حظي الممثل القدير محمد رزين بتكريم يليق بمكانته كفنان قاربت تجربته في المسرح والسينما والتلفزيون ستة عقود من الزمان، وذلك في الحفل الختامي للمهرجان الوطني الواحد والعشرين للفيلم ليلة السبت 7 مارس الجاري بقاعة سينما روكسي بطنجة. وقد شرفتني إدارة المهرجان المذكور، الذي أشرف على تنظيمه المركز السينمائي المغربي، من 28 فبراير إلى 7 مارس 2020، بإلقاء شهادة في حقه وتسليمه درع التكريم أمام عدسات المصورين وجمهور الفنانين والنقاد والصحافيين والسينفيليين وغيرهم من ضيوف المهرجان الذين غصت بهم هذه القاعة الجميلة. لم أتمكن في كلمتي المرتجلة لحظة التكريم من اختزال تجربة الصديق محمد رزين الفنية الطويلة في دقائق محدودات، بل اكتفيت بالإشارة من خلال التذكير بأهم الأفلام السينمائية، التي شارك فيها كممثل، إلى أن المخرجين الذين اشتغل تحت إدارتهم كانوا في غالبيتهم من المثقفين متعددي الاهتمامات بدءا من نبيل لحلو وأحمد البوعناني في أواخر السبعينيات من القرن العشرين، مرورا بفريدة بن اليازيد وسعد الشرايبي، ووصولا إلى عبد الإله الجوهري وعز العرب العلوي لمحارزي في الآونة الأخيرة. فهؤلاء المخرجين المثقفين وغيرهم كانت لهم ثقة كبيرة في قدراته التشخيصية ولم يختاروه عبثا للمشاركة في أفلامهم، كما أنه كان في مستوى الثقة التي وضعوها فيه من خلال صدقه في الأداء وحضوره المقنع أمام الكاميرا. كما أشرت في كلمتي المركزة إلى أن المكانة المحترمة التي وصلها محمد رزين في فن التشخيص يرجع الفضل فيها إلى عشقه للمسرح، الذي مارسه كهواية في البداية قبل أن يقرر سنة 1969 التفرغ له عبر الدراسة بالمعهد الوطني للموسيقى والرقص والفن المسرحي بالرباط،، تحت إدارة الفنان الموسيقي الراحل عبد الوهاب أكومي، وعبر المشاركة كممثل محترف في العديد من المسرحيات مع فرقتي “القناع الصغير” و”المسرح الوطني محمد الخامس” وغيرهما. المبدع محمد رزين، المزداد بالرباط سنة 1946، إسم على مسمى، لماذا؟ لأنه ببساطة رزين في أدائه لأدواره المختلفة، ومن هنا أطلقت عليه لقب “رزين السينما المغربية” في ورقة نشرتها سابقا بمناسبة تكريم له بإحدى دورات الملتقى الوطني لسينما القرية بزرهون، ورزين في علاقاته مع الآخرين، ورزين حتى في “قفشاته” ومستملحاته. هو من الممثلين المغاربة الكبار الذين لم تتح لهم فرص كثيرة، في السينما والدراما التلفزيونية الوطنية، لإظهار إمكانياتهم الهائلة في تشخيص مختلف الأدوار البسيطة والمركبة. فرغم ظهوره المبكر على شاشة التلفزيون المغربي، بعد سنوات قليلة من انطلاقة هذا الأخير في مطلع الستينات من القرن الماضي، في أعمال كانت تبث آنذاك بشكل مباشر، ورغم وقوفه أمام كاميرا السينما لأول مرة في فيلمي “القنفودي” ( 1978 ) لنبيل لحلو و “السراب” ( 1979 ) لأحمد البوعناني، ورغم الرصيد المحترم من الأعمال المسرحية التي شارك فيها منذ مرحلة الهواية (من 1962 إلى 1968) مرورا بمرحلة التكوين بالمعهد المشار إليه أعلاه، ثم التدريس به والإنخراط في أنشطة فرقة “القناع الصغير” و فرقة المسرح الوطني محمد الخامس وغيرهما من الفرق المسرحية الأخرى، وصولا إلى الانفتاح على تجارب المخرجين المسرحيين الشباب أمثال فوزي بن السعيدي في مسرحية ” الفيل ” وغيره، لم يتم استغلال وتوظيف قدرات هذا الممثل الكبير الهائلة في التشخيص بالشكل والحجم المطلوبين في السينما والتلفزيون والمسرح. تجدر الإشارة إلى أن الممثل المتميز محمد رزين شارك في أكثر من ثلاثين عملا سينمائيا وتلفزيونيا أجنبيا صورت بالمغرب، نذكر منها على سبيل المثال أفلام “ألف ليلة وليلة” (1990) المخرج الفرنسي الراحل فيليب دوبروكا و”مولود في مكان ما” (2013) للفرنسي من أصول جزائرية محمد حميدي و”صورة مجسمة للملك” (2014) من بطولة الأمريكي طوم هانكس وإخراج الألماني توم تيكفر وسلسلة “الإنجيل” كلها تقريبا … أما تجربته مع السينما المغربية فعمرها يتجاوز أربعين سنة انطلقت مع أول فيلم روائي طويل لنبيل لحلو ولازالت مستمرة إلى وقتنا الحالي. أهم مكونات فيلموغرافيا محمد رزين السينمائية في شقها المغربي نستعرضها كرونولوجيا كما يلي: “القنفودي” ( 1978 ) لنبيل لحلو، “السراب” (1979 ) لأحمد البوعناني، “ليلة القتل” ( 1992 ) لنبيل لحلو، “كنوز الأطلس” ( 1997 ) لمحمد أومولود عبازي، “مكتوب” ( 1997 ) لنبيل عيوش، “كيد النساء” ( 1999 ) لفريدة بن اليازيد، “عطش” ( 2000 ) لسعد الشرايبي، “الدارالبيضاء يا الدارالبيضاء” (2002) لفريدة بنليزيد، “خربوشة” ( 2008 ) لحميد الزوغي، “الخبز المر” ( 2008 ) لحسن دحاني، “أكادير إكسبريس” (2015) ليوسف فاضل، “ولولة الروح” (2018) لعبد الإله الجوهري، “كيليكيس.. دوار البوم”(2018) لعز العرب العلوي … هذا بالإضافة إلى مجموعة من الأعمال التلفزيونية كفيلمي “آخر طلقة” (1995) للراحل عبد الرحمان مولين و”الكماط” لزكية الطاهري… ومسلسلات “جنان الكرمة” و”المجدوب” لفريدة بورقية و”خلخال الباتول” لجمال بلمجدوب و”صالون شهرزاد” (2012) من إخراج المصري أمير رمسيس و”دار الضمانة” (2015) لمحمد علي المجبود و”مقطوع من شجرة” (2015) لعبد الحي العراقي … إن تكريم محمد رزين بمهرجاننا الوطني للفيلم، يمكن اعتباره تكريما لجيل من الفنانين الرواد الذين ساهموا في الدفع بعجلة الدراما المغربية إلى الأمام محققة بفضل مجهوداتهم ونضالاتهم تراكما يمكن الإعتزاز به .