كان أول عروض المسابقة الرسمية للفيلم الطويل ضمن الدورة 20 للمهرجان الوطني للفيلم يوم أمس فيلم “صوفيا” لمريم بنمبارك. في فيلمها الروائي الطويل الأول هذا تخيب مريم بن مبارك انتظارات الحركات النسوية ، فرغم أن فيلمها ينطلق في بدايته موهما أنه سينتصر لقضية من تلك القضايا “سطاندار” التي تنال إعجاب وتهليلات هذا التيار إلا أنها وفي وسط الفيلم تقلب الدفة ليصبح سردها أكثر حميمية وشخوصها أكثر مصداقية وأصالة وقربا للواقع ، فالشاب الذي ننتظر منذ البداية أن يكون هو المذنب وشرير الحكاية ينقلب لكونه هو الضحية الحقيقية لكل ما جرى فيما الفتاة التي نتعاطف معها أو نكاد تظهر في الأخير بمظهر المستهترة والمراهقة التي ترفض تحمل المسؤولية والتي ترمي بها على شخص ذنبه الوحيد أنه تعاطف معها ذات يوم. وهذا الجانب في الفيلم هو الذي صنع قوته بحيث يكسر كل أفق انتظاراتنا التي نبنيها ونحن نشاهد الربع الساعة الأولى منه. قد يذهب البعض إلى أن نظرة مريم بن مبارك للواقع المغربي في فيلما هذا اتسمت بنوع من البرانية وكأنها وجهة نظرة آتية من الخارج، لكن يبدو لنا أنها فقط نظرة مختلفة وجديدة بل ميكروسكوبية على أشياء قد تبدو لمن يعيشونها يوميا أنها عادية. الفيلم مكتوب بشكل جيد إذ يتصاعد فيه الصراع الدرامي بالتدريج وبدون تعسف على السرد الفيلمي أو لي لعنق الحكي، وتدع المخرجة بعض المعلومات المهمة في الحبكة الدرامية لتفصح عنها في وقتها ومع إشراف الفيلم على نهايته، إذ لا تعطينا كمشاهدين كل شيء دفعة واحدة كما يحدث كثيرا في السينما المغربية، الأمر الذي يزيد من أهمية أسلوبها في الكتابة السينمائية ويجعلها من بين المواهب السينمائية الواعدة في هذا السياق، وما نيلها لجائزة أفضل سيناريو في فقرة “نظرة ما” بالدورة الأخيرة لمهرجان كان سوى اعتراف مستحق في هذا السياق. التمثيل بفيلم “صوفيا” جاء سلسا وغير متصنع من طرف أغلب الممثلين، على رأسهم فوزي بن سعيدي الذي يجسد شخصية الأب بأقل مجهود ممكن معبرا فقط بتعابير وجهه عن غضب الأب حين تلقي خبر حمل ابنته ثم في سياقات أخرى عن أحاسيس متناقضة بين حبه لها وعدم تقبله لما يجري بعد ولادتها والاستعداد للعرس. وتأتي سارة بيرليس في نفس المرتبة من التشخيص الجيد خصوصا أن المخرجة أسندت لها دورا محوريا في الفيلم وهو شخصية إبنة خالة صوفيا التي تساندها طيلة لحظات الفيلم إلى أن تعرف أن صوفيا كذبت عليها بخصوص المسؤول عن حملها. ويبدو أن هذه السنة هي سنة بيرليس في السينما المغربية كونها أدت دورين آخرين جيدين في كل من “صمت الفراشات” لحميد باسكيط و “بورن آوت” لنور الدين لخماري. أما دور صوفيا فأدته الممثلة الجديدة مها علمي وقد استطاعت إيصال معاناة الشابة بشكل جيد وبغير كثير من الكلام. وكان الفيلم الثاني في الذي عرض في اليوم الأول من المسابقة الرسمية للدورة العشرين للمهرجان الوطني للفيلم هو فيلم “مواسم العطش” لحميد الزوغي. الفيلم مقبول فنيا على العموم وتدور أحداثه في قرية نائية يهجرها رجالها للعمل في فرنسا لتظل النساء وحيدات إلا من وجود شاب مراهق وشيخ معاق ، وبالتدريج ستظهر على أغلب نساء القرية علامات الاشتياق للرجل لتعبِّر كل واحدة عن شبقها بنحو مختلف وعاصف ومندفع في كثير من الأحيان. كل الممثلات في الفيلم كن جيدات في أداء أدوارهن وعلى رأسهن المتميزة دائما راوية، وقد كانت مفاجأة الفيلم هي الممثلة لطيفة أزليف في أول دور لها على الشاشة مؤدية شخصية الزوجة الشابة التي يرحل زوجها للعمل بالخارج مباشرة بعد زواجهما وتحبسها حماتها داخل البيت مانعة إياها من الخروج صحبة النساء الأخريات لتنفجر أنوثتها وشبقها في الشيخ المعاق. مشكلتي الوحيدة مع فيلم “مواسم العطش” أنه يتشابه كثيرا في أحداثه وفي تركيبة كثير من شخوصه مع الفيلم الجميل للمخرج المصري المتميز الراحل رضوان الكاشف “عرق البلح”، فهل يتعلق الأمر ببلاجيا أم بمجرد توارد الخواطر بين كاتب سيناريو الفيلم المغربي والمخرج رضوان الكاشف؟…