احتضنت دار الثقافة ببني ملال، ليلة السبت 11 ماي 2019 ، في إطار فعاليات الاحتفال باليوم الوطني للمسرح،عرضا لمسرحية “الباتول”، لفرقة فانوراميك، من أداء فاطمة الزهراء شتوان، وعبد الحليم بن عبوش، وإخراج محسن زروال، وتأليف نزهة حيكون. اختيار ” الباتول” عنوانا للمسرحية، يحيل على المرأة المغربية التقليدية المحافظة، التي تؤمن بقوامة الرجل/ الزوج، وحقه في استباحة جسدها، واعتباره ملكا له، وهو ما قدمته المسرحية، من خلال بناء كل المشاهد على تقديم معاناة سيدة مغربية سيتم تزويجها قسرا، من مهاجر مغربي مقيم بالديار الفرنسية، فضلت المؤلفة تركه نكرة طيلة مشاهد العرض. بدأت المسرحية بمشهد تتيه فيه الممثلة، تجري هنا، وهناك بحثا عن خلاص من شبح يطاردها، سنكتشف في ما بعد أنه شبح “باسيدي”، الجد الذي يرمز لكل صفات الاستبداد والمحافظة، و التلذذ باحتقار المرأة. يتواصل السرد، وتهاجر الباتول إلى فرنسا، وتجد نفسها محاصرة أكثر بزوج بارد تهمه تفاصيل وتضاريس جسدها، وتحقيق نزواته فقط، وما يرافق ذلك من إهانة وتجريح وعنف. مضامين تم التعبير عنها لفظيا بأساليب مختلفة، ورمزيا من خلال لف ستائر بيضاء على جسديهما، وكل واحد منهما في زاوية من الخشبة تعبيرا عن التنافر، والتباعد بين الزوجين. وفجأة تظهر “ماري” في نافذة مضاءة تعبيرا عن منفذ ضوء جديد، وهي مغربية الأصل وفرنسية الهوى، وفي اختيار هذا الاسم إحالة عل الثقافة الغربية وتحررها، وهذا ما كشفت عنه نصائحها للزوجة، ولباسها، وتسريحة شعرها، واستقبالها لأصدقائها في منزلها دون مركب نقص. سيكون اللقاء مع “ماري” لقاء مع الخطوة الأولى للتحرر بالنسبة للباتول، وبداية المواجهة مع زوجها، ورفض رغباته، وتتجاوز عتبة الباب، بحذاء أحمر، وبكعب عال، تعبيرا عن بداية القفز على السائد، والبحث عن نسيم الحرية خارج منزل لم تر فيه إلا العنف والقمع والاستغلال. سيظهر “عبدو”، المغربي الأصل والفرنسي الثقافة، والمظهر، التقته الزوجة من قبل عند “ماري”، ومن خلال تعامله وتصرفاته، ظهر كشخصية تعي ما تفعل، وتتوفر فيه كل صفات الرجل الذي تحلم به الباتول، ولهذا ستسقط في غرام “عبدو” دون أن تدري، وتتكرر اللقاءات، لكنها ستكتشف فيه وحشا أدميا أخر، لا يهمه إلا النيل من جسدها مهما كان الثمن، وهذا ما سترفضه بسبب تراكماتها النفسية، وعقدتها من الرجل الذي يضع الجنس ضمن أولوياته في علاقته مع المرأة، كانت تنظر رجلا يصغي لآلامها وأحلامها، ولهذا فتحت له بابا على صباها في الدرب، وعن حكايتها مع النافذة، وأبناء الحي، وعن حبها وغرامياتها في الأحلام. والنتيجة أن الباتول طردت من منزل “عبدو” بطريقة مهينة، وعادت منهزمة، ومنكسرة إلى بيت زوجها، الذي صدمته بأنه كانت مع حبيبها، وكررتها مرتين لكي يسمعها جيدا(كنت مع صاحبي). كان أثر الصدمة قويا على الزوج الذي غادر منزل الزوجية، مكتويا بنار غيرة الرجل الشرقي، الذي يتلذذ بتعذيب المرأة، ويرفض أن تتحرر، وتختار بنفسها مع من تعيش، ومع من تتقاسم الفراش واللذة. فرحت الباتول، وأعلنت ميلادها من جديد برقصة على إيقاع الشعبي، وإضاءة خافتة، لكنها فرحة لم تدم طويلا، فالحياة الجديدة مع ماري وضيوفها، أعادها إلى نقطة البداية، وكشفت لها زيف الحرية ولبسها، لتجد نفسها من جديد تائهة، قبل أن يظهر “كريم”، الذي لا نعرف عنه شيئا، وقد يكون حبيبا قديما من الذين أغرمت بهم، وهي طفلة تطل من النافذة في منزل جدتها، هذا الوافد الجديد على حياتها، سينقلها إلى عوالم أخرى، للتحرر بالفكر والثقافة، عوالم أحيت فيها نوستالجيا المنزل الأول، الذي اشتاقت إليه، لكنها ستجد ” باسيدي”، رافضا لعودتها، مصرا على حرق كل ما يربطها به، وبماضيها في ذلك المنزل، وأمام تحديها، وإيمانها بصدق ما تفعله، وتسلحها بالعلم والمعرفة، سيتراجع الجد، ويختفي تدريجيا، لينتهي العرض المسرحي بقتل الباتول بطريقة غادرة، على يد شخصية، لم يكشف عن ملامحها، في إشارة إلى أن تحررها جعلها في المواجهة مع كل الرجال، وضمنهم زوجها الهارب.