“اعلم عزيزي القارئ: أننا لا نخالف المشهور من كلام الجمهور بحثا عن الشهرة، بل بغرض الكشف عن صواب مهجور قد يحدث -في الفكر- ثورة”. تجليات الدعوى … فيوض عبارة: 1* في اللغة : عزيزي القارئ ، و أنتَ تقرأ المتون النحوية التراثية ، لا ينبغي أن تقدس أصحابها أو تنبهر بصنيعهم أو تعظم نصوصهم المستغلقة، ما دامت جماعة من النحاة القدامى كان غرضها من إلباس المادة النحوية لباس التجريد و الإغراب و التعمية، هو الاسترزاق و النفع المادي الدنيوي لا تقريب علم النحو للمتعلمين ،، ولك في الحوار الذي دار بين أبي الحسن –الأخفش الأوسط – و الجاحظ خير مثال على ما أقول، حين سأله عن العلة الثاوية وراء لجوئه إلى الإغراب :” أنت أعلم الناس بالنحو فلِمَ لا تجعل كتبك مفهومة كلها ؟ و ما بالنا نفهم بعضها، و لا نفهم أكثرها ؟ و ما بالك تقدم بعض العويص، و تؤخر بعض المفهوم ؟ فأجابه:- الإجابة الصادمة –أنا رجل لم أضع كتبي هذه لله ، و ليست هي من كتب الدين ، و لو وضعتها هذا الوضع الذي تدعوني إليه، قلت حاجتهم إليَّ فيها، و إنما كانت غايتي المَنِيلة- التكسب المادي- فأنا أضع بعضها هذا الوضع المفهوم ، لتدعوهم حلاوة ما فهموا ، إلى التماس فهم ما لم يفهموا، و إنما قد كسبت في هذه ، التدبير ، إذ كنت إلى التكسب ، ذهبت”. 2* في الشعر: عزيزي القارئ، لا نختلف في كون نازك الملائكة من الأصوات الشعرية و النقدية التي تركت بصمتها الخاصة في الشعرية العربية، لكن هذا الاعتراف ، لا يمنعنا من القول بأن دعواها التجديدية لا تخرج عن كونها دعوى مضمونية ، رامت تكثير القول الشعري/الأغراض، على حساب الثراء الموسيقي الموجود في الأوزان الخليلية الممزوجة التي وأدتها ، لذا فنحن مازلنا في حاجة إلى ثورة شعرية ، من الناحية الموسيقية ، لا الأغراض/المقاصد، كما وقع مع نازك وأنصار النمط التفعيلي ، وهذه الثورة لن تتأتى-في نظري- إلا إذا أعدنا النظر في عروض الخليل ، من منظور حداثي تجديدي لا إحيائي ، و هذه المهمة منوطة بالناقد الموسوعي الملم بالثقافة الموسيقية إلمامه باللغة و الأدب. 3*في الرواية: عزيزي القارئ،هل فكرت مرة و تساءلت من الأقدر على كتابة الرواية ، المرأة أم الرجل؟. طبعا لا،ما دام أن العرف جرى بأن الإبداع أسمى من التصنيف الجنسي ، و إن كان هو بطبيعته أجناسيا . لكن إذا تدبرت خصوصية الكتابة الرواية وجدت أن الرواية المثلى بمفهومها الحق ، – متمنعة على المبدع المذكر طيعة بالنسبة لنون النسوة ، لسبب بسيط ، مرده إلى أن نون النسوة هن الأكثر نبشا في تفاصيل و حيوات الذوات -أفرادا كانوا أو جماعات- ، بحكم طبيعتهن ، و قدرتهن على إدارة الحكي بمفهومه الأدبي لا العامي ، مادام الحكي بالنسبة لهن بمثابة تعويض و تمرد على سلطة المكان و الأعراف التي قيدت حريتهن في التنقل و اكتشاف العالم في بعديه الشيطاني و الخلاق ، و لعل هذا ما يفسر تأنيث الرواية و القصة ، وتذكير الشعر والمسرح ، في ثقافتنا العربية ، كما يتبين أن الروائي الناجح هو من يتذاوت لحظة الكتابة مع هرموناته الأنثوية ، بدرجة تجعله هو هي كما نلمحه بشكل جلي في رواية Madame Bovary لفلوبير، حيث أضحى فلوبير و السيدة بوفاري وجهين لشخصية واحدة، حين اعترف بأنه هي في جوابه على سائله : من هي السيدة بوفاري . 4*في النقد: عزيزي القارئ ، اِحذر من الوقوع في شراك عناوين بعض المؤلفات النقدية المشهور أصحابها لأنها مجرد خدعة مُحتال، و “مكياج” رخيص، يلجأ إليه أدعياء النقد ، ليجملوا جسد / فكرة/رؤية/دعوى متهافتة من حيث الدال والمدلول والدليل، إذ لا تخرج كتاباتهم عن كونها كتابات إنشائية -لا استدلالية- وظيفتها نفخ المحتوى الفارغ وتزييف الحقائق ،مثلها مثل (السيليكونcilicon) الذي تستعيره النساء البشعات المزيفات لتزيين قبحهن و بشاعتهن المركبة ، ذلك أن نقدنا لن يستقيم حتى يجدد نقادنا نظرهم في الشعر ، و يطوروا أدواتهم التحليلية و التصنيفية ، كيما يخرجوا من ضيق الكلام المكرور، و التصنيف الطبقي و الجيلي للشعراء ، إلى سَعة القصيدة و التصنيف الجمالي للإنتاج الإبداعي، وفق إستراتيجيات خلاقة بعيدة عن التكرار الببغائي لمقولات الغير و مراعاة خصوصية القصيدة العربية و فلسفتها الجمالية، حتى لا نحتفي بأراء عرجاء كالتي بثها في الناس طه حسين -عميد الأدب العربي- و طبل لها مريدوه ، حين فهم الشك الديكارتي بشكل مشوه ،فعد الشك غاية في ذاته بينما جعله واضعه وسيلة بموجبها يتم استكناه الحقائق والوصول إليها، جراء ممارسته النقدية الخاطئة و قصوره عن استكناه مقاصد الواضع الذي جعل الشك آلية من آليات الاستدلال، يتوصل بها إلى الصواب. خاتمة المقال …توجيه : هذا غيض من فيض كثير من الأراء المشهورة المشكوك في صدقيتها و التي بموجبها هجرنا كثيرا من القضايا الصائبة ، وضيعنا فرصة إحداث ثورة علمية من شأنها تصحيح مسار الثقافة، فإلام نهاب المشهور من كلام الجمهور و نقدسه؟. إسماعيل علالي