يعاني النباتيون في المغرب من صعوبات كثيرة في مجتمع تعتبر فيه اللحوم مكونا هاما في الأطباق اليومية. ولا تزال الثقافة الاجتماعية المغربية تنطوي على أحكام ونظرة سلبية لمن اختار نظاما غذائيا نباتيا. ويمتنع النباتيون عن تناول اللحوم وكل المشتقات الحيوانية. و تختلف دوافعهم وراء هذه الخيارات الغذائية إما لأسباب صحية، أو انطلاقا من قناعات فكرية لا تقبل أي اعتداء على الحيوانات والتسبب في إلحاق الضرر بها. معاناة واحدة.. ودوافع مختلفة الشابة "مارية معتمد" طالبة جامعية، تقول في حديث ل دوتش فيليه عربية إنها وجدت صعوبات كثيرة لكي يقبل محيطها الاجتماعي قرارها باتباع نظام غدائي نباتي، وتضيف مارية: "تلقيت ردود فعل ساخرة ومستغربة من عائلتي وأصدقائي لأنهم يظنون أن اللحم مكون ضروري جدا في غدائنا، وعبروا لي عن خشيتهم على صحتي بعد الامتناع عن تناول كل المشتقات الحيوانية، ولكن العكس الذي حصل ارتحت كثيرا صحيا في هذا النظام الغذائي". وقررت مارية أن تتبع نظاما غذائيا نباتيا لأنها لا تريد أن تكون جزءا من "المعاناة الفظيعة" التي تقول إن الحيوانات يتعرضون لها يوميا في المسالخ والمجازر. وترى مارية أنه يجب التوقف عن إلحاق الأذى بهذه الحيوانات، لأنه "يمكن العيش بشكل أفضل للغاية دون الحاجة إلى بروتينات من مصادر حيوانية، ويمكن تعويضها بأخرى من مصادر نباتية "، بحسب رأيها. موضة النباتية وصلت أيضا إلى فئات اجتماعية أخرى كالفنانين والنجوم. الممثلة المغربية أسماء الخمليشي معروفة باتباعها لنظام غدائي نباتي وبدفاعها عن هذه الفئة الاجتماعية، وتقول الخمليشي في حديث ل دوتش فيليه عربية إنها اختارت هذا النظام الغذائي لأسباب صحية بالأساس، بعد أن اطلعت على كتب وأبحاث كثيرة في هذا الموضوع. وتقول إن هذا النظام الغذائي "جعلني والحمد لله أتمتع بصحة جيدة ورشاقة و شباب متجدد ، وراحة نفسية جيدة، وأنصح به كل الناس". ولا تخفي الممثلة المغربية الشهيرة أن خيارها الغذائي يسبب لها حرجا خصوصا في المناسبات الاجتماعية و والولائم العائلية. وتقول إنها صارمة في حياتها الخاصة في اتباع نظامها الغذائي المفضل، ولكن لا تمانع في كسره في بعض المناسبات الاجتماعية احتراما لتقاليد الضيافة والأعراف المغربية. مجتمع افتراضي للنباتيين منتصر الإدريسي شاب مغربي اختار أن ينضم لمجتمع النباتيين منذ سنوات. وأسس أول مجموعة على فيسبوك خاصة بالنباتيين المغاربة. يرى منتصر أن مجتمع النباتيين المغاربة بدأ يكبر تدريجيا رغم العقبات الاجتماعية. ويضيف في اتصال ب دوتش فيليه عربية أن الشباب المغربي: "الذي اختار أن يكون نباتيا في حاجة اليوم إلى جمعية وطنية على أرض الواقع تمثلهم ، وتقوم بالمساعدة والتوعية في المجال الغذائي والتوازن الصحي"، ويضيف أن الشبكات الاجتماعية ساعدت كثيرا من النباتيين في التواصل فيما بينهم ومساعدة بعضهم البعض في إيجاد بدائل غذائية ملائمة. ويرى منتصر أنه لا يجب على النباتيين التعاطي مع هذا الموضوع من "منظور أخلاقي وتقديم دروس للناس"، لأن تعامل المجتمع يتغير تدريجيا وبدأ يتفهم الاختيارات الغذائية للنباتيين. ّّ في ظل غياب دراسات وإحصائيات متعلقة بالنباتيين المغاربة، يكتفي هؤلاء بالنشاط الافتراضي في مجموعات على الشبكات الاجتماعية أغلبها متخصص في التوعية ومساعدة النباتيين الجدد في طريقة إعداد وجبات منزلية نباتية، وتبادل أسماء وأماكن وجود مطاعم تقدم وجبات نباتية، إضافة إلى تنظيم رحلات جماعية وحشد رواد الشبكات الاجتماعية ضد ما يرونه اعتداء على الحيوانات. ويرى الباحث المغرب محمد حبيدة مؤلف كتاب "المغرب النباتي" أن سكان المغرب قبل فترة الحماية الفرنسية كان نظامهم الغذائي نباتيا وكان غداؤهم الأساسي مكون من الحبوب والخضروات والفواكه". ويضيف "حبيدة " أن هذه الأطعمة النباتية رغم أنها كانت تعتبر من علامات الفقر، إلا أنها حافظت من الناحية الفسيولوجية على الكمال الغذائي الحيوي للمغاربة عبر التاريخ". مطاعم خاصة بالنباتيين شهد المغرب في السنوات الأخيرة تزايد الوعي بهذا الموضوع وظهرت مطاعم خاصة بالنباتيين في مجموعة من المدن كالدار البيضاء ومراكش، و ترى " ماجدة " وهي شابة مسؤولة في مطعم متخصص في الطبخ المغربي التقليدي بمراكش، أنها لا تجد أي مشاكل مع طلبات الزبائن النباتيين لأن"، المطعم يوفر ضمن قوائم الطعام أطباقا نباتية خاصة ، مثل الطاجين النباتي و المقبلات النباتية وغيرها "، وتضيف المتحدثة في حديث ل دوتش فيليه عربية أن طلبات الزبائن النباتيين تختلف باختلاف أصنافهم، فهناك من يعتمد نظام نباتي خالص وبعضهم لا مانع لديه من استهلاك السمك وبعض المشتقات الحيوانية الأخرى، وترى أن من بين كل عشرين زبونا لمطعمها يكون غالبا أربعة منهم نباتيين. بالمقابل يرى محمد ماساي رئيس جمعية تامونت لبائعي اللحوم بمنطقة طاطا بجنوب المغرب، أن موجة النباتية في المغرب "غريبة علينا و لا تجد صدى واسعا في المجتمع المغربي المعروف باستهلاكه للحوم بكثرة "، ويتهم ماساي النباتيين المغاربة أنهم لا يساهمون في الاقتصاد الوطني بمقاطعتهم للحوم والمشتقات الحيوانية. ويضيف المتحدث في اتصال بدوتش فيليه عربية: "من حق النباتيين الامتناع عن تناول اللحوم من باب الحرية الفردية، ولكن أعتقد ان ذلك يؤثر على صحتهم وسيقلل من طاقتهم وسيضعف مجهودهم و مردوديتهم". وردا على انتقادات بعض النباتيين بخصوص التسبب في إلحاق الأذى بالحيوانات والاعتداء عليها ، يقول ماساي إن ذبح الحيوانات "لا يكون بنية الاعتداء عليها بل هو أمر حلال وجائز وفق الضوابط الواردة في ديننا الإسلامي ولا نعتبره من الممنوعات بل هو من سنة الأنبياء والرسل ولأنه من مصادر عيش الناس". ويرى مختصون أن استشارة الطبيب أمر ضروري قبل الإقدام على أي قرار يهم تغيير النظام الغذائي خصوصا للذين يعانون من الأمراض المزمنة والحوامل.