بهدف جعل القانون الجنائي المغربي منسجما مع التشريعات الدولية، ومحاولة من المشرع المغربي وضع تدابير وقائية لمواجهة ظاهرة الفساد وقمع مختلف مظاهر الاتجار بالوظيفة العمومية والتلاعب بالمال العام وكل إخلال بواجب النزاهة والشفافية، ومن منطلق الحاجة لتجريم الاثراء غير المشروع الذي يعد من بين الأشكال الأخرى للفساد، الذي يستغل مبدأ الشرعية الجنائية وما يترتب عليه من ضرورة التقيد بالتفسير الضيق للنص، جاءت محاولة المشرع لإجراء تعديل متكامل لمجموعة القانون الجنائي، حين أعلنت وزارة العدل والحريات بتاريخ 31 مارس 2015 إنهاء صياغة مشروع قانون جنائي جديد يشتمل على 598 مادة، فتمت المبادرة إلى تقديم مشروع قانون 10.16، وهو في عمومه مشروع قانون لم يتضمن سوى أربعة مواد مست بالتغيير والتتميم والنسخ 84 مادة من مجموع فصول القانون الجنائي ال 612. وفي هذا السياق عمد المشرع المغربي إلى تجريم الإثراء غير المشروع من خلال إدراجه كجريمة جديدة ضمن مقتضيات مشروع القانون رقم16-10 القاضي بتغيير وتتميم مجموعة القانون الجنائي، مصنفا هذه الجريمة ضمن مقتضيات الفرع الرابع مكرر المتمِّم للفرع الرابع المتعلق بالرشوة واستغلال النفوذ، والمتفرع عن الباب الثالث الذي ينصب على الجنايات والجنح التي يرتكبها الموظفون ضد النظام العام. ولقد اختار المشرع المغربي من خلال الفصل 256-8 من مشروع القانون الجنائي رقم 10.16 ربط الإثراء الغير مشروع بالمنظومة التشريعية والمسطرية لقوانين التصريح بالممتلكات كما هو شأن المشرع الأردني والتونسي مثلا، وجعل معرفة الزيادة الكبيرة وغير المبررة في الذمة المالية للملزمين مرتبطة بما صرحوا به عبر مختلف محطات ولايتهم او مسارهم المهني، ليصبح هذا التصريح حجة عليهم فيما أقروا به مما يجعل أية زيادة كبيرة ملحوظة تستوجب منهم تبرير مصدرها المشروع والمستحق. ولجريمة الاثراء غير المشروع ركنان مادي (أولا) ومعنوي (ثانيا) أولا: الركن المادي المفترض في جريمة الإثراء غير الشروع 1 صفة الجاني: يمكن تعريف الركن المفترض على أنه الصفة الخاصة واللازمة التي يجب أن تتوفر في الجاني لوقوع الجريمة، فإن غابت (الصفة) اختلت أركان الجريمة، مما يعني استحالة إدانة المتهم اذ يشترط ان يكون الجاني موظفا عموميا على النحو المذكور في المادة 2 من القانون 01-06. أو من في حكمه، وبهذا المعطى يتبين أن المشرع المغربي يدرج جريمة الإثراء غير المشروع ضمن المنظومة التشريعية والمسطرية لقوانين التصريح بالممتلكات، بما يجعل ضبط هذه الجريمة وتحديد مقوماتها منوطا ببعض مقتضيات هذه القوانين. غير ان الملاحظ ان المشرع المغربي لم يحدد بشكل صريح، مصادر الزيادة الكبيرة وغير المبررة في الثروة، بل نص على شرط أساسي يتمثل في تحقق هذه الزيادة بعد تولي الموظف العمومي لوظيفته، بما يرجح أن يكون مصدر الزيادة الكبيرة في الثروة ناتجا عن افتراض استغلال الوظيفة أو الصفة، 2 النتيجة الإجرامية: تعد النتيجة الإجرامية العنصر الثاني من عناصر الركن المادي للجريمة، فان قيام الجاني بالسلوك الإيجابي أو السلبي يهدف من ورائه إلى تحقيق نتيجة معينة، والنتيجة من النشاط الذي يقوم به الجاني في جريمة الإثراء غير المشروع هي ارتفاع الثروة، بشكل غير متناسب مع الدخل العادي الذي يكتسبه الموظف العمومي، والكسب هو كل ما يعود على الموظف بفائدة أي كان مقدارها ويشترط أن تكون الزيادة في جريمة الإثراء غير المشروع زيادة مالية. 3 العلاقة السببية بين السلوك والنتيجة الإجرامية: لابد للركن المادي للجريمة من سلوك إيجابي أو سلبي، يؤدي إلى نتيجة تمس مصلحة محمية قانونا، فينبغي ارتباط هذا السلوك بالنتيجة برابطة سببية، يلزم توافرها في كل الجرائم حتى يتكون ركنها المادي، فهي التي تؤكد أن سبب النتيجة هو السلوك المرتكب، فهي التي تسند النتيجة للفعل، فيجب أن يتذرع الجاني باستعمال النفوذ للحصول على المال غير مشروع، لنفسه أو لغيره أي قيام رابطة السببية بين الحصول على المال الحرام واستغلال الخدمة أو الصفة، كما لايشترط أن تقع من الجاني طرق إحتيالية أو سبق اتفاقه مع من حصل منه على المال أو على هذا الأخير بفعله. ومن خلال ذلك يمكن القول بأن رابطة السببية، في جريمة الإثراء غير المشروع هي رابطة ذات طابع مادي، تختلف عن السببية المعنوية أو النفسية المرتبطة بالجاني ثانيا: الركن المعنوي في جريمة الاثراء غير المشروع: يقوم الركن المعنوي في جريمة الاثراء غير المشروع، على القصد الجنائي المكون من عنصرين العلم والإرادة، أي ان الإرادة تشمل إرادة إتيان النشاط الاجرامي وهو استغلال الوظيفة أو الصفة أو مخالفة القانون، وأيضا إرادة الحصول على النتيجة الاجرامية، أي الحصول على المال. فإرادة السلوك التي يجب توافرها في صورتي الركن المعنوي للجريمة هي القصد الجنائي والخطأ غير العمدي، أما إرادة النتيجة لا تكون واجبة إلا في القصد الجنائي للجريمة، ذلك أن توافر عنصر الارادة في السلوك دون النتيجة قد يجعل هذا السلوك قابلا لكي تنطبق عليه إجرامية أخرى، وبالتالي يمكن القول إن جريمة الإثراء غير المشروع، لا تقوم إلا بتوافر إرادة الموظف العمومي أو من في حكمه إستغلال الوظيفة أو الصفة، أو مخالفة النص القانوني، أو الحصول على المال عبر هذا الإستغلال. العقوبة: تعاقب المادة 37 على الإثراء الغير المشروع بنفس عقوبة الرشوة للموظف العمومي وان اختلف التكييف وهذا بالحبس من سنتين إلى عشر سنوات وغرامة من 200.000 إلى 100.0000 درهم وأخيرا تجدر الإشارة ان جريمة الإثراء الغير المشروع هي من الجرائم المستمرة حسب المادة 37. * باحث في القانون