بعد ثلاثة أيام من عروض أفلام المسابقة الرسمية للدورة 21 للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة، يمكن القول وبدون مجازفة تذكر أن أهم فيلم من ناحية تكامل عناصره الفنية والجمالية عرض لحدود أمس الإثنين هو فيلم “سيد المجهول” لعلاء الدين الجم. و يتمحور الفيلم حول حكايات تَصُبُّ كلها حول محور ضريح “السيد المجهول”، فهنالك الحكاية الأساسية للص (يونس البواب) الذي يعود لاستخراج مسروقاته التي خَبَّأها في مكان فوق التَّلة وموّهَ عليها بقبر كاذب ليجده بعد عودته وقد صار ضريحا لِوَليّ صالح تُرجَى بركاته من طرف سكان القرية المؤمنين بالخوارق وبركات الأولياء. ثم الحكاية الثانية لطبيب شاب يُعيَّن في مستشفى القرية ليتفاجأ بزيارات نساء فقط اللذين يشتكين من أمراض وهمية ليعطيهن باستمرار نفس الدواء لكل تلك الأمراض. أما الحكاية الثالثة فتجري داخل فضاء حانوت حلاق القرية الذي يؤمن ببركات السيد المجهول ويتصرف مع زبنائه على حسب هذه القاعدة. اعتمد علاء الدين الجم في فيلمه ” سيد المجهول” على الكوميديا السوداء وكوميديا الموقف لانتقاد المعتقدات والأفكار البالية والتي تخلط بين الدين والشعودة وتُؤمن بقدرة الموتى على التأثير في حياة الناس والعباد. وفي المسارات الثلاث نجد هذا الأسلوب الذي يبدو أكثر ظهورا في قصة ومسار الطبيب الشاب. قد يعتبر البعض أن فيلم “سيد المجهول” فيه إساءة للأناس البسطاء وتشهير وسخرية من معتقداتهم لكننا وبالمقابل نظن أن الفيلم يسخر من هذه المعتقدات ويضعها موضع تساؤل ولا يسيء نهائيا للناس البسطاء. ظاهرة عرفها المهرجان هي الأفلام حول التطرف الديني و”داعش” بالخصوص حتى أن البعض عَلَّق ساخرا أن التظاهرة أصبح حري تسميتها ب”المهرجان الوطني لأفلام داعش” عوض المهرجان الوطني للفيلم المغربي، إذ عرضت خلال الأيام الفارطة من المهرجان ثلاثة أفلام تناولت قضية التطرف الديني بشكل مباشر و ظهرت بها أعلام داعش أكثر من مرة هي “رهائن” للمهدي الخوضي و””الطريق إلى الجنة” لوحيد السنوجي و”أوليفر بلاك” لتوفيق بابا. عودة المخرج المخضرم جمال بلمجدوب كانت مخيبة للانتظار إذ جاء فيلمه “إمرأة في الظل” المفروض كونه دراما سيكولوجية غير منضبط نهائيا لقواعد هذه النوعية من الأفلام ، إذ كان سرده مهلهلا وركيكا وظلت الشخوص تبدو غير ذات مصداقية رغم المجهود الظاهر للعيان الذي بذله الممثلون لحمل الفيلم على أكتافهم وعلى رأسهم نادية كوندة ويونس البواب. فيلم “اللكمة” للمخرج محمد أمين مونة الذي كان من بين المخرجين الشباب الواعدين بأفلامهم القصيرة والآتي من “مدرسة ” السينما الهاوية، بَشَّرَ بقدوم سينما تجارية تحترم أبجديات الكتابة الدرامية لكن دون طموح فني كبير، لكن يمكن اعتبار التجاوب الذي لقيه من جمهور قاعة سينما “روكسي” مؤشرا واضحا لكون الفيلم سيلقى رواجا تجاريا وإقبالا جماهيريا كبيرا حين نزوله لقاعات العرض السينمائي التجارية. نجد بالفيلم ذو الطابع الميلودرامي القريب من الأفلام التلفزية كليشيهات تَتَّخذ لها كمرجعية إلى حدود النقل المباشر من سلسلة أفلام “روكي” لسيلفستر ستالون خصوصا الجزء الأول من هذه الأفلام. فهو عبارة عن قصة ملاكم فقير يصعد من القاع إلى نجومية الشهرة ويرافقه مدرب يلعب دوره بتميز الممثل طارق بخاري رغم أن الشخصية تتشابه لحد التقليد مع نفس الشخصية في “روكي”. وبخصصو الأفلام القصيرة يمكننا اعتبار أهم فيلم عرض لحدود يوم أمس الإثنين هو “مداد أخير” لليزيد القادري والذي كتب له السيناريو صحبة أبيه السيناريست المعروف منصف القادري، الفيلم وكما الفيلم السابق للمخرج الشاب مكتوب بشكل جيد ، وفيه نفس وجودي وصوفي لا تخطئه عين المتتبع، وقد يصعُب على فيلم آخر ضمن المسابقة أن يتجاوز عمق طرحه ولغته السينمائية المُتميِّزة وانضباط مخرجه وكاتبه لقواعد الفيلم القصير. الفيلم القصير الثاني الذي خلق بعضا من الاختلاف عن الأفلام القصيرة الأخرى العادية جدا والتي يُطرح سؤال ماهي المعايير التي تم الاعتماد عليها في اختيارها للمشاركة ضمن المسابقة الرسمية هو فيلم “إكزود” لياسين الإدريسي الذي يُحيلنا فضاؤه الأبوكاليبتي على نوعية من الأفلام على رأسها “ماد ماكس” الذي يظهر جليا تأثر الإدريسي به.