رغم مرور عام كامل على جريمة قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بمدينة إسطنبول التركية، إلا أن الأوساط العالمية ما زالت تسأل عن مكان جثمان خاشقجي. ولم يتمكن خاشقجي من الخروج من مبنى القنصلية السعودية بإسطنبول، بعدما دخلها يوم 2 أكتوبر 2018، لإتمام إجراءات عقد الزواج من خطيبته التركية. ولعل جريمة قتل خاشقجي وتقطيع جسده، كانت من أهم القضايا التي ألقت بظلالها العام الماضي، على أجندة تركيا والعالم بأسره. وبفضل جهود الأجهزة القضائية في تركيا والتحقيقات الدقيقة التي جرت حول الجريمة، أُجبرت السلطات السعودية على الاعتراف بمقتل خاشقجي، لكن مكان الجثة ما زال غامضا ولم يتم اكتشافه. – التقرير الأممي: رغم التوصّل إلى العديد من المعلومات حول كيفية مقتل خاشقجي ومكان الجريمة وتوقيتها، إلا أنه لم يصدر أي تصريح حول مكان الجثة، رغم مرور عام كامل على الجريمة. وقالت مقررة الأممالمتحدة الخاصة بالإعدام خارج نطاق القضاء، أغنيس كالامار، إن طريقة قتل خاشقجي مخالفة لاتفاقية مناهضة التعذيب الموقعة من قِبل المملكة العربية السعودية، وإن اختفاء الجثة يشكل دليلا واضحا على القتل القسري. وقامت نيابة إسطنبول بمتابعة تفاصيل الجريمة بدقة متناهية، وأخذت إفادات العاملين في القنصلية السعودية، والتقى النائب العام السعودي سعود المعجب مع النائب العام في إسطنبول عرفان فيدان لمدة ساعة و15 دقيقة يوم 29 أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي. وأجرت مجموعة العمل المشتركة بين تركيا والسعودية تفتيشا في مبنى القنصلية السعودية ومنزل القنصل بإسطنبول، إلا أن الجانب السعودي لم يسمح للفريق التركي بإجراء تفتيش داخل بئر في منزل القنصل العام. – خاشقجي مات خنقا وقطّعت جثته أطلقت النيابة العامة في إسطنبول، تحقيقا حول مقتل خاشقجي، على يد فريق اغتيال سعودي مكون من 15 شخصا بينهم رجال أمن واستخبارات وخبير في الطب الشرعي. كما واصلت النيابة العامة تحقيقاتها حول كيفية التخلّص من جثة خاشقجي بالكامل، وذكرت في بيانها تفاصيل مقتل الصحفي السعودي. وفي هذا السياق قالت نيابة إسطنبول: « خاشقجي قُتل خنقا، وتم تقطيع جسده وفقا لخطة مرسومة مسبقا ». – اعترفوا بقتل خاشقجي المتحدث باسم النيابة العامة السعودية شعلان الشعلان، كشف نتائج التحقيقات التي أجرتها بلاده في مؤتمر صحفي بالعاصمة الرياض، يوم 15 نوفمبر/ تشرين الثاني العام الماضي. وقال الشعلان إن أحد المتهمين قام بتعطيل كاميرات المراقبة في القنصلية، وأنه تم تقطيع جثة خاشقجي ونقلها إلى خارج المبنى وتسليمها إلى متعاون محلي. وأضاف الشعلان أنه تم إحالة 11 متهما من أصل 21 مشتبها إلى المحكمة. وقامت بعض وسائل الإعلام يوم 30 ديسمبر/ كانون الأول، بعرض مشاهد قيل إنها عائدة لعملية نقل جثة خاشقجي من مبنى القنصلية إلى منزل القنصل. ولم يصدر حتى اليوم من السلطات في السعودية، أي بيان أو تصريح عن مصير جثة خاشقجي. – هل تمت إذابة الجثة بمادة الأسيد؟ هناك العديد من الادعاءات دارت حول كيفية التخلص من جثة خاشقي، ومن هذه الادعاءات، إذابة الجثة بمادة الأسيد، ونقلها بعد ذلك إلى السعودية ودفنها في مكان ما. وادعاء آخر يقول إنه تم التخلص من الجثة عبر إحراقها. العديد من الكتّاب والنشطاء العالميين، بدأوا يصرّون على معرفة مصير جثة خاشقجي، حتى أن هذا التساؤل بات يطغى على التصريحات التي تصدر حول الجريمة. – أوصى بأن يُدفن في المدينةالمنورة الأكاديمي والمفكر السياسي المصري، سيف الدين عبد الفتاح، طرح في 20 أكتوبر/تشرين الأول 2018، تساؤلا عن مصير جثمان الكاتب السعودي: »لماذا نفت السلطات السعودية أكثر من مرة مقتل خاشقجي؟ أين جثة الرجل؟ لمَ تأخرت الرواية (شجار أدى إلى الوفاة) أسبوعين (منذ اختفائه)؟ ». أمّا الإعلامي السوري موسى العمر، فتساءل عن مصير الجثمان، قائلًا: « أين جثة جمال خاشقجي ؟ ليدفن بالبقيع (مقبرة بالمدينةالمنورة) كما أوصى ». من جهتها، تهكمت الإعلامية اللبنانية نجلاء أبو مرعي، على الرواية السعودية متسائلة « توفي نتيجة شجار؟ أين جثة جمال خاشقجي؟ ». فيما، غرَّد الصحفي اليمني حمدي البكاري، مطالبًا بالإجابة عن « السؤال الدي يطرحه الجميع: أين هي جثته؟ ». الرأي العام العربي كرّر مرارًا سؤال « أين الجثة »، والمزاعم التي وردت في اعتراف حكومة الرياض، بشأن عدم معرفة مكان جثة خاشقجي، فقدت مصداقيتها. وإلى جانب أسرته ومحبيه، ينتظر الرأي العام العالمي العثور على جثة الصحفي السعودي الذي قُتل بوحشية في سن ال60، ودفنها. وفي 26 أكتوبر 2018، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إنه من الواضح للعيان أن خاشقجي قُتل، ولكن أين هي الجثة، « عليكم أن تكشفوا عنها ». وفي الفترة ذاتها، طالب رئيس جمعية بيت الإعلاميين العرب في تركيا، طوران قشلاقجي، السلطات السعودية بالكشف عن مكان جثة الصحفي جمال خاشقجي، بعد إقرارها بمقتله داخل قنصليتها بإسطنبول. وقال قشلاقجي: « نعم العالم بات يدرك أن الجثة ربما جرى تقطيعها أو تحللت بطريقة ما، ولكن مهما يكن، أبناؤه يريدون أن يكون هناك قبر لوالدهم، وأصدقاؤه يريدون أن يكون هناك قبر لجمال ». وتابع مخاطبا السلطات السعودية: « سلمونا الجثة، فهذا مطلبنا في جمعية بيت الإعلاميين العرب في تركيا، نعم لقد اعترفتم (بمقتله)، نحن كأسرته وأصدقائه نطالب بجثة جمال ». ونظم عدد من زملاء الصحفي السعودي والناشطين مؤتمرًا صحفيًا أمام السفارة السعودية في العاصمة البريطانية لندن، للمطالبة بالعثور على جثة خاشقجي، ومحاسبة المسؤولين عن الجريمة. مدير موقع « ميدل إيست مونيتور » البريطاني داوود عبدالله، طالب في 30 أكتوبر، السلطات السعودية بالكشف عن مكان الجثة وتسليمها، وقال إن من حق جمال أن يدفن بكرامة. بدورها قالت خطيبة خاشقجي خديجة جنكيز، في تصريحات للإعلام الأمريكي، « لا نعلم أين مكان جثة جمال، وليس هناك تصريح في هذا الشأن، ولم تقم مراسم تشييع حتى اليوم. هذا لا يمكن قبوله في الإسلام ». المسؤول الإعلامي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومكتب أمنستي الإقليمي في بيروت محمد أبو نجيلة، دعا إلى « الكشف عن مكان جثة خاشقجي ». نائب المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، روبرت بالادينو، طالب بتحديد مكان جثة الصحفي جمال خاشقجي. مشددًا على ضرورة إعادتها إلى أسرته لدفنها في أسرع وقت ممكن. وفي 2 نوفمبر 2018، كتب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مقالًا لصحيفة « واشنطن بوست » الأمريكية، تحت عنوان « ما يزال أمام السعودية الكثير من الأسئلة لتجيب عنها بشأن مقتل خاشقجي ». وقال أردوغان: « بعد شهر من مقتل خاشقجي، ما زلنا لا نعرف أين هي جثته، وعلى الأقل فإن الرجل يستحق أن يدفن بطريقة لائقة، بموجب التعاليم الإسلامية ». ابنا الصحفي السعودي صلاح وعبد الله خاشقجي، قالا في مقابلة مع قناة « سي إن إن » الأمريكية يوم الخامس من نوفمبر الماضي: « عائلتنا لن تعلن الحداد ولن تنسى القضية ما لم يتم تسليم جثمان الوالد لنا ». ويوم 16 نوفمبر الماضي، تمت إقامة صلاة الغائب على روح خاشقجي، في مسجد الفاتح بمدينة إسطنبول. ويوم 26 نوفمبر قامت الشرطة التركية بتفتيس فيلا في قرية سامانلي بولاية يالوفا. وذكر تقرير مديرية أمن إسطنبول حول مصير جثة خاشقجي، أن مبنى القنصلية السعودية في إسطنبول يحتوي على بئرين للماء وموقد يعمل على الغاز والحطب، وأنه في حال تشغيل الموقد بالطاقتين المتوفرتين فإن درجة حرارة الموقد يصل إلى 1000 درجة مئوية وعند هذا المستوى من الحرارة لن يبق أي أثر للحمض النووي لأي جسم كان. وأضاف التقرير أنه في يوم الجريمة دخل مبنى القنصلية فريق الاغتيال المكون من 15 شخصا ومن بينهم خبير الأدلة الجنائية والطبيب الشرعي في وزارة الداخلية السعودية صلاح محمد الطبيقي (47 عاما)، والحاصل على شهادة البكالوريوس في علم « تحليل الحمض النووي من العظام ». مضيفا أن هذا الشخص لديه الخبرة لمعرفة إمكانية بقاء الحمض النووي على العظام المحروقة. ووفقا للتقرير، فإن فريق الاغتيال جلب من إحدى المطاعم الشهيرة 32 وجبة من اللحم غير المطهية عقب مقتل خاشقجي، « وهذا الأمر يثير العديد من الأسئلة حول ذلك، هل كان طهي اللحوم في الموقد جزءا من الخطط التي تم إعدادها؟ بالتأكيد ستتم الإجابة عن هذا السؤال، فعمليات التحقيق لم تنته بعد ». -ادعاءات حرق الجثة وإذابتها بمحلول خاص ذكرت بعض الأخبار المنشورة في وسائل إعلامية عالمية وتركية حول جثة خاشقجي أن أكياسًا يُعتقد بأنها تحتوي على أجزاء جثة الصحفي السعودي، نُقلت إلى مقر إقامة القنصل السعودي، وتم إحراقها في فرن كبير موجود في حديقة المنزل. وأشارت الأخبار المذكورة إلى العثور على بقايا من حمض الهيدروفلوريك ومواد كيميائية خاصة، وأن هذه الأدلة تظهر أنه تم التخلص من جثة خاشقجي بالكامل. بعض الأخبار المتعلقة بمصير الجثة، نقلت أن الجهات المختصة تركز بناءً على فحوص الطب العدلي لعينات من مجاري مقر القنصل على إمكانية تحويل جثة خاشقجي إلى حالة هلامية قريبة من الحالة السائلة بواسطة مواد كيميائية خاصة، ومن ثم إلقائها في مجاري الصرف الصحي والتخلص منها نهائيًّا. أخبار أخرى ذكرت أن فريق الاغتيال السعودي حقن خاشقجي، بعد قتله خنقًا، بمادة تؤدي لتخثر الدم داخل الجسد للحيلولة دون تشكل بقع دم في القنصلية تحسبا لإجراء تفتيش فيها، وأن الفريق قطع جثة خاشقجي واستخدم مواد كيميائية من أجل التخلص تمامًا من الجثة.