حدثنا نبهان بن يقظان قال: بينما أنا جالس في وزارة الهندسة والتعتيم، والقوم عاكفون على إصلاح الترميم. إذ سمعتُ ابنَ موسى يقرع سِنّ الندامهْ، حين استعرَت معركة الكرامهْ. يقول خِلتُ القومَ نياما، وقد خيّم الذل أعواما. فقلت لأُنزِلنّ النظامَ الأساسي، على ما فيه من مآسي. كيف وقد استوى على سُوقه، بأمرِ البنك وذَوقه. بَيد أن القوم انتفضوا، وثاروا وما رضوا. ولست أدري ما السبب، وعلامَ السخط والعتب! وما فيه غير ساعات، إيْ واللهِ غير محدّدات. لكنّ العمل عبادهْ، تدريسٌ أو حِدادهْ. والمعلم كما عهدناه خبير، صامت يحسن التدبير. كيف وعنده أربعون، يتكلمون ولا يسمعون. وهو ماضٍ في درسه، كسائر بني جنسه. أفلا يحسِن المواكبهْ، والدعم والمداعبهْ؟! وصبرهُ في الفيافي مشهود، وجَلَدُه في المُلمّات معهود. فما بالُ العقوبات أرهبتهْ، وعلامَ المهمّات أغضبتهْ؟! وبينما الوزير في هَم، يدافع الكربَ والغم. إذ جاءه المشير يتصبّب عرقا، يحمل قلما أحمر وورقا. قال لا مناصَ من السَّحب أو التجويد، وما ينفع ترغيب أو تهديد. قد عُطّلت المدارس، لا مدير ولا حارس. وغصّت الشوارع، والخاسر من يصارع. والقوم على رجل قلب واحد، ما فيهم متخاذل أو قاعد. سوى خوالف يُحصوْن عددا، ما تُرضي سيرتُهم أحدا. حتى التلميذُ للمعلم سَند، وأبوه وقومٌ بلا عدد. قال الوزير في عجب، لا يخلو من غضب. أمَا قلت لي هذا نظام، لقوم أشراف عِظام. لا يُكرمهم إلا كريم، ولا يُهينهم إلا لئيم. ولا يَضرّهم الشحُّ والتقتير، سيّان عندهم الموظفُ والأجير! قال المشير: وهل كل ما قيل يقال، ألسنا نقول وهو محال! ولقد أسْررنا والخبر شاع، ألَا ما جاوز الاثنين ذاع! قال الوزير: والتصحيح والتحفيز، والمكاسب والتعزيز؟! قال المشير: أيّ تحفيز ولا عِوض، قد قلناهُ على مَضَض. قال الوزير: وأين النقابهْ، والصَّحبُ والعصابهْ؟ قال المشير: لا رأي لمن لا يطاع، سقط عن القوم القناع. قد خرج قائلهم يقول، قولا لا يُقنع الجَهول. لتُكرَمُنّ عمّا قريب، واللهُ على ما أقول رقيب. فارجعوا إلى الأقسام ظافرين، غانمين إن شاء الله آمنين! هذا وكبيرُ القوم يَعِد، وصاحبُه يُبرِقُ ويُرعِد. فمن يثق برِعْديد، مذبذب بين وعد ووعيد؟! ولقد قيل: وحُسنُ ظنّكِ بالأيام مَعجزةٌ فظُنَّ شرا وكُنْ منها على وجَلِ غاضَ الوفاءُ وفاضَ الغدرُ وانفرجتْ مسافةُ الخُلفِ بين القولِ والعملِ قال المعلمون: قد شهِد شاهدٌ من أهلها، أنتم لخُلفِكم ونحن لها. ثم اندفع طوفان المعلم، جارفا الليل المعتِم. وقد بُهت كل عنيد، حين رأى الصناديد. وهم على الدرب ماضون، لا يغرّهم الأفاكون. وصدى العزة في الآفاق يجول، ثابتا وبعزم يقول: قُم للمعلم وفِّه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا