مرت علي 5 أيام مريرة جدا، في مدينة صغيرة على البحر الأبيض المتوسط، في مهمة صحافية ميدانية أخرى، في حدث مغربي استثنائي، لمشاركة آلاف المهاجرين غير النظاميين/ غير القانونيين؛ من مغاربة ومن جنسيات أخرى، في هجرة سرية باتت علنية، في سابقة في تاريخ الملف مغربيا. مرت ليلة السبت الأحد، 14/15 من شهر شتنبر/ سبتمبر 2024 بسلام، وفي هدوووء كامل، فاعتقد الجميع أن الدعوة فشلت بالكامل، وأن لا مهاجرين غير شرعيين قادمين للاستجابة للدعوات، التي أشعلت منصات التواصل الاجتماعي في المغرب. بالتأكيد أن الواقفين وراء هذه الدعوات التحريضية على منصات التواصل الاجتماعي، مجرمون عن قصد أو عن غير قصد، دافعين بأسلوب تهييجي، بآلاف الشباب المغربي صوب المجهول، شباب مغربي من فئات عمرية، أقل من عشرين عاما. في ليلة 15/16 من شهر شتنبر/ سبتمبر 2024، تأخذ الأحداث منحى آخر للأسف الشديد، هجوم مباغت على العناصر الأمنية من شباب يريد الوصول بأي شكل كان، صوب باب سبتة أو صوب مياه البحر الأبيض المتوسط للسباحة في اتجاه جيب سبتة الخاضع للسلطات الإسبانية. كانت بالنسبة لي، بتجربتي الصحافية المتواضعة جدااا، ساعة حقيقية في الجحيم، بين ضرورة القيام بالواجب الصحافي المهني، وبين قراءة أولية لتفاصيل المشهد الصادم جدااا، تجنبت بالهروب من سيل الحجارة المقذوفة، تواريت مع زملائي الصحافيين، أمام مشهد كسر زجاجا كثيرا من القناعات أمام عيني. اشتغلت لسنوات متطوعا في جمعيات غير حكومية، أنصت إلى قاصرين ويافعين، ساهمت في إضاءة الشموووع أمامهم على قدر الإمكان، وزرعت فيهم الاستعداد للحلم، كلما رفعت كاميرا هاتفي المحمول للتصوير؛ تذكرت أنني أب، شعرت بأن مسؤوليتي أثقل من كتفاي الضعيفتين، تحولت باب سبتة لدي إلى باب على المجهول. انقلب الهدوء في باب سبتة في مدينة الفنيدق في شمال المغرب، إلى مشهد سينمائي كامل، تأكدت وقتها أن اجتهادي في الاشتغال التطوعي، مع أصدقاء كثر في مدينة سلا بقرب العاصمة المغربية الرباط في برامج الفرصة الثانية التعليمية، كان مدرسة تعليمية منها الكثير جدااا؛ النظام التعليمي المغربي غير مغري لتلاميذ مغاربة كثر، والتفكك الأسري، وارتفاع أرقام الطلاق، وارتفاع كلفة المعيشة؛ أنتجت جيلا غاضبا وحانقا وكارها وعنيفا. توالى دخول الحافلات التي تجلي الموقوفين من المهاجرين غير القانونيين، في ليلة طويلة جدااا، فيما عادت تدريجيا الحركية إلى باب سبتة في اتجاهين اثنين متعاكسين، حركية المسافرين والسيارات، بين مدينة الفنيدق في شمال المغرب، وفي اتجاه جيب سبتة الخاضع للسلطات الإسبانية. في حملة التوقيفات، ظهرت وجوه يافعين وشباب مغربي، بملابس ممزقة، ومنهم مصابين جرى التعامل معهم من العناصر الأمنية باحترام لإنسانيتهم، هنالك من الموقوفين من أخفى وجهه بيد أو بملابس، فيما آخرين بدت الهزيمة على محياهم. في تقديري، هؤلاء المغامرين بالهجرة غير القانونية العلنية أطلقوا كل أجراس الإنذار اجتماعيا، في إدانة صريحة جدااا لأعطاب في سياسات عمومية مغربية، في قطاعات اجتماعية وتعليمية؛ إدانة لكل المجتمع المغربي. في تصريحات اليافعين والقاصرين كلام قاسي وجارح وفاضح؛ مع رسائل إعلان فشل للحكومة المغربية الحالية التي يرأسها عزيز أخنوش، لفشل التعليم ومدرسة الريادة للوزير شكيب بن موسى، لفشل الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم في استثمار نجاح منتخب المغرب لكرة القدم في نهائيات كأس العالم في قطر، في إطلاق دينامية كبيرة لدفع الشباب المتعتر دراسيا إلى تجريب الانتماء إلى أندية الأحياء لكرة القدم في أفق عقود احترافية. في مواجهة هجومين اثنين فاشلين، في ليلتين متواليتين، ليافعين مغاربة لدخول باب سبتة في مدينة الفنيدق في شمال المغرب، شعر مغاربة بأنهم أمام حمام ثلج بارد جداا، الصدمة كبيرة، في بداية موسم دراسي مغربي جديد. إن صمت القبور في التواصل للحكومة المغربية أزعج الرأي العام المغربي، وهذا أمر يؤكد فشل الحكومة المغربية الحالية، وفق سيل تدوينات لا تزال تغرق منصات التواصل الاجتماعي، إلا من أراد أن يدفن رأسه في الرمال وفق سياسية النعامة، ومهنيا فالأخطاء التواصلية الحكومية لن تتوقف، لأن لا قيمة للرأي العام المغربي عند حكومة رجال ونساء الأعمال، كما توصف اعلاميا في المغرب. تستحق مدينة الفنيدق، في تقديري، خطة إنقاذ اجتماعي واقتصادي، لأنها غارقة في اليأس الاجتماعي، على خلفية تأثيرات قرار شجاع وتاريخي مغربيا، بإغلاق ملف التهريب المعيشي. فيما اليافعون الذين شاركوا في "حْركة" شهر شتنبر/ سبتمبر 2024، فغادروا مركز التوقيف والضبط الأمني، في باب سبتة في مدينة الفنيدق في شمال المغرب، يرفعون بأصابعهم علامات نصر يرونه هم قريبا، أو علامات عبارات نابية ناحية كاميرات الصحافيين، الذين رابطوا في دوار/ الملتقى الطرقي لباب سبتة. ويبقى.وصول هؤلاء اليافعين إلى اليأس في هذه السن المبكرة، أي قبل العشرين، أمر مقلق جدا اجتماعيا ويحتاج إلى دراسات عاجلة جدا، كما أن الخطاب المستعمل من قبلهم مقلق جدااا، واستهلاكهم فقط لمنصات التواصل الاجتماعي يعري على أعطاب عميقة في قطاعات التعليم والشباب والرياضة والإعلام مغرييا. ويبقى عدم الإنصات للعشرينيين، المتحدثين بقاموس مختلف تماما، بلغة عارية، في المغرب، أمرا ينتمي إلى الخطأ الفادح، وإن وقعوا في الغلط، فهم أبناءنا هذا الوطن الجميل والحالم، وما علينا إلا إطالة السمع لهم، لأنهم مستقبل المغرب القادم. * عادل الزبيري، مراسل قناة "العربية "بالمغرب