ما أثارني عند مشاهدتي الأولى، في عرض خاص بالرباط، للفيلم المغربي الجديد "جبل موسى" (2021) من إخراج إدريس المريني ثلاثة أمور أساسية هي: التشخيص وإدارة الممثلين، جدة الموضوع وفضاءات التصوير، المقاطع الموسيقية والغنائية الموظفة في الفيلم. سأكتفي في هذه الورقة بالحديث عن التشخيص وإدارة الممثلين، ففيما يتعلق بالممثل يونس بواب، لاحظت أنه كان مبهرا بأدائه المقنع لدور مركب، دور حكيم الشاب المعقد نفسيا والمنعزل في غرفته والرافض لكل اتصال مع البشر باستثناء والدته وقريبتها عيشة وخادمة البيت. لقد ظهر لي في هذا الدور البطولي مخالفا لأدوار بطولية أخرى له في السينما من قبيل أدواره في "سيد المجهول" (2019) لعلاء الدين الجم و"طفح الكيل" (2018) لمحسن بصري و"الزيرو" (2012) لنور الدين لخماري على سبيل المثال. شكله إذن وتنقله على كرسي متحرك وعنفه اللفظي وطريقة كلامه وتفكيره وعوالمه الخاصة، كلها أشياء جعلتني أحس بأنه لبس الدور جيدا وتماهى معه. وهذا التماهي لم يكن ممكنا لولا تمكنه من أدواته كممثل موهوب ولولا الإدارة الجيدة له من طرف المخرج، الذي نجح إلى حد كبير في تحرير جوانب عدة من طاقاته التعبيرية عبر حركاته وقسمات وجهه ونظراته وكلامه وصمته وغير ذلك. إلا أن هذه القوة التعبيرية، التي ظهر بها بطل الفيلم يونس بواب، وقدرته على إقناعي بأدائه الجيد للدور، لم توازيها نفس القوة على مستوى أداء باقي الأدوار الرئيسية: دور الأستاذ مروان (من تشخيص عبد النبي البنيوي) ودور الأم (من تشخيص السعدية أزكون) ودور الأب (من تشخيص عمر العزوزي) ودور إلهام (من تشخيص هاجر بوزاويت) ودور عيشة (من تشخيص سهام آسيف). فأداء هؤلاء الممثلين والممثلات كان مقبولا، لكنه لم يصل إلى قوة أداء بواب. ربما يرجع ذلك إلى اهتمام المخرج ببطل الفيلم أكثر من اهتمامه بباقي المشخصين والمشخصات أو إلى القدرات الإبداعية لكل واحد منهم. وعلى العكس من ذلك نجح المخرج المريني في إظهار الممثل المراكشي عبد اللطيف الشكرا في صورة جد مقنعة ومبهرة، مخالفة تماما للصور التي تعودنا أن نشاهده فيها في أعمال كثيرة. ولعل دور الفقيه، الذي شخصه الشكرا باقتدار في فيلم "جبل موسى"، يذكرني بدور مشابه له إلى حد ما تقمصه الممثل المبدع مصطفى تاه تاه في فيلم "الجامع" (2010) لداوود أولاد السيد. ففي كلا الفيلمين نجح المخرجان في انتقاد عينة من "الفقهاء" المتاجرين بالدين والمستغلين لسذاجة البسطاء من الناس. أما حسن فلان فدوره في الفيلم (أنور سائق فتيحة) كان مقنعا بشكل كبير، ولعل هذا الإقناع هو الذي شجع إدريس المريني ليمنحه دور البطولة إلى جانب الممثلة الشابة هند بن جبارة في فيلمه التلفزيوني الجميل "لبنى وعمي لخضر" (2021). يبدو لي أن يونس بواب سيكون واحدا من الممثلين المرشحين للفوز بجائزة التشخيص ذكورا في الدورة 22 للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة، التي ستعلن عن جوائز مسابقاتها الثلاث مساء السبت 24 شتنبر الجاري. ملحوظة: فيلم "جبل موسى" (108 د) سيعرض بقاعة سينما روكسي يوم السبت 22 شتنبر الجاري ابتداء من الساعة 19 في إطار عروض مسابقة الأفلام الروائية الطويلة.