الكونفدرالية الديمقراطية للشغل تصعد رفضها لمشروع قانون الإضراب    تعاونيات جمع وتسويق الحليب بدكالة تدق ناقوس الخطر.. أزيد من 80 ألف لتر من الحليب في اليوم معرضة للإتلاف    إسرائيل تغتال 5 صحفيين فلسطينيين بالنصيرات    اكتشاف جثة امرأة بأحد ملاعب كأس العالم 2030 يثير الجدل    البطولة الوطنية.. 5 مدربين غادروا فرقهم بعد 15 دورة    المنتخب المغربي يشارك في البطولة العربية للكراطي من 26 إلى 28 دجنبر بالأردن    توقعات أحوال الطقس ليوم الخميس    جدل تعديلات مدونة الأسرة… بين مؤيد ومنتقد    أسعار النفط ترتفع بدعم من تعهد الصين بتكثيف الإنفاق المالي العام المقبل    طنجة تتحضر للتظاهرات الكبرى تحت إشراف الوالي التازي: تصميم هندسي مبتكر لمدخل المدينة لتعزيز الإنسيابية والسلامة المرورية    الارتفاع يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    "الاتحاد المغربي للشغل": الخفض من عدد الإضرابات يتطلب معالجة أسباب اندلاعها وليس سن قانون تكبيلي    الحبس موقوف التنفيذ لمحتجين في سلا    وكالة بيت مال القدس واصلت عملها الميداني وأنجزت البرامج والمشاريع الملتزم بها رغم الصعوبات الأمنية    مقتل 14 شرطيا في كمين بسوريا نصبته قوات موالية للنظام السابق    كندا ستصبح ولايتنا ال51.. ترامب يوجه رسالة تهنئة غريبة بمناسبة عيد الميلاد    حزب الأصالة والمعاصرة يشيد بإصلاح مدونة الأسرة ويدعو إلى تسريع المصادقة عليه    حلقة هذا الأسبوع من برنامج "ديرها غا زوينة.." تبث غدا الجمعة على الساعة العاشرة    "التجديد الطلابي" تطالب برفع قيمة المنحة وتعميمها    بلعمري يكشف ما يقع داخل الرجاء: "ما يمكنش تزرع الشوك في الأرض وتسنا العسل"    "ال‬حسنية" تتجنب الانتقالات الشتوية    أسعار الذهب ترتفع وسط ضعف الدولار    صناعة الطيران: حوار مع مديرة صناعات الطيران والسكك الحديدية والسفن والطاقات المتجددة    شرطة أصيلة تضطر لاستخدام السلاح لتحييد خطر شقيقين في حالة سكر    حملات متواصلة لمحاربة الاتجار غير المشروع في طائر الحسون أو "المقنين"    الحكم على 13 عضوا من مناهضي التطبيع ب6 أشهر حبسا موقوفة التنفيذ    تدابير للإقلاع عن التدخين .. فهم السلوك وبدائل النيكوتين    بيت الشعر في المغرب ينعي الشاعر محمد عنيبة الحمري    سنة 2024 .. مبادرات متجددة للنهوض بالشأن الثقافي وتكريس الإشعاع الدولي للمملكة    الممثل هيو جرانت يصاب بنوبات هلع أثناء تصوير الأفلام    الثورة السورية والحكم العطائية..    الضرورات ‬القصوى ‬تقتضي ‬تحيين ‬الاستراتيجية ‬الوطنية ‬لتدبير ‬المخاطر    اعتقال طالب آخر بتازة على خلفية احتجاجات "النقل الحضري"    كيوسك الخميس | مشاهير العالم يتدفقون على مراكش للاحتفال بالسنة الميلادية الجديدة    الصين: أعلى هيئة تشريعية بالبلاد تعقد دورتها السنوية في 5 مارس المقبل    الإعلام الروسي: المغرب شريك استراتيجي ومرشح قوي للانضمام لمجموعة بريكس    "البام" يدعو إلى اجتماع الأغلبية لتباحث الإسراع في تنزيل خلاصات جلسة العمل حول مراجعة مدونة الأسرة    "أرني ابتسامتك".. قصة مصورة لمواجهة التنمر بالوسط المدرسي    المسرحي والروائي "أنس العاقل" يحاور "العلم" عن آخر أعماله    مباراة ألمانيا وإسبانيا في أمم أوروبا الأكثر مشاهدة في عام 2024    جمعيات التراث الأثري وفرق برلمانية يواصلون جهودهم لتعزيز الحماية القانونية لمواقع الفنون الصخرية والمعالم الأثرية بالمغرب    مصطفى غيات في ذمة الله تعالى    "الجديدي" ينتصر على الرجاء بثنائية    جامعيون يناقشون مضامين كتاب "الحرية النسائية في تاريخ المغرب الراهن"    التوجه نحو ابتكار "الروبوتات البشرية".. عندما تتجاوز الآلة حدود التكنولوجيا    هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    الوزير قيوح يدشن منصة لوجيستيكية من الجيل الجديد بالدار البيضاء    حقائق وشهادات حول قضية توفيق بوعشرين مع البيجيدي: بين تصريحات الصحافي وتوضيحات المحامي عبد المولى المروري    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    تنظيم الدورة السابعة لمهرجان أولاد تايمة الدولي للفيلم    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إعادة النظر في الجهوية المتقدمة
نشر في هسبريس يوم 10 - 04 - 2021

راهن المغرب منذ سنوات الاستقلال الأولى على الخيار اللامركزي كأسلوب من أساليب التنظيم الإداري، متوخيا فسح المجال لوحدات ترابية لامركزية لتضطلع بمسؤولية تدبير الشؤون الترابية بكل أبعادها السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية والبيئية. حيث توصل المغرب إلى مشروع الجهوية المتقدمة، كإطار ملائم لبلورة استراتيجية موازية للمتطلبات التنموية، لتنفيذ توجهات الدولة القائمة على تعبئة الموارد والطاقات المحلية، من أجل ترسيخ الديموقراطية وتطوير البناء الجهوي.
ويقصد بالجهوية هنا، تقسيم المجال المغربي إلى وحدات ترابية وفق معايير محددة بناء على الخصائص الطبيعية والاقتصادية والثقافية... وبالتالي نكون أمام مفهوم مجالي إداري واقتصادي مرادف للمفهوم اللاتيني la régionalisation، الذي يسعى إليه المغرب والمتمثلة في لامركزية موسعة تخول للجهات صلاحيات أوسع كما لممثلي السلطة المركزية. كذلك بنقل بعض الاختصاصات والموارد من السلطة المركزية إلى الوحدات الجهوية، باعتبارها مشروع استكمالي لسياسة اللامركزية واللاتركيز. فما هي مراحل تطور الجهوية في المغرب؟ وما هي المرجعيات التي بنيت عليها، وما هي أسسها ومرتكزاتها؟ وأي دور تلعبه الجهوية في تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية وكذا التنمية المندمجة؟
سنحاول الإجابة عن هذه التساؤلات وفق ثلاثة مباحث رئيسية:
المبحث الأول: مرجعيات الجهوية المتقدمة
المبحث الثاني: الجهوية المتقدمة.. الأبعاد والمبادئ
المبحث الثالث: الجهوية المتقدمة مشروع لتحقيق التنمية.
قبل التطرق لمعالجة هذه النقاط لا بأس أن نلقي نظرة على الإطار التاريخي الذي مهد لبلورة مشروع الجهوية المتقدمة. وكما ذكرنا سابقا فإن بوادر التفكير الأولى ظهرت منذ الاستقلال، كان الهدف منها إيجاد صيغة تنظيم إداري يستجيب للإكراهات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، لهذا الغرض تم إصدار ميثاق جماعي في 23 يونيو 1960 ليتم بذلك وضع أول أساس تشريعي لإقرار مبدأ اللامركزية الإداري كخطوة أولى في إطار النهوض بالتنظيم المحلي. بعد ذلك سنة 1963 تم وضع قانون جعل من العمالات والأقاليم بمثابة وسيط بين السلطة المركزية والجماعات المحلية، حيث شكلت أهم التقسيمات الإدارية خلال تلك الفترة، التي سعت من خلالها الإدارة المركزية إلى مراقبة وتأطير المجتمع لفرض سلطاتها الإدارية والسياسية.
منذ دستور 1971م. بدأ يتطور مفهوم الجهة، حيث تم تحديدها كإطار اقتصادي لتنفيذ وتنسيق الأشغال والدراسات والأعمال المتعلقة بالمناطق بهدف ازدهارها، وعرفت تقسيما يضم سبع جهات اقتصادية، حيث تكون الجماعة المحلية هي النواة وذلك بمقتضى ظهير 1976م. ثم تم الارتقاء بالجهة إلى جماعة محلية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي على إثر تعديلات دستورية محدثة سنة 1992. وفي سنة 1996 أنيطت بالجهة اختصاصات واسعة، حيث تم إحداث 16 جهة.
هكذا تابع المغرب أشواطه في ترسيخ وتعميق اللامركزية قصد النهوض بالتنمية البشرية المحلية، مضيفا لهذه المراحل عدة إجراءات تنظيمية ونصوص قانونية، سواء لتوضيح اختصاصات المجالس المنتخبة أو لتنظيم العمالات والأقاليم.
إلا أن التجربة الجهوية السابقة قد أفرزت بعض النقائص والإكراهات، وذلك راجع لعوامل أساسية تتجلى في طبيعة النظام المؤسساتي للجهات المتسمة بضعف الفعالية كتداخل الاختصاصات ما بين الجهة والوحدات اللامركزية، وأخرى تعزى للجوانب الهيكلية ذات الصلة بالنظام الانتخابي وضعف النخب، وثقل الوصاية الإدارية وتشعبها، كذلك محدودية التقسيم الترابي وعدم مواكبة سياسة عدم التركيز. هذه الاختلالات دفعت بالنظام السياسي في بلادنا إلى إعلان رغبة قوية للارتقاء بالنظام الجهوي، كنظام يحظى بمكانة قانونية متميزة وقائم بأدواره التنموية.
المبحث الأول: مرجعيات الجهوية المتقدمة
جاءت الجهوية المتقدمة كإعادة نظر في الأدوار الجديدة للدولة بما يتيح تقاسم المسؤوليات بينها وبين الجهات، وبالتالي فإن تحديث بنية هياكل السلطة المركزية واللامركزية وإعادة النظر في علاقتها نحو تكريس التدبير التشاركي، دون الإخلال بصلاحية السلطة العمومية التي تمكنها من ضمان سيادة القانون وصدارة السياسة الوطنية على المحلية. وتعد الخطب الملكية السامية أهم مرجعية بنيت عليها الجهوية المتقدمة، ومن هذا المنطلق أخذت حيزا كبيرا من اهتمام الدوائر العليا للدولة نظرا لأهميتها على مختلف الأصعدة، هذه المكانة توطد صيتها مع الدستور الجديد لسنة 2011 الذي أوضح دورها التنموي الكبير على المستوى المحلي والوطني.
المحور الأول: التوجيهات والخطب الملكية السامية كمرجعية أساسية
أولى المرجعيات التي بني عليها وضع النموذج المغربي للجهوية المتقدمة تتجلى في التوجيهات والخطب الملكية السامية، مما أبان عن مكانتها وأبعادها التنموية بما تحمله من دعامات أساسية في تعزيز النظام اللامركزي في المغرب. ولعل أول خطاب فتح الباب لمشروع الجهوية المتقدمة كان يوم 6 نونبر 2008 حيث حدد جلالته تصورا مفصلا وأعلن عن انطلاق مسار جديد في هذا المجال، أما خطاب 30 يوليوز 2009 يعد حلقة ثانية في هذا المشروع للارتقاء بالحكامة الترابية وتعزيز الديموقراطية. حيث أدت هذه التوجيهات أولا إلى التعجيل بإعداد ميثاق اللاتمركز الإداري، كما تعزز هذا الورش على أرض الواقع منذ خطاب جلالته يوم 3 يناير 2010 الذي حث على تنصيب لجنة استشارية للجهوية، والتنصيص على أهم المرتكزات، وقد ظلت الخطب الملكية بمثابة خارطة طريق لمسلسل الإصلاح المؤسسي من أجل المضي قدما بالإجراءات التطبيقية التي تحدد مصير الجهوية المتقدمة، كخطاب 9 مارس 2011 الذي أعلن عن التكريس الدستوري للجهوية المتقدمة ومقوماتها.
المحور الثاني: المرجعية الدستورية للجهوية المتقدمة
إذا كان ورش الجهوية يتطلع إلى بلورة الإرادة الملكية الرامية إلى تكريس لامركزية موسعة ديموقراطية الجوهر، متناغمة الأهداف مع التنمية المستدامة والتنمية المندمجة، فإن كل ذلك تم التنصيص عليه دستوريا سنة 2011 لترسيخ هذه الأهداف. حيث تمت دسترة مجموعة من المقتضيات منها ما يتعلق بالتدبير الجهوي والحكامة الترابية للجهوية، التنمية الجهوية والمندمجة، وتعزيز اللاتركيز الإداري... إذ حظيت الجهوية بمكانة متميزة بين باقي المؤسسات الدستورية، بتخصيص بابا كاملا منه للجهات والجماعات الترابية و12 فصلا بدل ثلاثة فصول في دستور 1996. وقد عمل على تحديد النموذج الجهوي لبلادنا مع إبراز المبادئ الأساسية في ما يخص التنظيم والاختصاصات وعلاقتها مع السلطة المركزية.
وعلى هذا الأساس تعتبر الجهوية جزءا محوريا ضمن السياسة العمومية للمغرب وآلية لتفعيل الإصلاحات التحديثية عبر المبادئ التي سطرتها كل من المرجعيتين السالفة الذكر، وهو ما سنعالجه في المبحث الثاني.
المبحث الثاني: مرتكزات ومبادئ الجهوية المتقدمة
المحور الأول: المرتكزات الأساسية
تم تفعيل ورش الجهوية المتقدمة بناء على التوجيهات الملكية السامية بداية مع تنصيب اللجنة الاستشارية يوم 3 يناير 2010، لتسطير المرتكزات الأساسية للجهوية والتي تتجلى في ما يلي:
التشبث بمقدسات الأمة وثوابتها في وحدة الدولة والوطن والتراب: فالجهوية ينبغي أن تكون تأكيدا ديمقراطيا للتميز المغربي الغني بتنوع روافده الثقافية والمجالية، المنصهرة في هوية وطنية موحدة.
الالتزام بالتضامن إذ لا ينبغي اختزال الجهوية في مجرد توزيع جديد للسلطات بين المركز والجهات.
اعتماد التناسق والتوازن في الصلاحيات والإمكانات وتفادي تداخل الاختصاصات أو تضاربها بين مختلف الجماعات المحلية والسلطات والمؤسسات.
انتهاج سياسة اللاتمركز الواسع الذي لن تستقيم الجهوية بدون تفعيله في نطاق حكامة ترابية ناجعة.
وقد توخى الخطاب الملكي المتعلق بتنصيب اللجنة الاستشارية بلوغ أهداف جوهرية، أهمها وجود جهات قوية ذات مجالس وأجهزة تمثيلية وليست صورية، على راسها نخب مؤهلة ومؤطرة قادرة على تدبير شؤون الجهات المشرفة عليها. كما أن البناء الدستوري للجهوية كان جزءا مفصليا لإعلان الانطلاقة للتأسيس القانوني والأهداف التي ينبغي أن تتمحور عليها.
المحور الثاني: مبادئ الجهوية في إطار الدستور الجديد 2011
وفقا لأحكام الدستور الجديد يرتكز التنظيم الجهوي والترابي على مجموعة من المبادئ الدستورية التي تعد الإطار العام الذي يحكم تنظيم واختصاصات الجهات ونظامها المالي، ويمكن إجمال هذه المبادئ في ما يلي:
مبدأ التشاركية في الجهوية المتقدمة: وهو مبدا ديموقراطي من أهم مبادئ الدولة الحديثة، حيث تسيِّر الجهات شؤونها بكيفية تؤمن مشاركة السكان في تدبير شؤونهم والرفع من مساهمتهم في التنمية بشكل عام، وتتم عبر الاقتراع العام المباشر لأعضاء مجالس الجهات، ووضع آليات استشارية لتيسير المشاركة المنظمة.
مبدأ التفريع: وهو أساسي لتوزيع الاختصاصات سواء بين الجهات والدولة أو بينها وبين باقي الجماعات الترابية، إذ يعد من المواضيع المفصلية التي تحدد معالم الجهوية.
مبدأ التدبير الحر: وذلك عن طريق منح اختصاصات ذاتية للجهات لتمارسها بشكل مستقل، ومنح السلطة التنظيمية للجهات بموجب الفصل 140، والتخلي عن مفهوم الوصاية واستعاضته بالرقابة في إطار العلاقة بين الجهات والسلطة المركزية، كما أن الأمر يشمل تمكين الجهات من الوسائل القانونية الضرورية لممارسة صلاحياتها الذاتية.
مبدأ المعادلة بين الموارد والاختصاصات: أقر الدستور أن الجهات كغيرها من الجماعات الترابية تتوفر على موارد مالية ذاتية، وموارد أخرى مرصودة من قبل الدولة، وأكد على أن كل اختصاص تنقله الدولة للجهات والجماعات يكون مقترنا بتحويل الموارد المطابقة له.
مبدأ التعاون والتضامن: من خلال هذا المبدأ نص الدستور على إحداث صندوقين لفائدة الجهات، صندوق التأهيل الاجتماعي وصندوق التضامن بين الجهات.
ربط المسؤولية بالمحاسبة وهو مبدأ يشكل دعامة أساسية للتدبير الإداري للجهوية لتحقيق معايير الجودة والشفافية، وترشيد وعقلنة التدبير المحلي بما يتماشى مع مخطط التنمية البشرية.
المبحث الثالث: الجهوية المتقدمة رافعة لتحقيق التنمية
يعد مشروع الجهوية المتقدمة ركيزة أساسية في تدبير المجال الترابي، الأمر الذي نستحضر فيه متغيرات متعددة اقتصادية، اجتماعية، مالية وإدارية وسياسية لإيجاد قنوات وأدوات جديدة لتحقيق التنمية المحلية، ولهذا سنلقي نظرة على اختصاصات الجهة، ثم التطرق إلى استراتيجية التنمية الجهوية.
المحور الأول: اختصاصات الجهة بالنسبة للاستثمار العمومي في التنمية الجهوية
وفقا للتحديد القانوني للمهام التي يتولاها الجهاز الإداري للجهة، حظيت هذه الأخيرة بثلاثة أنواع من الاختصاصات وهي:
اِختصاصات ذاتية: وتشمل المجالات التالية؛
* إعداد برنامج التنمية الجهوية يتضمن تشخيصا للحاجيات وتحديد الأولويات وتقييم النفقات التقديرية.
* التنمية الاقتصادية: تشمل أساسا الميادين ذات الأولوية المتمثلة في دعم المقاولات؛ جذب الاستثمار؛ تهيئة الطرق؛ إنعاش الاقتصاد الاجتماعي والمنتجات الجهوية.
* التنمية القروية؛
* تنظيم خدمات النقل؛
* الثقافة والبيئة؛
* التكوين المهني والتكوين المستمر؛
* التعمير وإعداد التراب.
ب- اِختصاصات منقولة: في إطار تمكين الجهات من تحقيق التنمية وبلوغ الأهداف، من الممكن أن تنقل الدولة بعض اختصاصاتها إلى الجهات مع تحويل الآليات والموارد في الميادين التالية:
* التجهيزات والبنيات التحتية؛
* الصناعة والتجارة؛
* التعليم والصحة والثقافة والرياضة؛
* الطاقة والماء والبيئة.
كما تتدخل الدولة باستثماراتها لصالح الجهات وفقا لمخططات السياسة العمومية في مختلف القطاعات، إلى جانبه تساهم بعض المؤسسات والمقاولات العمومية التي تعمل على الصعيد الوطني عبر حضورها في المستوى الجهوي بتهيئة وتحسين تنافسية المجالات الترابية منها: مجموعة التهيئة العمران، المكتب الوطني للسّكك الحديدية والمطارات، الوكالة الوطنية للمطارات، بريد المغرب، المكتب الوطني للماء والكهرباء، إضافة إلى الوكالة الوطنية للتنمية، التي تعمل على بروز أقطاب في التنمية المستدامة وإرساء البنيات التحتية الضرورية لتثمين الإمكانات المتاحة وتطوير إجراءات القرب.
المحور الثاني: استراتيجية التنمية الجهوية
إن الغاية التي دعت إلى النهوض بالجهوية إلى وضع متقدم أدت إلى انبثاق مفاهيم بمثابة آليات عمل لا مفر منها لتحقيق النجاعة والسير في درب التنمية وتحقيق الرفاه والتطور، وتتجلى هذه المفاهيم في الحكامة الترابية إلى جانب التنمية المندمجة، وهي مفاهيم غالبا ما نجدها في الخطب الملكية السامية التي لا تدعو فقط للارتقاء بالجهة كهدف في حد ذاته وإنما كوسيلة لبلوغ أهداف التنمية البشرية والمستدامة، وفي الوقت نفسه لا يمكن إنجاح هذا الورش إلا باحترام هذه الآليات المفاهيمية الثلاث وتفعيلها على أرض الواقع.
الحكامة المحلية: وهي مختلف الاِمكانات والآليات التي يمكن من خلالها للمنتخبين المحليين من ترشيد وعقلنة تدبيرهم للشأن المحلي، وكذا مأسسة الفعل والقرار الإداريين، وتدبير الموارد البشرية والمادية المحلية من خلال التركيز على مبادئ الشفافية والنجاعة.
ولتجسيد ذلك على أرض الواقع، يبقى ذلك رهين بمدى وعي النخب المحلية بحجم المسؤوليات ومدى استجابتهم لطموحات المواطنين عبر جودة التواصل، وفعالية التخطيط لهذه الحاجيات وبرمجة تنفيذها. وحتى تلعب الحكامة المحلية دورا رئيسا في تحقيق التنمية ينبغي مزيدا من التدعيم لمسلسل اللامركزية واللاتركيز، وهذا يتطلب منح الجهات الحرية والاستقلال الاداري والمالي، والتخفيف من حدة الوصاية، وتعويضها بنظام المواكبة الإدارية، والرقابة القضائية والمالية عن بعد. إضافة إلى تعزيز دور المصالح الجهوية للدولة (المندوبيات؛ المديريات الجهوية؛ المفتشيات الإقليمية...) وكذلك نقل مزيد من الاختصاصات إليها، وهذا يساهم إلى حد كبير في خلق الانسجام مع التوجهات الكبرى للتنمية المحلية، كما أن الحكامة -في هذا المجال- تلعب دورا كفيلا في كيفية توزيع السلط والموارد والاختصاصات لمسيري الجهة، والتحديد القانوني الدقيق لصفات الأهلية المعرفية للمنتخبين، من أجل اختيار الشخص المناسب في المكان المناسب لمسؤولية تدبير الجهة.
ب- التنمية المندمجة: هي عمل مشترك منسجم ومتناسق ووظيفي، حيث تندمج مجموعة من المؤسسات والقطاعات الخاصة مع بعضها البعض بغية تحسين ظروف معيشة السكان. كتجهيز قرية بالماء والكهرباء، والصحة والتعليم، والطرق، هذا يعني تدخل مجموعة من القطاعات بطريقة تشاركية مندمجة في الوقت نفسه بين قطاعات الدولة ومجلس الجهة والجماعات المحلية (حضرية أو قروية). كما يتطلب الأمر من المنتخبين تحفيز كل الطاقات وتحديد الأولويات باستخدام أنماط تدبيرية ناجعة، قادرة على إطلاق مبادرات تنموية تمكنهم من تحريك كل الإمكانات الذاتية، إذ ينبغي للنخب المسؤولة استحضار التجارب الموفقة؛ تبني تدبير تشاركي مع كل الكفاءات المحلية والفاعلين العموميين والخواص (جمعيات مهنية وجامعات وباحثين ...)، وهذا كي تصبح الجهة فاعلا في التنمية ومنتجا للثروة وفقا للخصوصيات الاجتماعية والثقافية والبيئية في بعدها الاقتصادي.
ج- استراتيجية قائمة على تنمية المبادرة الخاصة: هذه النقطة تستوجب مجموعة من المدخلات، من بينها:
* توفير مناخ أعمال سليم: بتوفير بيئة مناسبة للاستثمار الخاص، وتهيئة الوسط الاجتماعي بمحاربة الآفات وخلق طاقات بشرية مكونة وقادرة على قيادة المبادرة الخاصة.
* رد الاعتبار لمميزات الجهة: وهذا يتطلب دراسة شاملة حول خصوصيات ومؤهلات المجال الترابي من قبل الجهاز الإداري المسير من أجل خوض سياسة التسويق الترابي وتسليط الضوء على مميزات الجهة.
* استراتيجية تستجيب لطموحات واقعية وذلك برصد المشاريع ذات الأولوية والتي من الضروري أن تتوفر عليها الجهة.
* النهوض بثقافة الذكاء الاقتصادي، ودعم المقاولات الصغرى.
خاتمة
تعتبر الجهوية إذن إجراءً يهدف إلى تكريس اللامركزية واللاتركيز، وذلك بخلق وحدات ترابية تحظى بالاستقلال المعنوي والمالي تحت إشراف الدولة. وقد قطع مشروع الجهوية أشواطا طويلة ليتبلور في حلته الأخيرة، وفق التوجيهات الملكية السامية والدستور الجديد، وما زال الباب مفتوحا للتعديل القانوني كلما وجد المشرع صيغة فعالة لتنظيم الاختصاصات وكل ما يخص شؤون الإدارة والتسيير المحلي ليتماشى مع سبل خدمة التنمية البشرية والمستدامة مع ما يتطلبه ذلك من تحقيق للحكامة والتنمية المندمجة وأخذ العبر من الدروس والتجارب الناجحة من الدول المتقدمة، مع مراعاة الظروف والإمكانات والخصوصيات سواء الوطنية أو المحلية، وهذا الأمر في حد ذاته يشكل تحديا أمام مساعي الجهوية، من حيث قدرة الجهة على توفير المخصصات المالية لعمليات التنمية ومدى قدرتها على المنافسة الاقتصادية بجذب الاستثمارات وخلق المبادرات الخاصة تنويعا للنشاط الاقتصادي.
إلا أن التحديات غالبا لا تستمر في حال التشخيص والمعالجة وهو الأمر الذي يستدعي توفير كفاءات سياسية واقتصادية مناسبة، وتوحيد الرؤى بما يخدم الصالح العام، فتحقيق أهداف الجهوية يعتمد على منظومة مجتمعية مواطنة تستجيب لحاجيات تنميتها وتسعى إلى تحقيق الرفاه والتقدم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.