تشهد حالات العنف ضد الأطفال في المغرب ارتفاعًا مقلقًا، حيث كشف تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان لعام 2023 عن تسجيل زيادة كبيرة في الانتهاكات التي يتعرض لها الأطفال، بما في ذلك العنف الجنسي في الوسط المدرسي، مشيرًا إلى تلقي الآلية الوطنية للتظلم الخاصة بالأطفال ضحايا انتهاكات حقوق الطفل ل 83 شكاية خلال هذه السنة ضمنها انتهاكات تعرض لها أطفال المدارس. وسجلت الآلية وفق معطيات التقرير الذي توصلت جريدة "العمق" بنسخة منه 38 حالة اعتداء جنسي على الأطفال، ضمنها 18 حالة بالوسط المدرسي، بينما تم تسجيل 20 حالة، بعد استقبال الضحايا مباشرة، و13 حالة وردت عبر البريد. و27 شكاية تم تسجيلها بعد استقبال أصحابها، فيما تدخلت في 9 حالات عن طريق الرصد والتصدي التلقائي لحالات انتهاكات حقوق الطفل. وكشف التقرير، أنه تم توجيه أربع شكايات إلى الجهات القضائية المختصة، نتيجة تعرض الأطفال للعنف داخل الوسط الدراسي. وتناولت الآلية شكاية متعلقة بادعاء تعرض متعلمة لسوء المعاملة من قبل أستاذها في مدرسة خصوصية بتيفلت، حيث تمت دعوة المشتكي والطفلة لحضور جلسة الاستماع فلم يحضرا في الوعد المحدد لهما، كما تم الاتصال بالمشتكي الذي اعتذر عن الحضور، وأفاد أنه قد تمت تسوية الأمر مع الأستاذ موضوع الشكاية. كما عالجت الآلية شكايتين لنفس المشتكية، تتعلقان برفض الزوج منح الزوجة الإذن بنقل الأبناء إلى مدرسة قريبة من مسكنها الجديد بسبب خلافات عائلية، حيث تم توجيه المشتكية إلى تقديم دعوى استعجالية إلى رئيس المحكمة الابتدائية بسوق أربعاء الغرب لتسهيل عملية نقل الأطفال. بالإضافة إلى ذلك، تمت معالجة شكايتين تتعلقان بالتظلم من التوقيت الدراسي المعتمد بمدرسة عمومية بفجيج، حيث تبين بعد التحري أنه تم اعتماده باتفاق مع جمعية الآباء وإدارة المؤسسة التعليمية والمديرية الإقليمية للتربية والتكوين. ومن بين الشكايات الأخرى التي تم تناولها التقرير، شكاية تدعي تعرض طفل في وضعية إعاقة لسوء المعاملة من قبل مدير مؤسسة تعليمية بوجدة، وتمت إحالتها إلى الآلية الوطنية الخاصة بحماية حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة. كما تلقت الآلية طلبًا للتدخل لاسترجاع مبلغ مالي أنفقه أب في علاج ابنه الذي أصيب خلال نشاط مدرسي، وتم توجيهه إلى رفع دعوى المسؤولية المدنية أمام المحكمة الابتدائية بطنجة. وفيما يتعلق بالولوج إلى التعليم، أكد التقرير أن الآلية الوطنية للتظلم الخاصة بالأطفال ضحايا انتهاكات حقوق الطفل، تلقت عدة شكايات حول رفض المؤسسات التعليمية الاستجابة لطلبات نقل التلاميذ إلى مدارس قريبة من محل سكن الأمهات، بسبب نزاعات أسرية أو غياب الآباء، مشيرا إلى أنه تم توجيه كتاب إلى وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، يدعو فيه إلى إصدار تعليمات لمدراء المؤسسات التعليمية للاستجابة لهذه الطلبات بما يضمن مصلحة الطفل الفضلى، وفقًا لاتفاقية حقوق الطفل التي صادق عليها المغرب. ومن جهة أخرى، لفت التقرير، إلى أنه من بين أبرز القضايا التي أثارت جدلاً واسعاً قضية اغتصاب جماعي لطفلة في نواحي مدينة تيفلت، مما نتج عنه حمل وولادة طفل، منبها إلى أن هذه القضية أثارت غضب الرأي العام نظرًا لحصول الجناة على أحكام مخففة في البداية، إلا أن المحكمة الجنائية الاستئنافية بالرباط أصدرت في أبريل 2023 أحكامًا بالسجن تتراوح بين 10 و20 سنة ضد الجناة في مرحلة الاستئناف، مما يعكس تشديد العقوبات بعد الضغط المجتمعي والنقاش الحقوقي. فيما يتعلق بالرصد التلقائي لحالات انتهاك حقوق الطفل، رصدت الآلية عدة خروقات وتجاوزات في تعاطي بعض مواقع التواصل الاجتماعي مع الأطفال ضحايا الزلزال الذي ضرب مناطق عديدة من المغرب في سبتمبر 2023. وتضمنت هذه الخروقات نشر صور للأطفال وهم يتلقون مساعدات إنسانية، والترويج لتزويج القاصرات، والتحريض على انتقالهن من القرى المنكوبة إلى المدن للعمل كخادمات. في المقابل، دعت الآلية الوطنية للتظلم الخاصة بالأطفال ضحايا انتهاكات حقوق الطفل، الجهات المعنية إلى التدخل الفوري لمنع نشر صور الأطفال على منصات التواصل الاجتماعي وتوفير حماية خاصة لهم، والوقوف على الممارسات غير المقبولة التي تتعارض مع معايير حقوق الطفل، مع تشديد العقوبات على الجرائم الجنسية ضد الأطفال. كما أوصى تقرير المجلس الوطني لحقوق الانسان، بتعزيز مبدأ مشاركة الأطفال في اتخاذ القرارات التي تخصهم، وتوفير آليات قانونية تكفل إشراكهم في القوانين والسياسات العامة. شدد المجلس على ضرورة التحقيق الجاد والسريع في شكايات العنف ضد الأطفال وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي للضحايا. وأكد على أهمية تنظيم حملات توعوية تهدف إلى نشر الوعي حول حقوق الأطفال ومخاطر العنف والاستغلال الجنسي، بالإضافة إلى تحسين البنية التحتية التعليمية وتوفير بيئة تعليمية آمنة ومناسبة للأطفال. فيما يتعلق بالعنف الجنسي، أوصى المجلس باستكمال مسطرة المصادقة على اتفاقية مجلس أوروبا الخاصة بالعنف الجنسي ضد الأطفال "اتفاقية لانزاروت"، وتعزيز مقاربة حماية الطفل في جميع الإجراءات القانونية، مطالبا بإعادة تكييف جرائم الاغتصاب والاعتداء الجنسي وفقًا للمعايير الدولية على أنها عنف جنسي وجريمة تمس بالسلامة الجسدية للضحية، وتشديد العقوبات عليها. وأكد المجلس الوطني لحقوق الإنسان على أن حماية حقوق الأطفال في المغرب تتطلب وجود ترسانة قانونية شاملة ومتكاملة تحيط بكل الجوانب المادية والمعنوية المتعلقة بالأطفال. وأوصى بتجميع النصوص القانونية المتعلقة بالطفل في مدونة واحدة لضمان وضوحها وسهولة تطبيقها، دعيا جميع الأطراف المعنية إلى التعاون المشترك لتحقيق هذا الهدف، وتوفير بيئة آمنة وصحية تضمن للأطفال حقوقهم الكاملة في النمو والتعليم والحياة الكريمة.