في البداية، أود أن أشير إلى نقطة جد مهمة وهي أن الهدف من هذا المقال ليس وضع مقارنة بين المجالس الجهوية للمحاسبين المعتمدين ومشروع الجهوية الموسعة، ولكن الهدف الرئيسي هو محاولة كيفية الاشتغال على مستوى الجهة وذلك عن طريق ترسيخ مفهوم المأسسة. ولهذا الغرض، كان لزاماً علينا أن نقوم بتقديم مجموعة من التعاريف والمفاهيم القانونية لهاتين المنظومتين: 1- المجالس الجهوية للمحاسبين المعتمدين 2- الجهوية الموسعة سنبدأ أولاً بالتعريف القانوني للمجالس الجهوية للمحاسبين المعتمدين. تعتبر هذه الأخيرة هي الآلية الوحيدة على صعيد الجهة لتطبيق قرارات وقوانين ومقتضيات قانون 127-12 المتمم لقانون 53-19، والممثل الأوحد والوحيد للمحاسبين المعتمدين لدى جميع الإدارات والمصالح المركزية في الدائرة الترابية التي ينتمي لها المجلس الجهوي (المادة 11 من القانون الداخلي) في علاقة عمودية مع المجلس الوطني. أما فيما يخص التعريف القانوني للجهوية الموسعة أو المتقدمة: فهي نظام إصلاحي يرتكز على عدم التركيز الإداري بشكل يخدم الجهوية وينسجم مع توجهاتها الكبرى، وذلك من خلال تنازل الإدارات المركزية عن المزيد من الاختصاصات الفعلية لصالح مصالحها الخارجية (المندوبيات، المديريات الجهوية، المفتشيات الإقليمية...) مع نقل الموارد المالية والبشرية لفائدة هذه الوحدات الإدارية. إذ لا جهوية في ظل التركيز الإداري، بحيث ينبغي أن يصبح عدم التركيز هو القاعدة الأساسية في توزيع المهام بين مختلف المصالح الإدارية التابعة للدولة، مما يسمح بتفعيل الحكامة الترابية، وتعزيز سياسة القرب من المواطن، وتفعيل التنمية الجهوية المندمجة. من خلال هذين التعريفين البسيطين يتبين أن هناك علاقة عضوية بين المجالس الجهوية للمحاسبين المعتمدين والجهوية الموسعة أو المتقدمة. هذه العلاقة تظهر بشكل جلي في كون أن المجلس الجهوي للمحاسبين المعتمدين ما هو إلا مؤسسة ضمن مجموعة من المؤسسات التي تزخر بها الجهة، وهو ملزم بالتعامل والتواصل مع هذه الإدارات من الناحية القانونية والدستورية من أجل الانخراط في التنمية المحلية وتسهيل عمل المحاسبين في المرافق الإدارية. (وهنا أريد أن أفتح قوساً حول هذه العلاقة الملزمة مثل: جباية الضرائب المحلية، صندوق تكافل الجهات الذي يستمد ميزانيته من ضرائب الشركات بنسب متفاوتة حسب القانون المؤطر والرخص في بعض القطاعات والأنشطة الاقتصادية ...). ومن أجل إعطاء موقع استراتيجي ومكانة جد متقدمة للمجالس الجهوية للمحاسبين المعتمدين على صعيد الجهة، فلا بد من تأطير المحاسبين على مفهوم المأسسة (institutionalisme). (لقد أشرت إلى هذا المفهوم في مقالي السابق لمن يريد الاطلاع عليه) وهذا لا يمكن أن يأتي إلا بتعزيز شعور الانتماء إلى المنظمة (OPCA et conseils régionaux)، وبناء هيكل تنظيمي شامل يرتكز على مقاربة شمولية في علاقتها مع باقي المؤسسات (الاشتغال من داخل المؤسسة ومع باقي المؤسسات في تناسق تام واستقلالية من ناحية القرار). وفي الأخير، أود أن أرفع مجموعة من التوصيات من خلال هذا المقال المختزل وهي: أن ورش المجالس الجهوية للمحاسبين المعتمدين ما هو إلا تعبير أسمى للممارسة الديمقراطية على صعيد الجهة وفرصة لتطبيق مفهوم المأسسة (institutionalisme) من أجل بناء منظمة قوية ومتجانسة قادرة على رفع التحديات والانخراط السليم في التنمية المحلية للجهة.