كان المغاربة قبل الاستعمار يتميزون بعادات غذائية بعضها مايزال حاضرا إلى اليوم واُخرى اندثرت وقد يراها البعض غريبة من قبيل أنهم (خاصة الفقراء منهم) كانوا معظم الوقت نباتيين يعتمدون في نظامهم الغذائي على ما تجود به الأرض، ولا يتناولون اللحم سوى في المناسبات. في كتاب بعنوان « المغرب النباتي.. الزراعة والأغذية قبل الاستعمار »، يفسر أستاذ التاريخ الاجتماعي وعضو الشبكة الدولية للمعهد الأوروبي لتاريخ الأغذية، المغربي محمد حبيدة، أسباب اعتماد النظام الغذائي للمغاربة في السابق أساسا على النباتات، كما يقدم مجموعة من المعلومات التي ترسم صورة عن العادات الغذائية للمغاربة في فترة ما قبل الاستعمار. « نباتية عفوية ».. فرضتها الظروف يقول المؤرخ المغربي إنه « قبل البنيات الصناعية الحديثة التي أدخلها الاستعمار الأوروبي في القرن العشرين، كان سكان المغرب يعيشون، بصفة رئيسية، من الحبوب والقطاني والخضر والفواكه وزيوت الزيتون وأركان ». وفي وصفه لهذا النظام الغذائي يستعمل حبيدة مفهوم « النباتية العفوية » الذي استعمله السوسيولوجيان البريطانيان ألان بيردسوورث وتيريزا كايل، « كونها خالية من أي تصور طبي أو بيئي أو أخلاقي ». وإذا كان النظام النباتي في الوقت الحالي « اختيار »، فقد كان في الماضي « ضرورة »، ذلك أن « قساوة البيئة وضعف مستوى العيش وتواتر المجاعات جعلت أهالي المدن والبوادي على السواء في السهول والجبال والواحات، يكتفون بطعام مكون من حبوب ونباتات ». ذبائح بعدد الأبناء والنساء تبعا لذلك فلم يكن غالبية الناس، خصوصا الفقراء، يتناولون اللحم سوى في المناسبات، خاصة عيد الأضحى، إذ يذكر الكتاب بهذا الخصوص أن تلك المناسبة منحت عموم الناس فرصة أكل اللحم بمن فيهم الفقراء « لأن العادة كانت تقضي بأن يتصدق الميسورون على المحتاجين بكميات من الأضحية ». ومن المعلومات التي يشير إليها المصدر في السياق نفسه أن « الأغنياء كانوا يذبحون الأكباش بعدد ما لديهم من نساء وأطفال »، كما يقدم هنا شهادة لجورج هوست تعود إلى القرن الثامن عشر بخصوص مدينة فاس، جاء فيها أن « عدد ما كان يذبح من الخرفان يناهز الأربعين ألفا ». الكسكس.. وجبة كل يوم في الوقت الذي يرتبط طبق الكسكس لدى المغاربة حاليا بيوم الجمعة، فإن كتاب حبيدة يذكر أن الناس في الماضي كانوا يأكلونه كل يوم، وخاصة في المساء، إذ كان تحضير هذا الطبق يستلزم وقتا طويلا، يقارب الأربع ساعات « من صلاة العصر إلى مغيب الشمس ». وفي إشارة إلى أصل هذا الطبق، يذكر المصدر أن « هذا الطعام متجذر في التاريخ والثقافة، في البوادي والمدن على السواء، من منطقة طرابلس إلى سهل الحوز، مرورا بالمغربين الأدنى والأوسط، وذلك منذ عصر ما قبل الإسلام » بحيث « أظهرت الأبحاث الإثنوغرافية حضور الكسكاس، الآنية الضرورية لتحضير هذا الطعام، في مدافن رؤساء القبائل الأمازيغية منذ القرن الثالث ». مائدة الطعام.. الرجل أولا « عند الأكل كان هو رب المائدة والآكل الأول » يقول حبيدة في إحدى صفحات كتابه، في إشارة إلى إحدى العادات القديمة التي تعكس الامتياز الذي كان يحظى به رب الأسرة عند الأكل. ف »المائدة المغربية قبل الأزمنة الحديثة مائدة ذكورية بالأساس »، يوضح المؤرخ المغربي، حيث كانت « المرأة تحضر الأكل ولا تشاركه مع الرجل ». وقد « جرت العادة في جل البيوت أن يمر الأكل بعد شبع الرجل، إلى الأطفال الذين لا يأكلون أبدا صحبة أبيهم أو حتى أمامه. أما المرأة فتأكل بقايا الطعام الذي تركه الرجل، وحتى ما تركه الأبناء ». *المصدر: أصوات مغاربية