فوز ثمين ل"فرسان دكالة" على "الماط"    أمن طنجة يوقف شخصين ظهرا في فيديو يقومان بتعنيف مواطن في الشارع العام وبحوزتهما أسلحة بيضاء    رئيس الفيفا يشكر المغرب على استضافة النسخ الخمس المقبلة من كأس العالم للسيدات لأقل من 17 عاما    تعديل حكومي يتوقع أن يطيح بوزراء بارزين ويستقبل وجوها جديدة    الداخلة: البحرية الملكية تعترض مركبا على متنه 38 مرشحا للهجرة غير النظامية        من أوحى له بمقترح التقسيم؟    خلال 3 سنوات ونصف رفعت مديونية الخزينة من 885 إلى 1053 مليار دهم    ‬المؤتمر العالمي حول الذكاء الاصطناعي ودور المغرب في تنفيذ اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية    "النقد" يتوقع نموا بنسبة 2.8 % بالمغرب    توقعات احوال الطقس : انخفاض درجة الحرارة بمنطقة الريف    حادث يلقي بزوجة شيبو في الحراسة النظرية    طلبة كليات الطب يكذبون ميراوي: نسبة المقاطعة تفوق 90 في المائة        دعوات للاحتجاج أمام البرلمان رفضا لمشروع قانون الإضراب    المحكمة الإدارية بمراكش تعزل رئيسة جماعة ابن جرير ونائبها الثاني    منتخب الشاطئية ينهزم أمام مصر (2-3)    صندوق النقد يبقى حذرا بشأن آفاق الاقتصاد العالمي بسبب استمرار المخاطر    التكوين بالتدرج المهني.. الحكومة تعتزم رفع عدد المستفيدين إلى 100 ألف سنويا    لمجرد يروج لأغنيته الجديدة "صفقة"    إسرائيل مستمرة في "خطة الجنرالات" التهجيرية    حزب الاستقلال يقرر إحداث لجنة الأخلاقيات والسلوك    زيارة وفد جائزة خليفة التربوية للمغرب    المكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن والمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب .. توقيع عقد لنقل الغاز الطبيعي عبر أنبوب الغاز المغاربي-الأوروبي    وفاة الداعية فتح الله غولن "عدو أردوغان اللدود"    أخبار الساحة    رحيمي الأعلى تنقيطا في قمة الهلال والعين        فيروس جدري القردة يثير القلق في ألمانيا بعد تسجيل إصابة جديدة    المحفظة العمومية تضم 271 مؤسسة ومقاولة عمومية    مناهضو التطبيع يحتجون أمام مقر القناة الثانية تنديدا ببث مسلسل تشارك فيه مجندة إسرائيلية    شبهات حول برنامج "صباحيات 2M" وإدارة القناة مطالبة بفتح تحقيق    أحمد التوفيق: فتح 1154 مسجداً متضرراً من زلزال الحوز قبل رمضان المقبل    جيش إسرائيل يرفع حصيلة قتلى غزة    بلينكن يصل إلى "إسرائيل" لإحياء محادثات وقف إطلاق النار    البرازيل تحبط تهريب شحنة كوكايين    إعادة تأهيل مرضى القلب: استعادة السيطرة على الصحة بعد حادث قلبي    المكسرات صديقة المصابين بداء السكري من النوع الثاني    الرجاء البيضاوي يصطدم بالجيش الملكي في قمة الجولة السابعة..    إبراهيم دياز يعود للتدريبات الجماعية لريال مدريد    جامعة حماية المستهلك تطالب بفرض عقوبات على المخالفين في استيراد اللحوم    بعد خضوعه لعملية جراحية.. عميد سان داونز زواني يغيب عن مواجهتي الجيش والرجاء في دوري الأبطال    الأولمبياد الإفريقية في الرياضيات.. الذكاء المنطقي الرياضي/ تتويج المغرب بالذهبية/ تكوين عباقرة (ج2) (فيديو)    الصحراء المغربية.. غوتيريش يعرب عن قلقه إزاء عرقلة الجزائر للعملية السياسية    الصادرات المغربية.. تحسن تدريجي في المحتوى التكنولوجي    أسعار الذهب تواصل الارتفاع وسط حالة من عدم اليقين    كوريا الشمالية تنفي دعم روسيا بجنود    رحيل الفنان حميد بنوح    النموذج المغربي في "إدماج الإسلاميين" يحصد إشادة واسعة في منتدى أصيلة    على مرأى الشجر والحجر والبشر والبحر    وهي جنازة رجل ...    نقل الفنان محمد الشوبي إلى العناية المركزة بعد تدهور حالته الصحية    دوليبران.. لم تعد فرنسية وأصبحت في ملكية عملاق أمريكي    طنجة .. لقاء أدبي يحتفي برواية "الكتاب يخونون أيضا" لعبد الواحد استيتو وخلود الراشدي    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    الملك محمد السادس: المغرب ينتقل من رد الفعل إلى أخذ المبادرة والتحلي بالحزم والاستباقية في ملف الصحراء    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد أسدرم تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البيانيسيمو نعمان لحلو.. كن حقيقة صغيرة ولا تكن ظلا كبيرا
نشر في العمق المغربي يوم 26 - 07 - 2024

هذا الزمن لا يريدك عاقلا ولا منضبطا كقاعدة قانونية..ولا جادا كتحية عسكرية..
هذا الزمن يريدك مائعا ومجنونا داخل متاهة بلا حد..وقردا يضحك من الجميع والجميع يضحك عليه..وحرباء تنتصر لألوانها كما ينتصر أخطبوط لشراهة أذرعه..
أما أنا فلا أريد منه سوى أن يصمت قليلا.. لأني جدا سئمت طنينه!! مناسبة الحديث هو هاته المقالة ، حول الموسيقار العبقري الملتزم ، نعمان لحلو ....
هو ذلك الرجل الذي درب عقله على خصلة التحليل وليس على منقصة التسليم ، مثقف بذات مورية عنيدة ، لديه قناعة أفلاطونية ، بفرادة القوة الناعمة للمغرب ، مغرور بوطنه لحد الثمالة ، هو الموسيقار الذي يحذر دائما من عدم تسليم الذهب الخام المغربي ، لأي كان خوفا من أن يصنع منه فأسا ، ليس ضربا من الفناطازيا أو التعصب الأعمى القطري ... ولكن هو ايمان راسخ إلى حد الطمأنينة بتراث مغربي بإذخ، وأن الجمال في الثقافة المغربية يوجد في " قاع الخابية " حيث العمق والعبقرية .
الأستاذ المبجل نعمان لحلو باحث كبير في الثقافة والموسيقى، بأدوات أكاديمية علمية صارمة لاتخطأ سبيل الحقيقة العلمية، المجردة من أي خلفية نزواتية ظرفية مناسباتية ، إنه فعلا ماسماه العلامة الطرازي الأثير ، سيدي عبد الله كنون " النبوغ المغربي ".
لهذا عندما يصل الى حقيقة علمية ، لايسمح له عقله ، بإخفائها أو حتى تأجيلها تحت طائلة الدبلوماسية ، وعدم خلق الأعداء، يقول قناعاته بدون أن يلتفت يمينا ولا شمالا ، بلغة بيضاء غير ملغزة ، لايجامل ولايداهن، لأنه مثقف عضوي عميق ، أدرك أن الانتصار للحقيقة ، هو السم الزعاف لهدر الزمن في الأوهام، نعم يريد أن يكون حقيقة صغيرة على أن يكون ظلا كبيرا متخن بالوهم ، وما أخطر الوهم حيث قال نيتشه " الوهم أخطر من الخطأ لأنه يصعب تصحيحه " .... والعرب قالت " المنافق شخص هانت عليه نفسه بقدر ما عظمت عنده منفعته " ...فشتان بين شاهد العيان وشاهد السماع .
هو الناطق الرسمي لتمغرابيت ، قوته في زهده ، فلو استسلم للاغراءات والمال ، لضاع المغرب في رجل وطني عظيم ، ترك المال ، وترك فخامة الإمبراطور المعظم " البوز " كما لقبه الكاتب الراقي سيدي عبد العزيز كوكاس ، وصرح صادما أمام الجميع أن مهنتي هي الموسيقى وليس الشهرة ، فقد ترك أمريكا، ومصر ، واختار أن يتمتع بالتراث المغربي الثري الذي لايشبهه أي لغو في هذا العالم ، قناعة يشاركه فيها نخبة هذا الوطن من ذوي الأسنان، الجابري وعلال الفاسي وعبد الله كنون وعبد الهادي بوطالب ،،، كلهم علماء احترقوا سهرا حتى أدركوا أن للمغرب خبيئة بل حزمة أسرار مع الله ، جعلته يتمتع بالغزارة والتنوع الثقافي المنصهر في الذات المغربية الأسطورية، فنحن نتصدق على كل عشاق الثقافة في هذا العالم ، لكننا لانقف عند باب أحد ،،، فحتى سيدي محمد عابد الجابري قال " لايوجد هناك شيء اسمه العرب ، هناك شيء اسمه مشروع عرب " ...
فحتى يرتاح الأقرع عن حك رأسه، فنعمان يرفض أن تكون أحلامنا عاهرة تحمل منا وتلد لغيرنا .... ياسلام ...فالرجولة محاضر وليست مناظر،،،، فالرجل يفضل أن يحفر البئر بابرة على أن يطلب الفأس من وضيع ، فقد رفض الغناء لمن هب ودب في العلب الليلية ، وهو في أزمة خانقة ، لأنه فنان يقدس الفن وتمتلأ رئتاه سعادة وهو يغني لعشاقه " كمشة نحل ولا شواري ذبان ،،،، إنها اخلاق الفرسان وكفى .
أما عن سبب طغيان الجانب الأنثروبولوجي في أعماله، قائلا: "إن هذا الأمر صعب، فأنا أصدرت مجموعة من الأغاني عن المدن وتناولت الأنثروبولوجيا، لأن الناس والقبائل والعادات والتقاليد والأسوار، يجب أن تتم دراستها بشكل معمق، وبعدها تأتي أصعب مرحلة وهي كيفية تحويلها إلى لغة فنية عميقة وبسيطة، وبعد ذلك أمر لمرحلة الموسيقى، وبالنسبة لي، فالنص هو الأهم".
نعمان لحلو له علاقة خاصة مع الموسيقى ومع تاريخها ومحيطها. هذا الأخير ليس مجرد مكونات لأغنية من لحن وشعر وتوزيع وأداء نابع من حبال صوتية متمرنة على المقامات وعلى القرار والجواب. نعمان لحلو يبحث كذلك عن صناع الآلات وأشكالها ويقرأ معهم مسافات الأوتار وعمق تعبيرها سريع الوصول إلى الأذن الموسيقية.
استقلالية الذات المغربية، أو ما أسماه سيدي علال الفاسي " الإنسية المغربية " يقابله تخوين عند بعض الجهات حيث يقول أحدهم " فمنذ أن رُفِع شعار "تازة قبل غزة" للدلالة على الاهتمام بالجماعة القُطرية دون القضايا القومية، والآلة الدعائية والأكاديمية تشتغل من أجل إثبات الخصوصية الثقافية والفكرية والاجتماعية، وحتى العقدية، للجماعة المغربية.
فالمغرب في هذه السردية جماعة مستقلة منذ الأزل لها مقوماتها الذاتية التي صنعت وجودها ولا تدين بشيء للمشرق، بل حتى وسم العربي الذي أطلق سابقاً على المنطقة المغربية أزيل من أدبيات المرحلة منذ دستور 2011، وبدأ الحفر في عناصر المزايلة والتميز التاريخيين، دون أن يمنع هذا المعطى البحث عن انتماءات بديلة في الجنوب أو الشمال أو حتى في الشرق البعيد.
فالهوية الخاصة أو "تمغربيت" لا تستنطق إلا عبر مواجهة النموذج المشرقي في كل مظاهر الحضارة. وقد منحتها التغيرات الاستراتيجية التي تعتمل في المنطقة أدوات للتوظيف، وغدا البحث عن التميز في اللباس والمأكل والعمران واللسان، وخوض المعارك من أجل إثبات ذلك مؤسساتياً وحتى قانونياً، من أولويات سياسة الدولة، إن لم تكن كل سياستها، إلى درجة أن يصبح ترسيم انتماء حجر أو لباس معين إلى مجال جغرافي إنجازاً تاريخياً وانتصاراً سياسياً مشهوداً .
وحتى الأحداث المتتالية سياسياً واجتماعياً، وحتى رياضياً، تثبت أن الوحدة الهوياتية والوجدانية قائمة بالرغم من محاولات الحصار والآراء العرضية لبعض الأصوات من هنا وهناك. إنه القدر المشترك.
نعمان لحلو.. أشهر من غنى للمدن المغربية (بورتريه )
نعمان لحلو، فنان مغربي، جمع من كل سلّم موسيقي ترنيمة ولحنًا، مطرب وملحن ومؤلف وباحث موسيقي ومحاضر، اشتهر بغنائه للمدن المغربية حتى أضحى اسمًا راسخًا في الأذهان.
لحلو (53 عاما) مثقف عنيد، صاحب مدرسة فنية متفردة، اختار السير عكس التيار من البداية، يتحدث عن الفن الراقي بأنفة ونبل، يردد دائما "انطلق نحو آفاق الدنيا الرحبة ولا تنس أبدا أنك مغربي".
9 أغنيات عن 9 مدن مغربية، كشف وجهها الجميل، وثقافتها المحلية، ومناظرها الخلابة، ومآثرها التاريخية مع دمج للموروث في بعده الإنساني، رحلة غنائية أنثروبولوجية أشهر بها لحلو بلده فشهره.
استهل مشواره الفني بأغنية "أمانة عليك يا مركب أوصلني لبلادي المغرب، الظلمة ما فارقت عيني من يوم ما غادرت المغرب"، ليقدم من خلالها شهادة ميلاد فنان في ساحة الإبداع الوطني قبل عقدين من الزمن، فكانت معها بداية نجم اسمه "نعمان لحلو".
وبعد عودته إلى المغرب إثر فترة غياب في المهجر، صدح بأغنية جديدة يقول مطلعها: "بلادي يا زين البلدان يا جنة على حد الشوف (النظر) يا أرض كريمة مضيافة وجمالها ناطق بحروف"، ومنذ ذلك اليوم لا زال أبناء المغرب الأقصى يرددونها، حتى حصدت الوصافة بعد النشيد الوطني.
وحبا في تراث بلاده، انتقد عبر فيديو كليب "المدينة لقديمة"، "اغتيال" المدن التاريخية، في رؤية نقدية لأحوال المدن العريقة التي لم يهتم بها جيله، في إبرازها وإحيائها، أغنية خلقت الجدل في المشهد الفني عام 2007 بكلمات ولحن مختلفين، كسّر بهما الصورة التقليدية.
مطرب المدن
وفي مسار تفرد به لحلو، أطلق فيديو كليب عن مدينة شفشاون (شمال)، قال في مطلعه "يا شفشاون يا نوارة يا لحبيبة يا لمنارة"، لترتفع الأصوات بعدها من كل مدينة تنادي لحلو أن يغني عنها، حتى تصل ثقافتها المحلية لباقي المواطنين.
ونفض رمال التهميش عن مدينة "تافيلات" (جنوب شرق)، فدندن لها قائلا "نخيل ووديان وواحات ورمال ذهبية.. شتاء وربيع وصيف.. نحن أبناؤك يا تافيلات".
وقال عن مدينة مراكش (وسط) "يا بهجة الأيام يا الزاهية بنوارك.. عروسة غزالة والفرحة ما زالت في قلب دارك"، أما مدينة وزان (شمال)، صدح فيها يا "دار الضمانة، نجمة ضاوية في الأعالي، طريق الزاوية يا العالية، وزان تنادي.. تسمع المنادي.. يا ساداتي".
رفع "لحلو" من قدر مدينة فاس (شمال)، فغنّى لها "من أرض مولاي إدريس حتى بيت المقدس.. طلبنا التسليم"، وعن مدينة الصويرة (غرب)، عزف على إيقاع إفريقي "طَلَعت الجبال وقَطَعت البحور.. وجُلت الدنيا عرض وطول.. ولم ألق مثلك يا الصويرة يا موكادور، جُلِ العالم ودُور.. وعمرك (مستحيل) تنسى موكادور".
وتحدث مع عروس شمال المغرب متسائلا "أي سر فيك يا طنجة.. قلبي سافر ليك وما رجع..أي سر فيك".
كما أطلق قبل أيام قليلة فيديو كليب عن مدينة "زاكورة" (جنوب شرق) متغزلا فيها "الصباح نشر عَلَمَهُ في أبهى وأحلى صورة.. والنخل نفض كمامو.. وليمام بلغ سلامو.. يا الغزالة يا زاكورة".
المطرب المغربي، لم تقتصر أغانيه على المدن بل عالج قضايا اجتماعية وصحية، فغنّى عن السرطان والماء وقوارب الهجرة.
لحلو، ظل وفيا لوطنه، رغم أسفاره خارج المغرب، واضطراره للاستقرار فترة من الزمن في مصر والولايات المتحدة الأمريكية، كما صادق نجوم الفن العربي، أبرزهم اللبنانيين زياد الرحباني ووديع الصافي والمصري محمد عبد الوهاب، واستفاد منهم عبر بوابة إعجابهم بموهبته.
** تجربة الولايات المتحدة: من 1984 إلى 1990
وهو في 19 ربيعا شد نعمان الرحال نحو مدينة أورلوندو بولاية فلوريدا، بعد ذلك إلى ولاية ميامي، حيث بدأ العزف على آلة العود والغناء بالرواق المغربي ب"والت ديزني" ثم بعد ذلك إلى لوس أنجلوس، حيث التقى بالموسيقار محمد عبد الوهاب (1902 – 1991) الذي أعجب بصوته وموهبته في الغناء ونصحه بالذهاب لمصر.
** تجربة مصر: من 1990 إلى 1993 و 2001 إلى 2004
اتجه نعمان فيما بعد إلى مصر، وهناك أيضًا سجل حضورًا لافتًا، وبدأ يشق طريقه في عالم الفن، باعتماده مطربًا وملحنًا في الإذاعة والتلفزيون ودار الأوبرا، لتعلن بداية مسيرة فنية كان فيها لحلو شاملًا ملحنًا ومغنيًا وكاتب كلمات.
اختار ابن مدينة فاس، أن يسير وراء الفن بدل الركض وراء الشهرة، وتعرض للانتقاد بعد قرار استقراره بالمغرب، في وقت اختار البعض من جيله مواصلة مسارهم في دول كانت تصنف "عاصمة للفن" ومرتعا لانطلاقة أي فنان عربي.
كتب بعض معجبيه على منصات التواصل الاجتماعي: "نعمان لحلو للأسف الشديد مبدع في زمن ومكان غير مناسبين".
وقال حساب باسم عبد الإله حماموش: "لحلو مدرسة من الإبداع في التعريف عبر أغانيه بحضارتنا المغربية ومجتمعنا المحافظ".
فيما أضاف حساب آخر يدعى مصطفى: "ما يعجبني في لحلو هو أنّه يصطاد الكلمات النقية من مستنقع الأغنية المغربية الأصيلة".
نعمان لحلو يُلقي محاضرة حول «الموسيقى والمعرفة»
تنظم جامعة الحسن الأول كلية اللغات والفنون والعلوم والإنسانية بسطات ومختبر اللغات والفنون والعلوم الإنسانية لقاءَ فنياً يوم غد الأربعاء 15 ماي 2024 الجاري، يلقي فيها المطرب نعمان لحلو محاضرة علمية في موضوع « الموسيقى والمعرفة».
تأتي أهمية هذا اللقاء في كونه يستضيف واحداً من صناع الأغنية المغربية، الذين حرصوا في أغانيهم على تغذية الوجدان الجمعي بأغانٍ أكثر قوّة وزخماً من ناحية الكتابة.
ويعتبر نعمان لحلو واحداً من الأصوات المميزة التي تدافع عن نوعٍ من الفنّ الأصيل الذي يخدم الذوق العام. وسيحرص لحلو في هذه المحاضرة على تقديم محاضرة تستشكل العلاقة بين الموسيقى والمعرفة، في وقتٍ يعتقد فيه من الفنانين أنّ الموسيقى مجرّد لهو ولعب وترفيه، أيْ أنّها فنّ طربي يعمد إليه الناس من أجل الاستمتاع والاستجمام. في حين أنّ الموسيقى عبارة عن علم كبير يصعب على المرء إذا لم يكُن موهوباً أو على الأقلّ عاشقاً له أنْ يقوم بتحصيله والعمل على تحقيق نباهةٍ فيه.
تُتيح مثل هذه اللقاءات الفنية من انفتاح الجامعة على محيطها الثقافي، حيث تصبح هذه الأنشطة تأخذ بعداً معرفيا بدل أنْ تبقى في سراديب السهرات والحفلات. إنّ الموسيقى كما يتبناها لحلو تنهض على قاعدة علمية تتعامل مع الآلات باعتبارها أداة للتفكير والتعبير.
النمر والتنمر على الفنان نعمان لحلو.. غاب الحياء وفتح باب التفاهة على مصراعيه فصارت الأعراض تباع بكثرة المشاهدات ....
الفنان المثقف نعمان لحلو، استضافه برنامج تليفزيوني، للحديث عن سيرته وعن نفسه (كما فهمت)، وسرد حكاية قال فيها ان ذات يوم غنى لنمر سيبيري حتى جاءه النعاس، وهذه حقيقة كما ظهرت في الفيديو الذي نشره لاحقا!
لكن جانبا من المغاربة سامحهم الله، بحسهم المتنمر، تركوا كل القضايا التي تهم الرأي العام، ولم يتوقفوا عند الواقعة الطريفة بشكل إيجابي، بل وجدوها فرصة للنيل من الرجل وجعله مادة للسخرية بشكل انتقائي..
نتفهم طبيعة مواقع التواصل الاجتماعي التي تعتمد بشكل أساسي على التنذر وصناعة ال"BUZZ"، لكن أن ينصرف الجمهور إلى مواضيع تافهة، ويترك كل ما حكاه الفنان جانبا، ليُصيبوه بسهامهم السامة، فقط، لأنهم يرونه متميزا عنهم أو ربما يفوق كثيرا منهم ثقافة وتجربة وخبرة في الحياة وفي مجاله أيضاَ ووووو...
قد لا يكون الفنان محبوبا لدى كثيرين، وهذا حقهم والأذواق لا تناقش، لكن ما الذي يضرهم من لحظة بوح عابرة يستأنس بها جمهور يضع الموسيقار المغربي في مرتبة رموز الغناء المغربي الهادف؟! ويهمهم جدا معرفة تفاصيل حياته كما يرويها، يستفيدون منها أو يستمتعون بها!
بعد هذا، من حقنا على المتنمرين أن يجيبونا عن سؤال: هل أشفوا غليلهم بعد هذا التسفيه الذي تعرض له الفنان؟ وهل هذا الزمن لم يعد فيه متسع للرموز؟ وهل علينا أن نجعل الناس تعساء إذا ما قرروا يوماً أن يتقاسموا معنا لحظة من لحظات فرحهم العابرة؟
خِتَامًا، يجب أن ندعو جميعا إلى تسريع وتيرة تخليق الفضاء الرقمي، وجعله في وعاء القانون لا خارجه.
نعمان لحلو: تشبثوا بثقافتكم فالحروب القادمة ستكون حضارية
عبر الموسيقار نعمان لحلو، خلال حوار له عن سبب طغيان الجانب الأنثروبولوجي في أعماله، قائلا: "إن هذا الأمر صعب، فأنا أصدرت مجموعة من الأغاني عن المدن وتناولت الأنثروبولوجيا، لأن الناس والقبائل والعادات والتقاليد والأسوار، يجب أن تتم دراستها بشكل معمق، وبعدها تأتي أصعب مرحلة وهي كيفية تحويلها إلى لغة فنية عميقة وبسيطة، وبعد ذلك أمر لمرحلة الموسيقى، وبالنسبة لي، فالنص هو الأهم".
وعن تعلقه بمدينة فاس، قال نعمان أنه يعتبرها ملكا للإنسانية، ومكانا يغير شخصية من يحل بها فيجعلها أنقى وأسمى، موضحا: "أنا روحاني 80 في المائة مع نفسي، كما أنني إنسان أحب العزلة، وأن أختلي بنفسي"، وتابع موضحا: "لذا أسافر، أحب أن أستكشف مناطق طبيعية، كما أنني أحترم الأديان كيفما كانت، أحب كل شيء جميل، وبالنسبة لي، كل شيء جميل هو كل شيء متفرد لا يشبه أي شيء آخر".
ويعتبر لحلو أن سلاح كل مغربي ومغربية في وجه الحروب القادمة، هو ثقافته وحضارته، خاصة وأن الحروب المستقبلية ستكون – بحسبه – حضارية، مشيرا إلى أن: "اليوم وصلت إلى قناعة يجب أن أتقاسمها الناس.. فأنت وأنتِ أيها المغربي، تنتمون إلى حضارة متفردة، مثل جوهرة كانت مخفية وبدأت في الظهور، وفي نظري لا تحاولوا تقليد الآخرين لا في الفكر ولا في الثقافة، لأن للمغاربة حضارتهم وسينجحون وستأتي أجيال أخرى، ابقوا متشبثين بثقافتكم فالحروب القادمة هي حروب حضارية".
نعمان لحلو وتصريح "المغاربة لا علاقة لهم بالمشرق".. لماذا يخوض بعض "المثقفين العرب" حرباً على العروبة ؟؟؟
خرج الفنان المغربي نعمان لحلو بتصريح شاذ وغريب عن مسيرته الفنية، وإن كان مسايراً فيه موجة تغيير البوصلة الهوياتية التي تتفاعل في المنطقة، حين قال في مقابلة مع أحد المواقع الإلكترونية المحلية بأنه ضد العروبة، وأن المغاربة لا علاقة لهم بالمشرق.
وهذا القول، وإن بدا في ظاهره عفوياً، خاصة بعد الانتقادات التي طالته في مواقع التواصل الاجتماعي وطالت نقده للفنانين المشارقة مثل محمد عبد الوهاب، فإنه عد جزءاً من مسار طويل لقطع المغرب عن عمقه العربي الإسلامي واعتقاله في حدوده المكانية مع ما يفرضه ذلك من ضرورة بناء أسطورة الذات المتميزة والمزايلة، وإسقاط المتخيل الجماعي على الفضاء والمكان.
فمنذ أن رُفِع شعار "تازة قبل غزة" للدلالة على الاهتمام بالجماعة القُطرية دون القضايا القومية، والآلة الدعائية والأكاديمية تشتغل من أجل إثبات الخصوصية الثقافية والفكرية والاجتماعية، وحتى العقدية، للجماعة المغربية.
فالمغرب في هذه السردية جماعة مستقلة منذ الأزل لها مقوماتها الذاتية التي صنعت وجودها ولا تدين بشيء للمشرق، بل حتى وسم العربي الذي أطلق سابقاً على المنطقة المغربية أزيل من أدبيات المرحلة منذ دستور 2011، وبدأ الحفر في عناصر المزايلة والتميز التاريخيين، دون أن يمنع هذا المعطى البحث عن انتماءات بديلة في الجنوب أو الشمال أو حتى في الشرق البعيد.
فالهوية الخاصة أو "تمغربيت" لا تستنطق إلا عبر مواجهة النموذج المشرقي في كل مظاهر الحضارة. وقد منحتها التغيرات الاستراتيجية التي تعتمل في المنطقة أدوات للتوظيف، وغدا البحث عن التميز في اللباس والمأكل والعمران واللسان، وخوض المعارك من أجل إثبات ذلك مؤسساتياً وحتى قانونياً، من أولويات سياسة الدولة، إن لم تكن كل سياستها، إلى درجة أن يصبح ترسيم انتماء حجر أو لباس معين إلى مجال جغرافي إنجازاً تاريخياً وانتصاراً سياسياً مشهوداً.
والبادي أن بناء سردية جديدة ومغايرة للنموذج "العروبي" ليس خاصاً بالحالة المغربية، فقد ظهر العديد من الحركات والتوجهات السياسية والثقافية في العالم العربي تنافح عن التمثل القطري للانتماء وتناوئ المشترك الحضاري تحت يافطات متماثلة المقصد وإن تغيرت العناوين: تونس أولاً، لبنان أولاً، الكويت أولاً، مصر أولاً... وفي أحيانٍ كثيرة تكون الدولة هي المشرفة علانية على ترسيخ هذا الخيار كما حدث في الأردن حين أطلق مفهوم "الأردن أولاً"، "من أجل تعزيز أسس الدولة وترسيخ روح الانتماء بين المواطنين، حيث يعمل الجميع كشركاء في بناء وتطوير الأردن".
وفي مختلف التجارب تسطع بين الفينة والأخرى دعوات إلى تغليب مصلحة الوطن على غيرها من المصالح، ومواجهة الخصوم الحقيقيين أو المفترضين، دون أن يعني ذلك النهوض بروح المواطنة كقيمة دستورية وقانونية، حيث تحصر المواطنة في الواجبات دون الحقوق.
والغريب أن هذا المسار ينتعش -إعلامياً على الأقل- حين تنفجر الأحداث في المنطقة، كما حدث إبان أحداث الربيع العربي، وتصاعد التعاطف الوجداني مع الشعوب العربية، كما يحدث في أحداث فلسطين أو اليمن أو غيرها.
والذي يؤكد ذلك هو ارتباط هذه السردية الدائم بالتيار المناهض لأحلام الديمقراطية التي تصاحب الحركات الاحتجاجية عموماً، وتبعث الرباط الوجداني بين أبناء الأمة العربية الإسلامية. فإذا كان التأسيس النظري، وحتى الرسمي أحياناً، للقطرية السياسية والثقافية قد بدأ منذ عقود، وقد نجد له أصولاً في الأدبيات الاستعمارية التي أسّست وجودها على فصل المستعمَر عن جذوره، فإن أحداث الربيع العربي قد أثبتت أن العمق المشترك هو الكفيل بضمان الديمقراطية والتنمية لجميع أبناء المنطقة. لذا بدأ الرهان على اجتثاته وبناء البدائل الانتمائية. وهو ما عبر عنه الفنان المصري والعالمي عمرو واكد، وهو يتحدث عن الأصوات المماثلة في الحالة المصرية التي لا تختلف عن باقي الحالات العربية، بأنها "جزء من أجندات صهيونية غايتها خلق مجموعات ملعوب في أساسها وولائها تدعي أن مصر لا علاقة لها بالعروبة والإسلام وأنها فرعونية".
إذ من الطبيعي الإيمان بالانتماء إلى الوطن باعتباره الفضاء الثقافي لتمثل الجماعة المتخيلة في أذهان الناس، فالوطن ليس مجرد إقليم وتراب وحدود بل هو فضاء تخيلي مفهومي، وأساس لبناء العيش المشترك كما ورد في الأدبيات السوسيولوجية، لكن هذا الفضاء المفهومي والاجتماعي له العديد من عناصر الارتكاز التي لا يمكن القفز عليها أهمها التاريخ المشترك والعمق الحضاري الذي لا يمكن إسقاط النموذج الحديث للدولة عليه.
ولو بحثنا في تراثنا المعاصر لوجدنا مؤسسي الدولة الوطنية، وهم يضعون النموذج الوطني، ينَظِّرون للتميز المغربي في مقاومة النموذج الاستعماري القائم على فصل المغرب عن أصوله العربية والإسلامية. لذا كان حديثهم عن الشخصية المغربية جزءاً من النضال لبناء الوطن وليس لهدم ثوابته. فالاعتزاز بالنبوغ المغربي وقدرة الذات الوطنية على التميز لم يكن وسيلة لقطع الأواصر مع العمق الهوياتي العربي والإسلامي، ولا للتخلي عن مبادئ الانتماء العقدية المشتركة، ولا لمحاولة صناعة هويات بديلة. فعندما ثار عبد الله كنون ضد التهميش الثقافي للإبداع المغربي وأثبت نبوغ المغاربة في شتى فصول القول وتلاوينه كان غايته الانتصار لمساهمتهم في الحضارة العربية الإسلامية، وهو ما استوعبته سلطات الحماية التي منعت تداول كتاب النبوغ المغربي مستشعرة أهميته في بعث روح المقاومة.
كما أن إقرار علال الفاسي بالإنسية المغربية التي تشكلت عبر مراحل التاريخ المختلفة تعود إلى أزمنة غابرة لا ينافي الارتباط بالانتماء الإسلامي باعتبارها أوج التشكل للشخصية المغربية. ودفاع الجابري عن عقلانية المغرب لا يعني الانسلاخ من انتمائه للأمة بكل تفاصيلها ومشاكلها.
إن محاولة بناء سردية التميز القطري والخصوصية، والمغالاة في توظيفها عبر مفاهيم مغلوطة هي محاولة للقفز على التمايزات الحقيقية، اجتماعياً وسياسياً، لخلق مفاصلات مفهومية جديدة: "إنَّها بذلك تُؤسِّسُ لِكيانٍ جديدٍ لا يَكتَرِثُ فِي الغالبِ لِلشَّرْطِ الحياتيِّ كمَا يُمكنُ أنْ يُعَاش حقيقةً ضِمْن بِنياتٍ اِجْتماعيَّةٍ قَائِمةٍ على تبايناتٍ في المالِ والجاهِ والحُظوةِ والسّلطةِ والنّافعِ من الوطنِ وغيرِ النّافعِ" كما قال سعيد بنكراد. قد يبدو المفهوم في أحسن التفسيرات والتأويلات محاولة لتحصين الجماعة الوطنية ضد تآكل الدول القطرية بعد أحداث المنطقة، حيث أصبح النقاش المحوري للفاعلين ليس نقاش تنمية ودمقرطة، وإنما نقاش وجود الدولة في حد ذاتها، لكن القراءة الحقيقية للخصوصية هي التي تستحضرها في علاقتها بالكل الحضاري وليس باعتقالها داخل المكان والحدود واستثمارها في تنمية الوطن والاستجابة لتطلعات المواطنين.
والأحداث المتتالية سياسياً واجتماعياً، وحتى رياضياً، تثبت أن الوحدة الهوياتية والوجدانية قائمة بالرغم من محاولات الحصار والآراء العرضية لبعض الأصوات من هنا وهناك. إنه القدر المشترك.
نعمان لحلو.. باحث في بنيات موسيقى المغرب
منذ أسابيع انطلقت القناة الثانية في بث ما يسمى بكابسولات (أي فيديوهات أو تسجيلات قصيرة جدا) حول الموسيقى المغربية. صاحب هذا المشروع المحتضن من طرف هذه القناة ليس سوى الموسيقار والباحث نعمان لحلو. هذا المهووس بالقراءة والبحث والعنيد في تعامله مع الجملة الموسيقية والشعر المغربي الغنائي، لا زال مصرا على سبر أعماق ثقافة ولدت في كنفها أساليب مغربية للتعامل مع الحروف الموسيقية.
نعمان لحلو له علاقة خاصة مع الموسيقى ومع تاريخها ومحيطها. هذا الأخير ليس مجرد مكونات لأغنية من لحن وشعر وتوزيع وأداء نابع من حبال صوتية متمرنة على المقامات وعلى القرار والجواب. نعمان لحلو يبحث كذلك عن صناع الآلات وأشكالها ويقرأ معهم مسافات الأوتار وعمق تعبيرها سريع الوصول إلى الأذن الموسيقية.
كل لقاء مع نعمان لحلو هو سفر حول تاريخ وتر وإيقاع ونغم وفنان. نغمات أمير الآلات أي ذلك المدلل والمحبوب الذي نسميه العود أصبح بالإمكان صناعته بأشكال مبتكرة تنبعث منها كل مكونات " ربع تون" بدقة وصفاء ووضوح. أشكال العود الذي تصنع منذ سنين في سوريا ومصر والعراق والمغرب لا زالت صناعة يحافظ عليها حس بالجمال ورغبة في الإبداع. العود الجميل هو الذي كلما خف وزنه زادت قوة تعبير اوتاره. في دمشق رافقت زميلا من تونس وزوجته لاقتناء عود لا يزيد وزنه عن 350 غرام. وأتذكر ذلك المساء الذي قادتني خطواتي إلى شارع محمد علي في القاهرة. هاتفت الفنان نعمان لحلو من أجل نصيحة لاقتناء عود. وما هي إلى بضعة دقائق حتى وصل صديق لنعمان ليرافقني فنيا وأصل إلى المبتغى.
برنامج "بيانيسمو" دخل إلى عالم ومكونات نغم كناوة وايقاعاته والى الطرب الحساني وأشكاله التعبيرية المتنوعة وإلى إبداعات عبد الصادق شقاره ومساحات صوته وألحانه الاستثنائية. دقائق قليلة كانت كافية للتعريف بالطبوع وبحور الشعر والقدرات الصوتية وجمالية التعبيرات. الحلقات الأولى من هذا المنتوج الإعلامي عميق المرامي تفتح شهية المستمع المشاهد والمحب للموسيقى والباحث عن المزيد. الأكيد أن الحاجة كبيرة إلى الاستمرار في هذا النهج الجميل. لا يمكن إلا أن نتمنى أن يستمر هذا الفعل الثقافي الجميل الذي يتكلم بكثير من الاحترام المهني عن الثقافة الموسيقية المغربية.
نعمان لحلو: مهنتي الموسيقى وليست الشهرة.. ومواضيعي لن تجلب مشاهدات عالية
يعد الفنان نعمان لحلو، من الفنانين المدافعين عن التراث المغربي في أعماله، وذو مسار موسيقي مختلف، كما يعرف بجرأته وصراحته، التي تخلق له أحيانا مشاكل في الوسط الفني، إلى جانب خلافات مع زملائه الفنانين، خاصة المنتمين إلى الجيل الجديد.
وفي حوار له بإحدى البرامج العربية، الذي أجراه مؤخرا، تحدث نعمان لحلو عن رؤيته الفنية، وعن اختياراته الموسيقية، معربا: "مهنتي هي الموسيقى وليست هي الشهرة، هذه الأخيرة بالنسبة لي مجرد سراب، وإذا كنت تطارد عدد المشاهدات فقط، ستضيع موضوعك الأصلي الذي تتميز به".
مسترسلا: "أنا اخترت العيش بأمريكا لسنوات، وانتقلت إلى مصر في بداية التسعينات، لأقرر الرجوع إلى المغرب بعد ذلك، بالرغم من أن بعض أصدقائي من بينهم الفنانة سميرة سعيد، حاولوا إقناعي أنه قرار مجنون، لكنني أفضل أن أكون حقيقة صغيرة على أن أكون ظلا كبيرا".
وأشار الفنان، أن النمط الموسيقي الذي ينتمي إليه يتسم ب"الواقعية"، مضيفا: "أنا أغني عن الإنسان، أطفال الشوارع، الأنتربولوجيا، الهجرة السرية وغيرها من القضايا الهامة. وأنا أعي تماما أن هذه المواضيع لن تجلب مشاهدات عالية، لكنه اختياري الفني فقط".
وفي السياق ذاته، تطرق المتحدث، إلى الواقع المعيشي اليوم، وتأثير مواقع التواصل الاجتماعي على الشباب، الذي جسده في آخر إصداراته بعنوان "حياتنا كيف ولات".
وأعرب نعمان، أن الأغنية هي بمثابة "إثبات حالة، والفرق الصارخ بين ما كنا نعيشه، وبين ما نعيشه اليوم"، قائلا: "أتكلم من خلال الأغنية مع روح أمي، أقول لها أن صلة الرحم أصبحت في مواقع التواصل الاجتماعي وكل شيء تغير عن السابق، وفي المقابل أخبرها أن هذا عصرهم ويجب تقبل ذلك".
ومن جهة أخرى، أوضح نعمان لحلو، المقصود من أحد تصريحاته السابقة المثيرة للجدل حول الأغنية المغربية، حيث قال: "لا توجد أغنية مغربية بل أغنية في المغرب فقط"، معتبرا أنه في ظل العولمة الثقافية، "أصبحنا نتشابه فيما بيننا".
وتابع نعمان حديثه، معبرا: "الكل أصبح يريد الدخول في قالب متشابه، لكن في نفس الوقت أعتبر أن الفن الموسيقي يجب أن يبقى كما هو اليوم ليعكس حياتنا السوسيوثقافية كما هي بإيجابياتها وسلبياتها. فننا اليوم يشبهنا ونشبهه، إلا من رحم ربي، هناك بعض النماذج القليلة التي أظن أنني منهم الذين يريدون أن يسبحوا ضد التيار".
وذكر نعمان لحلو أنه يعترف بمختلف الفنانين الشباب الذين حرصوا على إيصال اللهجة المغربية إلى العالم العربي والعالم، من قبيل الفنان سعد لمجرد، أسماء لمنور، وغيرهم، مشددا أنه اختار أن يتجه في مسار مغاير عن هؤلاء، إذ فضل تحقيق نجاح محلي أكثر من العربي، ولو كان ذلك على حساب الشهرة، إلى جانب تسليط الضوء على مواضيع اجتماعية.
وأشار الفنان، إلى أنه يرفض الحفلات الخاصة، ويفضل أن يشاهده الجمهور في المسارح الكبرى أو دار الأوبرا، محافظا على اختلافه وخصوصيته، وليس الهدف هو خلق "البوز"، لكن تعبيرا عن ذاته وكيانه، سواء من ناحية الفن أو الأفكار.
وفي سياق متصل، أكد نعمان لحلو، أنه لا يفكر في إرضاء الجمهور، سواء المغربي أو العربي، عند إنتاجه لأعماله الموسيقية، معربا: "إذا أعجب الجمهور بأحد أعمالي سأكون سعيدا، لكن إذا وقع العكس سأحتفظ بنسختي. وبخصوص صعوبة اللهجة المغربية بالنسبة للعرب، يجب أن يقوموا بمجهود صغير لاستيعابها والاهتمام بثقافتنا أكثر كما نفعل نحن".
كما وجه الموسيقار رسالة إلى الفنانين المغاربة الذين يقدمون أعمالا بلهجات أخرى، قائلا: "أنت فنان ومنتشر في الشرق، يمكنك الغناء بأي لهجة تريد لكن لا تنسى لهجتك المغربية، لأن اللغة ليست وسيلة للتخاطب فقط بل تعبر عن فكر وعن حضارة وعن هوية، لذلك غني ما شئت لكن لا تنسى من تكون".
وأردف الفنان نعمان لحلو حديثه، خلال اللقاء، بإبداء رأيه حول إمكانية فتح الحدود بين المغرب والجزائر، نظرا للتاريخ الذي يجمع البلدين، بالرغم من الخلافات التي شهداها في الآونة الأخيرة، معبرا: "بالتأكيد البلدان يحظيان بأشياء كثيرة مشتركة، من بينها انصهار ودم مشترك، إضافة إلى زيجات وتقاليد مشتركة، لا أريد الدخول في الانتقادات والسياسة، لكن المشكل بيننا سياسي فقط ،أما الشعوب سوف تبقى، هذا ما أشرت إليه من خلال أغنيتي بيني وبينك الحدود، فهي عبارة عن قصة حب بين جزائرية ومغربي، يحبان بعضهما البعض وتفرقهما الحدود".
وخلال إحدى فقرات البرنامج، أعرب لحلو أن الفنان سعد لمجرد، أول فنان اشتغل أكثر لإيصال اللهجة المغربية إلى الخارج، أكثر من الفنانة سميرة سعيد رغم تجربتها وتاريخها الكبيرين.
وفي ختام الحلقة، كشف الموسيقار، أن الفنان الذي يفضل التعاون معه فنيا بمصر، هو الفنانة شيرين عبد الوهاب، معتبرا أنها مطربة العرب الأولى، بغض النظر عن حياتها الشخصية وما أثارته من جدل مؤخرا.
جدير بالذكر، أن نعمان لحلو، خلق جدلا واسعا خلال الفترة الأخيرة، بأحد تصريحاته "الصادمة"، التي يتهم فيها جيل الموسيقى الحديثة بانعدام الموهبة والصوت، مشيرا لاعتماد العديد منهم على برنامج تعديل الصوت "الأطوتين"، وتأثرهم بالأنماط الموسيقية الشرقية، مما دفع الكثير من الفنانين إلى الخروج عن صمتهم والدفاع عن فنهم، أبرزهم حاتم عمور، الذي اعتبر أن نعمان لحلو، بدوره، يعد أول من استلهم ألحانه وموسيقاه من الفن الشرقي والخليجي ...
"غزة وشهود الزور"
هو عنوان الأغنية الأخيرة التي لحنها وغناها المطرب والملحن المغربي نعمان لحلو ونشرها قبل أيام على قناته في يوتيوب، ولاقت تفاعلا في مواقع التواصل الاجتماعي حيث وجدها الجمهور معبرة عن واقع الحال في القطاع الذي يعيش حرب إبادة أمام أعين العالم.
تقول كلمات الأغنية التي كتبها الشاعر سعيد متوكل وقام يونس الخزان بالتوزيع، "أنا غزة رمز العزة، أنا اللي مات وأنا اللي عزى" وتضيف، "الله حق، الله عدل، واللي معاه ربي ديما منصور، وانت جيتي، تاخد داري وجبتي معاك شهود الزور".
ثم تخاطب الأغنية الاحتلال الإسرائيلي، "جيب معاك حبال الصمت، وجيب معاك شْهود الزور، جيب الرومان وجانكيز خان، جيب المغول مع تيمور، ولو تبني 100 سور وسور، وفالمواقع تحجب الكلمة وتقطع الما وتقطع النور، جيل جديد جايب العيد كل شيء فْكتاب مذكور".
يقول نعمان لحلو ل "الجزيرة نت"، إن ما يحدث في غزة جعله يشعر بالعجز، ويضيف "رغم أن العالم كله يغلي رفضا للإبادة الجماعية التي تتعرض لها غزة لكن لا أحد يفعل شيئا لمنع مرتكب هذه الإبادة، وهذا يشعرنا جميعا بالعجز".
واشتغل المغني والملحن نعمان لحلو مع الشاعر سعيد متوكل في ورشة عمل استمرت لأيام لإخراج الأغنية وفق التصور الذي كان يريده لها.
يقول "لم نكن نريد أن تعبر الأغنية عن الحزن أو الفرح أو الغضب، بل عن العزة والكرامة"، لذلك يكشف أنه قسمها إلى 3 مقاطع، وسجل كل مقطع في أوقات مختلفة، في السادسة صباحا حيث يكون الصوت قويا ثم في الظهيرة وفي الليل، ليجمع المقاطع معا وتكتمل الأغنية كما صدرت في شكلها النهائي.
يؤكد نعمان، "أردنا إعطاء جرعة أمل وسط أزمة كبيرة لكن دون خنوع"، وتفاعل فنانو المغرب العربي مع المجازر المرتكبة في غزة وفلسطين في ظل الصمت الدولي، وأنتجوا أغاني للدعم المعنوي والمشاركة في موجة التضامن الشعبي مع القضية الفلسطينية، وخاصة مع أهالي قطاع غزة.
وقبل أسبوعين صدرت للفنان التونسي أغنية "وا أمتاه" من كلمات الشاعر فيصل الشريف وألحان وغناء لطفي بوشناق، جاء في مطلعها، "وا أمتاه الصمت قد أردانا، إنا سئمنا الجور والطغيانا، سفك العداة دماءنا في غزة، والغرب قد كانوا لهم أعوانا".
ثم صدرت بعدها أغنية "نشيد القدس" من كلمات الشاعرة التونسية شيراز جردق.
يرى نعمان لحلو أن المبدع ينبغي أن يكون حاضرا في القضايا الحاسمة لأمته، فالأغنية -في نظره- هي بمثابة الإسمنت الذي يجمع الشعب أو الأمة التي تشترك في الدين واللغة والثقافة.
ورغم حزنه على الفظاعات التي ترتكب في غزة، أشاد لحلو بالحراك الذي يشهده الشارع العالمي سواء العربي أو الغربي، وأكد "أنا ضد من يقول إن الشعوب تعيش في صمت، الشعوب حية وضميرها حي".
ودعا لحلو الفنانين والمؤثرين إلى القيام بأدوارهم في زمن الأزمات وإيصال الرسائل والحقائق في زمن حجب المعلومة.
وأضاف، "ليس لدينا خصاص في الإبداع، وعلى المبدعين أن يستيقظوا وأن يكونوا حاضرين في القضايا والمنعطفات الحاسمة للأمة"، معتبرا أن دورهم مهم في التعبير عن هموم الناس وإيصال أصوات المستضعفين والدفاع عن القضايا العادلة.
الحاجة إلى الفن المسؤول
من جهته، أكد الناقد الفني مصطفى الطالب أن القضية الفلسطينية كانت دائما حاضرة في الفن المغربي منذ سبعينيات القرن الماضي مع مجموعات "جيل جيلالة" و"ناس الغيوان" و"لمشاهب" و"السهام" ومغنيين آخرين، لافتا إلى أن هؤلاء الفنانين كانوا يؤمنون بأهمية الفن في الدفاع عن القضايا الوطنية حيث غنوا عن الصحراء المغربية والمسيرة الخضراء والاستقلال، وفي الدفاع عن قضايا الأمة العربية والإسلامية وخاصة فلسطين التي تعرضت للاحتلال والمجازر.
وأوضح الطالب في حديث مع "الجزيرة نت"، أن أهمية أغنية "غزة وشهود الزور" التي أطلقها لحلو، تكمن في أنها جاءت في زمن التطبيع مع إسرائيل وسط صمت الفنانين والمثقفين، إلى أن جاء طوفان الأقصى ومأساة غزة التي تشهد إبادة جماعية في ظل صمت الدول العربية.
ولفت المتحدث إلى أن الفن الذي يخاطب الوجدان والذي يستأثر باهتمام جماهير عريضة في المجتمع يعد سلاحا قويا في نصرة القضايا الإنسانية العادلة وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
ففي نظره، فإن أغنية أو فيلما أو رسما يمكن أن يكون له الأثر الكبير على الناس أكثر من المقالات والخطب وإن كانت هي الأخرى لها دورها المهم، "كم من مرة حارب العدو الصهيوني رسما أو فيلما لأنه يكشف لا إنسانيته وهمجيته وهناك من طرد من عمله بسبب ذلك؟".
وأشار الطالب إلى أن الثقافة الإسلامية تشجع الأعمال الفنية زمن الحروب، لافتا في هذا الصدد إلى أن الرسول الكريم عند مواجهته كفار قريش دعا الشاعر حسان بن ثابت إلى هجائهم وقال أيضا إن من البيان لسحر.
وأكد الناقد الفني على أن الحاجة ماسة اليوم إلى الفن المسؤول والهادف لمواجهة التفاهة والميوعة الفنية التي أفسدت الذوق والجمال وسُخرت لها أموال طائلة لإلهاء الشعوب العربية وتخديرها حتى لا تكون في مستوى قضاياها أي قضايا التحرير والاستقلالية والحرية والكرامة وخاصة نصرة الشعب الفلسطيني.
نعمان لحلو في المحصلة " هو الفنان الذي يستحيل ترويضه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.