إسمي عدنان، سقط رأسي على وجه البسيطة منذ ست و عشرين سنة شمال القارة السمراء إفريقيا، ببلد يُسمّى المغرب، و تحديداً بمدينة طنجة أقرب نقطة لأوربا، و المكان الذي بدأت منه الفتوحات الإسلامية التي صنعت حضارة الأندلس و القارة العجوز ككل، مجاز في القانون و في تسيير المقاولات، و على وزن هذا التناقض وجدت نفسي أعمل بشركة للنقل البحري، أملك تأشيرة شنغن الأوروبية منذ أيّام قليلة و سأسافر بعد أسبوع و بضعة أيام، و لا أعلم أ مشروع سائح أنا أم مشروع مهاجر !! في قلب كلّ واحد منّا توجد نافذة لا تُفتح إلّا حين نمتلك تأشيرةً تمنحنا الحق في زيارة أكثر من 40 دولة، أو حين نقتني تذكرة سفر لدولة لم نكن نفكِّر يوماً في زيارتها، وحين تُفتح هاته النافذة يتسرّب من خلالها نور السعادة للقلب فيشعّ حياةً من جديد، خصوصاً حين تكون مواطناً عربياً لا تزال تخلط بين حقّك و حُلمك.. فتصبح التأشيرة بالنسبة لك كمصباح علاء الدين. رحلتي هذه ستمتد -على أقل تقدير- لثلاثة أسابيع كاملة، بحقيبة ظهر واحدة لا تتجاوز حمولتها عشرة كيلوغرامات فقط، و إلاّ سأضطر للتخلّص من كل كيلوغرام زائد قبل ركوب الطائرة، و هو ما جعلني أقضي أكثر من أسبوع في إختيار الملابس و توضيب الحقيبة و جمع كل ما يلزمني لهاته الأسابيع الثلاث، حقيبتي هاته ستكون بيتي الثاني خلال الرحلة، و قد جمعت ما يكفي من المعلومات لجعلها كذلك، قرأت عن توضيبها و جمع مستلزماتها في مجموعة من المنتديات العربية و العجمية، و قد أجزم الآن أنها كاملة شاملة لا ينقصها إلّا إشارة الإنطلاقة. يصاحبني خلال هاته الرحلة « شُعيب » زميل المقاعد الدراسية و صديق أجمل فترات الصبى، عرضت عليه مرافقتي بشكل عابر، فلم أكن أتصوّر أن أحداً سيرافق مجنوناً مثلي، خصوصاً بعد ما فرضت عليه أن يؤكد مرافقته لي خلال يومين لا أكثر، لكنه كان أكثر جنوناً مني و وافق قبل مرور تلك اليومين، وجهتنا الأولى هي مدريد، عاصمة إسبانيا، و رغم أننا لا نعرف من الإسبانية إلا كلمات معدودة، و هذه أول زيارة لنا لإسبانيا عموماً، قررنا زيارتها من أجل سواد عيون ريال مدريد، و حتى نشاهد الكأس الأوروبية العاشرة. إتفاقنُا على السّفر كان سهلاً سلساً و صعباً معقّداً في آن واحد، سنزور ثلاث دول أوروبية و نحن لا نملك ما يكفينا من المال لذلك و لا من المعلومات كذلك. فإتفقنا على الإقتصاد في جميع المصاريف، و إتفقنا على النوم في الشوارع إن إقتضى الأمر ذلك.. و إتفقنا على كيفية تسيير إختلافات الرأي، و إتفقنا على أهم الأشياء التي لن يتنازل عليها الواحد منّا.. ثم إتفقنا على أشياء لا تعنينا و أشياء أخرى لا نعنيها، و إتفقنا على أشياء كنّا متأكدين أننا سننساها. لكن إتفاقنا الوحيد الذي كان واضحاً هو مواجهة مصيرنا المشترك و ألا ننفصل خلال نصف الرحلة فقط، و بعدها، كلّ يغنّي على ليلاه .. و على ذلك تم الإتفاق و حددنا موعد الإنطلاق.