من اشتغال المركز الدولي لدراسات الفرجة بمعية شركائه، على مد جسور التواصل بين الدرس المسرحي الجامعي ومحيطه الخارجي والفرجوي بخاصة، تأتي مجلة "دراسات الفرجة"، لتعلن عن مرحلة جديدة (لا تلغي بالضرورة ما سبقها)، تتسم بانفتاح المركز من خلال "دراسات الفرجة" على تخصصات جامعية أخرى ضمن العلوم الإنسانية. وسيرا على نهج كل المجلات المحكمة في التخصصات الأخرى، فإن إدارة المجلة، ستعتمد في قبول (أو رفض) نشر الدراسات والبحوث التي ستتوصل بها، على تقارير أعضاء اللجنة الاستشارية وهيئة تحرير.