أخبار سعيدة الطائرة الورقية التى هددت مواقع صواريخ العدو العابرة للقارات، كانت تحمل عبر صفحاتها أخبارا صباحية جديدة، إذ بشرت الأطفال والنساء المحاصرين والجائعين بقرب رسو سفينة الألبان –التى يموتون لنقصها- على شواطئ العدو الذى يحاصرهم. القرية والجنون قذف الطفل الكورة إلى أعلى وانتظر، لكن الكورة لم تسقط…. ثلاثون عاما، خمسون عاما، ألف عام…. حين قص على الآخرين قصته اعتقدوا فيه الجنون، صار أضحوكة القرية.. لكن الزمن لم يتوقف طويلا هنا.. فالقرية هى القرية، أما الكورة فقد تغيرت.. ظهرت عليها الحياة.. نمت الطحالب.. الأسماك.. انقسمت الكائنات فوقها إلى برية وبحرية.. ثم ظهرت الرئيسيات، وانقسمت وانقسمت وانقسمت.. وظهر طفل يحمل كورة.. وتدرب وتدرب وتدرب.. حتى استطاع أن يقذفها لأعلى وانتظر.. موسم للنسيان كان يُسْكنّها على عينيه، ثم يقضى الساعات الطوال فى البحث عنها، فى البداية كانت تجن، تبعثر الآشياء من حوله، تنفض الضوء لتبعد عنه الغبار، لمساعدته فى رحلة البحث… لكنها بعد مدة ملت أفعاله واعتادتها فاكتفت بالحياد، خاصة بعد أن كتب له الطبيب (برشامة) يبلعها كل صباح لتساعده فى العثور عليها. حجرة ضيوف فى الصالون، علق النجفة، وصورة الزفاف، ولوحة لمركب يعبر نهرا هائجا.. وأغلق بابها فى انتظار الضيف.. فى النهاية، كل من يدخل الحجرة يشده صورة العجوز الملتصقة بسارى مركب يقودها هيكل عظمى لرجل وسط شلالٍ من الضوء يجرى كأنه نهر من المياه. مرآة تنتظرنى كل صباح لأطارد بقعة الضوء التى تعكسها على حائطى المقابل لها، والتى لم أفلح يوما فى الإمساك بها رغم أنها تتحرك ببطء شديد على الحائط، وتظل معلقة عليه وقتا يسمح للآخرين أن يلمحوا فشلى ويسجلوه فى كتبهم نفوس يوما ما ، ذهب رجل إلى السوق ليشترى بضاعة، فما وجد فى السوق إلا النفوس المريضة الضعيفة، فلم يشتر وعاد إلى بيته حزينا.. سألته زوجته -حين رأت حالته هذه- عن سبب حزنه وعدم شرائه بضاعة، فقال لها إنه لم يجد سوى النفوس المريضة الضعيفة والتى لن تتحمل بضاعتها عناء الدنيا فتَفْسد وتُفْسد الصالح.. عرف الحزن طريقه إلى قلب زوجته، ولكنها قالت له: أصبر فإن الله مصلح الأحوال إن شاء الله.. ونام يفكر فى الأمر، فأتاه فى منامه من قال له إنّه يمكنه أن يشترى من السوق هذه النفوس ويطعمها من هذه الشجرة، وأعطى له العلامة لتَصلح وتُصلح.. ومن يومها الرجل يذهب إلى السوق يشترى من النفوس الضعيفة المريضة ما يحتاج إليه ويطعمها من شجرة العلم فيصحوا ويَصْلُحوا ويُصْلحوا. ماهر طلبه-مصر