على غير عادة هذا الموسم الماطر.. إنها لا تمطر اليوم.. أما الرباط-المدينةRabat-Ville، باب من أبواب الولوج إلى مدينة الرباط.. ينقلك القطار السريع إليها.. سرعة فرحة! هي.. وها أنت تتمشى.. تقتني كتبا.. تحتسي قهوة سوداء رفقة أصدقاء من عالم الفن ونقده.. ناذرون هم الفنانون-النقاد.. فحديثٌ خفيفٌ، كريح ذلك اليوم، لا عاصفة تلوح في السماء.. فركوب السيارة.. جسر سلا يمينا.. وباب الكبير شمالا.. انعطاف بسيط.. وها أنت أمام رواق باب الكبير.. باب آخر للرباط.. بالأحرى لل"وداية"، هناك حيث يعرض الفنان التشكيلي "زين العابدين الأمين" أعماله الأخيرة، وأخرى عائدة لمسارِ أزيد من عقد من الاشتغال الدءوب والدائب في الصباغة وتجلياتها... فنان تتعدد تيمات وآليات اشتعاله واشتغاله، كتعدد السند لديه.. من المربع (الأيقوني للوحة) إلى الدائرة (الرمز الوجودي الصوفي) إلى اللاشكل (إبداع ما بعد الحداثة في بعدها التشكيلي).. أما اللون.. فله أن يكون استثناء كل لوحة.. أو ليصير أبيضا وأسودا، في عديد اللوحات.. صفاء، هو، في مواجهة السواد.. وتصوف فريد.. التصوف هنا.. نوع آخر من التواجد خارج ومع وداخل وفي وب"الذات".. وهو كذلك.. على الساعة السادسة النصف مساء يوم السبت 4 دجنبر من هذه السنة، التي تنطفئ آخر شموعها البيضاء.. بياض لون ريشة الفنان التشكيلي زين العابدين الأمين، الذي يعرف رواق باب الكبير ب"الوادية"، الرباط، احتضان مجموعة من أعماله التشكيلية.. المعرض الذي يستمر بالرواق إلى غاية نهاية الشهر نفسه.. وقد عرف هذا العرض حضورا وازنا لأسماء مضيئة ومنيرة في ساحة الفن والنقد التشكيلي.. أسماء تسارع وسرعة جفاف الصباغة.. إلى إغناء الساحة عبر تحديث مستمر لآلياتها كما لأسلوبها، ومصاحبة للتطورية التي تعرفها هذه الساحة.. عن أعمال صاحب العرض يقول الكاتب بنيونس عميروش: "«تتنوع المادة من القماشة إلى الخشب المستعاد من طبيعته التجزيئية (قطع طولية) والمتلاشية. هذه الأخيرة تخضع للمعالجة والتجمع المتجاور، في تواز رائق مع تحميل العلامات المنتصبة والممتدة نحو الأعلى، ضمن تناسلية تحيل على خصوبة ولودة، حيث الحياة تتعدى دلالة الإشارات الخطية الواقفة والمتكررة، لتشمل دينامية التشكيلية الموجهة بإيقاع حركي يستجيب لصدى الذات المحمومة، وهي تنقش أنفاسها عبر وقع الفرشاة العريضة والمتناغمة مع كل شهيق وزفير. بذلك تنطبع تجريدية الجسد المتراقص والمتماهي مع طقوس الحك والدعك، واللمسة المسترسلة والمراوغة ما يدفع بنا لاستدراك «الصور» الكامنة في عمق اللوحات، خصوصاً الدائرية منها». تلك هي ميزة الأسناد الدائرية عند الفنان زين العابدين الأمين. انفعال يصيبك، انفعال عاشق، وأنت تمرر بناظريك، على نظارة اللوحة، وبريق لونها، وكمال شكلها، عند هذا الفنان. "التشكيل/ الصباغة المغربية، بالعكس، لا تجعل أصولها من متاحف أوروبا، بل تأخذ من قوتها من ثقافتها المتعددة".. كما جاء في نص « jean Pailler » المصاحب لكتالوغ المعرض.. وهو كذلك، إذن.. ما نلاحظه في أعمال جيل من الفنانين التشكيلين المتحمسين للصباغة ويحوزهم التطوير داخل عالم التشكيل.. زين العابدين الأمين واحد منهم.