حتمت مكانة التعليم و أهميته على بوادي سوس الإهتمام منذ القديم بكل ما يتعلق بالتعليم وبالمدارس وبالعلماء، رغم التحديات والأوضاع السياسية والإقتصادية الغير التابثة والفقر و الأوبئة…هذا الإهتمام الذي مكن من رسم الخارطة المستقبلية للإنسان السوسي. وبفضل علماء أقحاح حملوا لواء العلم واستنار بهم العباد في ظلمات الجهل. في القرن الثامن عشر وبقبيلة « إيسي » بالمرتفعات الواقعة الى الجنوب الشرقي من تافراوت بزاوية أفيلال، حيث أسست المدرسة الحضيكية المنتسبة الى الإمام الحافظ محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن سليمان الترسواطي الشهير بالحضيكي. ذكر المختارالسوسي أنه نسب مدرسة أفيلال للحضيكي بقوله في المعسول :((هذا الرجل الذي نسبنا إليه مدرسة أفِيلال من إيسي طبقة وحده هِمَّة وإرشادا وتَحصيلا وورعا، فقد قام بالتأليف وبالتدريس وبتربية المريدين قياما يعز نظيره إلى أن توفي عام (1189ه)، فكانت مدرسة أفِيلال ميدانه وميدان أولاده إلى أن انقرض الْجد والتحصيل في الأسرة بعد صدر هذا القرن الرابع عشر.)). الإمام الحضيكي من أبرز أعلام المالكية بالقطر السوسي الذين لهم إسهام كبير في العلم و الفكر في القرن الثامن عشر. ولد بقرية تارسواط في أسرة علمية معروفة بالصلاح والورع، تلقى تعليمه الأولي بزاوية أحمد اوموسى بتازروالت، وأتم حفظ القرآن الكريم على يد الشيخ عبد الله الكرسيفي، ثم تاقت نفسه للرحلة في طلب العلم فتجول للأخد والتلقي عن فطاحل علماء زمانه ثم شد الترحال الى الشرق، حيث أخد عن علماء الحجاز واليمن والهند والشام ومصر ومن علماء فاس، كل هذا ذكر بالوصف والتفصيل في رحلتة الحجازية وفي طبقاته التي دوّن فيها أسماء وتراجم الشيوخ الذين أخد عنهم وقد تجاوزوا الخمسين شيخا. بعد رحلته العلمية تفرغ الإمام الحضيكي للتدريس والتأليف بزاوية أفيلال التي صارت مقصدا لطلبة المغاربة من كل المناطق، وإعتنى بتدريس الحديث النبوي الشريف و رواية أصوله بالإسناد المتصل وهو من أوائل من أدخلوا رواية صحيح البخاري الى المغرب فقد أخد صحيح البخاري سمعا وإجازة كما إعتنى برواية الموطأ وبشروحاته وقد أخد عنه العديد من طلبته الذين ذكرهم في مناقبه. بالإضافة الى التدريس والفتوى التي تبرز مكانة الإمام الحضيكي في إهتمامه بما هو إجتماعي وإسهامه في الأعمال النفعية لصالح العام وبفض النزعات وإستتباب الأمن بإصلاح ذات البين بين القبائل. كما عرف بمواقفه المتشددة تجاه الممارسات البدعية والشركية المخالفة للسنة المطهرة فالشيخ الحضيكي مشبع بالروح التصوف السني، وقد ذكر الجشتمي في كتابه الحضيكيون طابع الحضيكي الصوفي بقوله (كان رحمه الله متقلل من أموال الدنيا ما استطاع فلم تكن له بقرة ولا دابة ولا شاة ولا إشترى ببوادي ايسي شرية). قال عنه احد تلاميذته كان آية من آيات الله في حفظ السيرة النبوية والتنقيب على أحوال الصحابة والسلف الصالح يوشح مجالسه بذلك. كان تصوفه سنيا وإن إختلطت في زمانه الشعوذة والإنحرف بالكرامات، توفي رحمه الله مخلفا مكتبة ضخمة لما عرف عليه بتأليف ونسخ الكتب من كتبه (مناقب الحضيكي)، في تراجم شيوخه وشيوخهم وتلاميذه ومن لقيهم في أسفاره، مرتب على الحروف، لم يكتب له مقدمة ولا خاتمة ولم يسمه، وسماه بعض تلاميذه (المناقب). ومن كتبه مخطوطات كثيرة متفرقة، منها (شرح الرسالة القيروانية)، و(الرحلة الحجازية)، و(مختصر الإصابة)، و(شرح نظم العلوم الفاخرة للرسموكي)، و(حاشية على البخاري)، و(شرح بانت سعاد)، و(التعليق على سيرة الكلاعي)، و(شرح الطرفة في اصطلاح الحديث)، و(شرح الغنية لابن ناصر)، و(مجموعة إجازات أشياخه)، و(فهرسة) صغيرة، و(مجموعة في الطب)، و(شرح القصيدة الشقراطيسية)، و(حاشية على الشفاء)، و(رسالة في آداب المعلم والمتعلم)، و(طبقات علماء سوس)، و(كناشة). هذا مختصر عن المدرسة الحضيكية و عن شيخها الإمام الحضيكي رحمه الله الذي لم ينال المكانة التي يستحقها في عدم الإهتمام بإنتاجاته و مؤلفاته العلمية والمخطوطات التي لازالت محبوسة في أيدي بعض أحفاد الشيخ ولم تُخرج للتحقيق في البحوث العلمية.